حذر البنك المركزي الأوروبي من أن منطقة اليورو على أعتاب أزمة ديون أخرى في حال لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من تعزيز النمو وخفض الدين العام ومعالجة حالة «عدم اليقين السياسي».
وفي تقريره السنوي حول الاستقرار المالي الذي نُشر اليوم الأربعاء، دق البنك المركزي الأوروبي ناقوس الخطر بشأن عودة محتملة لمخاوف السوق بشأن استدامة الديون السيادية.
وأشار البنك في تقريره إلى ارتفاع مستويات الديون والعجز الكبير في الميزانية، فضلاً عن النمو الفاتر وعدم اليقين الناتج عن «نتائج الانتخابات الأخيرة على المستويين الأوروبي والوطني وخاصةً في فرنسا».
سلط التقرير الضوء على التحديات المستمرة المتعلقة بالامتثال للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي من قِبل حكوماته، إذ أشار لويس دي جيندوس، نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، إلى أن تكاليف الاقتراض في دول مثل إيطاليا وإسبانيا، التي كانت في صميم أزمة منطقة اليورو، لا تزال أقل بكثير من مستويات الذروة التي شهدتها خلال اضطرابات السوق قبل أكثر من عقد. ومع ذلك، أكد أن المخاوف بشأن الديون السيادية بدأت تتزايد في دول أخرى مثل فرنسا.
وقال دي جيندوس في مكالمة هاتفية مع الصحفيين إن الأسواق أصبحت أكثر حساسية تجاه «المخاطر المالية». وأوضح أن تكاليف التمويل في البلدان التي تزيد نسبة دينها العام إلى الناتج المحلي الإجمالي على 100%، ارتفعت بشكل ملحوظ خلال فترات تقلب الأسواق الأخيرة.
وفي هذا السياق، وصل الفارق بين عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات ونظيرتها الألمانية إلى 0.78 نقطة مئوية هذا الشهر، مقترباً من أعلى مستوياته خلال 12 عاماً، وهو ما أعاد إلى الأذهان المخاوف التي سبقت الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
حذر البنك المركزي الأوروبي من أن الرياح المعاكسة للنمو الاقتصادي، مثل ضعف الإنتاجية، تزيد هشاشة الدول ذات مستويات الدين المرتفعة والعجز المالي الكبير، ما يجعلها أكثر عرضة لإثارة المخاوف بشأن استدامة ديونها في المستقبل.
خلال أزمة منطقة اليورو قبل أكثر من عقد، بالكاد تمكنت اليونان من تجنب التخلف عن سداد ديونها، ما أثار اضطرابات كبيرة حول استقرار العملة الموحدة. ولم تهدأ الأزمة إلا بعد تعهد رئيس البنك المركزي الأوروبي آنذاك، ماريو دراجي، باتخاذ "كل ما يلزم" لحماية المنطقة.
وفي تقريره الأخير حول الاستقرار المالي، أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أن المخاطر المالية أصبحت أكثر وضوحاً مقارنة بالتقارير السابقة. بينما تبدو المخاطر المتعلقة باستدامة الديون السيادية قابلة للإدارة على المدى القريب، فإن التحذيرات من «العدوى المحتملة» من مناطق أخرى، مثل السياسات المالية غير الواضحة في الولايات المتحدة، أصبحت أكثر صراحة.
أوضح البنك أن تكاليف التمويل الحكومي في المنطقة قد ترتفع بشكل كبير بسبب الصدمات الاقتصادية الكلية، مشيراً إلى ضعف الأساسيات المالية وارتفاع الديون السيادية المستحقة التي يتم تجديدها بأسعار فائدة أعلى.
واستشهد بتقديرات تظهر أن مدفوعات الفائدة في فرنسا قد تتضاعف إلى أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2034، بينما سترتفع في إيطاليا بنسبة الثلث لتقترب من 6%.
كما تطرق البنك أيضاً إلى تأثير مزيج من انخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع الديون على قدرة الحكومات على تمويل احتياجات الدفاع والاستثمارات المناخية. كما أشار إلى انخفاض توقعات النمو في منطقة اليورو لعام 2025 إلى 1.3%، مما يعمق الفجوة مع الولايات المتحدة.
وأكد البنك أن التقييمات العالية في أسواق الأسهم والسندات تظل مصدر قلق، خاصة مع تصاعد الحديث عن فقاعة محتملة مرتبطة بأسعار أصول الذكاء الاصطناعي. وفي ظل مخاطر الركود المحتمل، قد تتعرض الميزانيات العمومية للبنوك وصناديق الاستثمار لضغوط، مع ارتفاع الخسائر في قطاع العقارات التجارية نتيجة أسعار الفائدة المرتفعة.