تواجه «شي إن»، عملاقة الأزياء الصينية، تحديات كبيرة لنموذج أعمالها، الذي اعتمد على سلسلة إمداد مرنة وشحن مُعفى من الرسوم لتقديم الملابس بأسعار منخفضة تصل إلى دولارين مباشرةً إلى المستهلكين حول العالم.
هذا النموذج سمح لها بالاستفادة من اتجاهات الموضة المتغيرة، لكن التطورات التنظيمية الأخيرة قد تعيق عملياته في كل من الولايات المتحدة ودولياً.
بحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، أعلنت إدارة بايدن مؤخراً عن خطط لاتخاذ إجراءات تنفيذية لمنع دخول المنسوجات من الصين إلى الولايات المتحدة بموجب الإعفاء التجاري للطرود التي تبلغ قيمتها 800 دولار أو أقل، والذي كان قد وفّر سابقاً فوائد كبيرة لـ«شي إن» ومنافستها «تيمو».
كما قامت دول مثل جنوب أفريقيا وتركيا بتنفيذ تنظيمات مماثلة، بينما يدرس الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات مشابهة.
تعمل «شي إن»، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، مع آلاف المصانع، معظمها في الصين، لإنتاج آلاف المنتوجات الجديدة يومياً. وتستخدم الشركة طلبات صغيرة وبيانات في الوقت الفعلي لتقييم الطلب، مما يقلل من تكاليف المخزون، وهو أمر أساسي للحفاظ على أسعارها المنخفضة.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن التنظيمات الجديدة قد تؤثر في «شي إن» مقارنةً بتجار التجزئة الآخرين، إذ أشار شينغ لو، الأستاذ المشارك بقسم دراسات الموضة والأزياء في جامعة ديلاوير، إلى أن الاعتماد على الإعفاء يجعل «شي إن» عرضة أكثر من غيرها.
وبيّن التقرير أن «شي إن» تواجه انتقادات لعدة قضايا تتعلق بالتأثير البيئي والاستهلاك المفرط واستخدام مواد كيميائية سامة في منتجاتها. لكن في ردها، أكدت «شي إن» التزامها بالامتثال للوائح التجارية، موضحة أن نموذج أعمالها المعتمد على الطلب يقلل من هدر المخزون. كما تتعاون الشركة مع وكالات خارجية لإجراء اختبارات السلامة بانتظام لضمان جودة المنتجات.
ولمواجهة التحديات التنظيمية المتزايدة، أطلقت «شي إن» حملة مكثفة للتأثير في السياسات في الولايات المتحدة، حيث استثمرت أكثر من 50 مليون دولار لضمان الامتثال في جميع عملياتها. وقد بقي مؤسسها ومديرها التنفيذي، سكاي شو، صامتاً إلى حد كبير بشأن هذه التحديات، موكلاً جهود الضغط إلى الرئيس التنفيذي دونالد تانغ، وهو مدير سابق في بنك «بير ستيرنز» الأميركي، والذي يسافر بشكل متكرر للقاء المنظمين والسياسيين في واشنطن وأوروبا.
وفي محاولة لتحسين جهود الامتثال، وافق كبار التنفيذيين على تخفيض رواتبهم بنسبة 30% إذا لم تتمكن الشركة من تحقيق معايير معينة، مثل زيادة استخدام المواد المعاد تدويرها. كما زادت «شي إن» من إنفاقها على أنشطة الضغط السياسي في الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث تجاوزت تكاليفها 2 مليون دولار في النصف الأول من عام 2024، وهو ما يقرب من المبلغ الذي أنفقته في جميع أنحاء عام 2023.
وأوضح التقرير أنه بينما كانت «شي إن» تتوقع نمواً بنسبة 30% في الإيرادات لعام 2024، بدلاً من التوقعات السابقة التي كانت تصل إلى 40%، يمكن أن تؤدي جهود الامتثال إلى خفض إضافي في نمو المبيعات. وتقدر التقارير أن الشركة حققت مبيعات بحوالي 32 مليار دولار وأرباحاً قدرها 1.6 مليار دولار في عام 2023، على الرغم من أنها لا تعلن عن بياناتها المالية بشكل علني.
ومع زيادة شعبية مواقع الأزياء الرخيصة مثل «شي إن» و«تيمو»، قدّم مشرّعون أميركيون مقترحات عدّة لتقييد الإعفاء الضريبي من الرسوم، إذ تعمل إدارة بايدن على وضع قواعد جديدة من شأنها فرض رسوم على حوالي 70% من شحنات المنسوجات والأزياء من الصين، والتي كانت قد تجنّبت هذه الرسوم بموجب الإعفاء، مما سيتطلب منها المرور عبر عملية دخول أكثر رسمية.
وأكدت فرانس تاونسند، مستشارة «شي إن»، أن الشركة مستعدة للتكيف مع الإصلاحات، وتهدف إلى التعاون مع المنظمين لضمان قابلية التنفيذ. ويشير المحللون إلى أنه على الرغم من التحديات التنظيمية المحتملة، قد تحتفظ «شي إن» بميزة سعرية على تجار التجزئة الأميركيين مثل «أمازون» و«وول مارت» بفضل كفاءتها في سلسلة الإمداد. ومع ذلك، قد تؤثر عملية الدخول البطيئة على قدرة «شي إن» على الاستجابة السريعة لاتجاهات الموضة.
ضغط المشرعون الأميركيون أيضاً على «شي إن» للحصول على ضمانات بشأن عدم استخدامها للقطن من شينجيانغ، حيث تتهم واشنطن السلطات الصينية باستخدام العمل القسري في قمع الأويغور، وهي اتهامات تنفيها بكين. وفي يونيو، وهو الشهر نفسه الذي قدمت فيه شركة «شي إن» طلباً لإدراج أسهمها في لندن، أطلقت منظمة بريطانية لحقوق الإنسان حملة قانونية لوقف هذا الإدراج، بسبب المخاوف المتعلقة بممارسات العمل التي تتبعها الشركة.
واستجابةً لهذه المخاوف، أكدت «شي إن» علناً عدم تقبلها للعمل القسري والتزامها باحترام حقوق الإنسان.
وعلى مدار العام الماضي، كثّفت «شي إن» جهودها لتنويع قاعدة إنتاجها، حيث بدأت الآن التصنيع في تركيا والبرازيل، وأقامت مستودعات في عدة دول. كما بدأت الشركة في تعيين بائعين محليين في الأسواق التي تعمل بها، على غرار «أمازون»، للتخفيف من مخاوف شينجيانغ والتكيف مع تنظيمات الرسوم المحتملة.
ورغم هذه الجهود، بحسب التقرير، تمثل الروابط مع الصين التحديات الأكبر لـ«شي إن». وأشارت تاونسند، وهي واحدة من التنفيذيين الغربيين التي عينتها «شي إن» لمواجهة التحديات في الولايات المتحدة، إلى أن المعايير الغربية للامتثال تعتبر جديدة بالنسبة لرواد الأعمال الصينيين مثل شو.
في المقابل، تتبنّى «تيمو»، منافسة «شي إن»، نهجاً مختلفاً. فهذا العام، ركزت المنصة المدعومة من شركة التجارة الإلكترونية الصينية (PDD Holdings) على اكتساب مستخدمين من خارج الولايات المتحدة. وتظهر بيانات «إيرنست أناليتكس» انخفاضاً بنسبة 25% في مشتريات المتسوقين الأمريكيين على «تيمو» بين يناير وأغسطس، بينما شهدت «شي إن» زيادة في نمو المستهلكين خلال الفترة نفسها.
إضافة إلى ذلك، أكد التقرير أن التنظيمات التي تستهدف بصمة الشركات البيئية تعد أيضاً قضية معقدة لـ«شي إن»، التي تعتمد على الشحن الجوي والمواد الاصطناعية. ففي يوليو، أصبحت تنظيمات الاستدامة وحقوق الإنسان التي أقرها الاتحاد الأوروبي قانوناً. وفي الشهر نفسه، تعهّدت «شي إن» باستثمار حوالي 270 مليون دولار في المملكة المتحدة وأوروبا على مدى السنوات الخمس المقبلة للتعامل مع نفايات الأقمشة.