ويحاصر الاقتصاد الأميركي أربعة تحديات محتملة خلال الفترة القادمة وهي: إضراب عمال صناعة السيارات، والإغلاق الحكومي المطول، واستئناف مدفوعات القروض الطلابية، وارتفاع أسعار النفط.
ولعل هذه العوامل الأربعة لم تكن لتؤثر بالاقتصاد الأميركي، لو جاءت كل واحدة على حدة، ولكن عندما تكون هذه العوامل مجتمعة فإنها تكون أكثر ضرراً، خاصة عندما يكون الاقتصاد في حالة تباطؤ بالفعل بسبب أسعار الفائدة المرتفعة.
وقال جريجوري داكو، كبير الاقتصاديين في إي-بارثينون، إن "هذا التهديد الرباعي هو الذي يمكن أن يعطل النشاط الاقتصادي".
ويتوقع العديد من المحللين تباطؤ النمو الاقتصادي هذا الخريف ولكن ليس لدرجة الركود، ويتوقع داكو أن يتباطأ النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى معدل سنوي عند 0.6% في الربع الرابع، مقارنة بتحقيق مكاسب متوقعة بنسبة 3.5% في الربع الحالي، بينما يتوقع الاقتصاديون في غولدمان ساكس، أن يهدأ النمو إلى معدل 1.3% في الربع المقبل، من زيادة 3.1% في الربع الثالث.
ومنذ بداية عام 2023 وحتى الآن، دعم الإنفاق الاستهلاكي القوي والبطالة المنخفضة لمستويات تاريخية، النشاط الاقتصادي الأميركي القوي، على الرغم من قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى منذ 22 عاماً، لمحاربة التضخم عن طريق تباطؤ النمو، وفي الوقت نفسه تباطأ النمو في أوروبا والصين بشكل حاد.
وأحد التهديدات الاقتصادية الأميركية هي الإضراب الأوسع والأطول من قبل عمال السيارات المتحدين ضد ثلاث شركات لصناعة السيارات في ديترويت.
وبدأ ما يقرب من 13 ألف عامل الإضراب عن العمل في ثلاثة مصانع في 15 سبتمبر الجاري.
أحد التهديدات الاقتصادية هو الإضراب الأوسع والأطول من قبل اتحاد عمال السيارات ضد ثلاث شركات لصناعة السيارات في ديترويت. بدأ ما يقرب من 13000 عامل الإضراب عن العمل في ثلاثة مصانع في 15 سبتمبر.
وقال رئيس اتحاد عمل السيارات شون فاين يوم الجمعة، إن "الإضرابات ستتسع لتشمل 38 مركزا لتوزيع قطع غيار جنرال موتورز وستيلانتس عبر 20 ولاية.
ومن المتوقع أن يكون التأثير الأولي للإضراب المحدود متواضعا، لكن التوقف عن العمل على نطاق أوسع، يمكن أن يحد من إنتاج السيارات ويؤدي إلى ارتفاع أسعار المركبات. كما يمكن أن يفقد العمال في موردي قطع غيار السيارات وظائفهم.
ومن شأن الإضراب الواسع النطاق أن يقتطع ما بين 0.05 و0.1 نقطة مئوية من النمو الاقتصادي السنوي لكل أسبوع يستمر، وفقا لبنك غولدمان ساكس.
ومن خلال تعطيل المصانع، يؤدي الإضراب أيضا إلى تأجيل التعافي الكامل لقطاع السيارات من اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن جائحة كوفيد 19، حيث حدث نقص حاد في المركبات المتاحة لدى التجار خلال معظم العام الماضي، وذلك بسبب نقص قطع الغيار الذي نتج عنه انخفاض مستويات الإنتاج، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
وعاد قطاع إنتاج السيارات المحلي في الولايات المتحدة إلى ما كان عليه قبل الوباء، ولكن مع مرور الوقت من الممكن أن يؤدي الإضراب إلى انخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار مجددا.
ومن ناحيته، قال غابي إيرليك الخبير الاقتصادي في جامعة ميشيغان إنه "لا يتوقع أن يؤدي الإضراب في حد ذاته إلى دفع الاقتصاد الوطني للركود، ولكن هناك مطبات أخرى قادمة، وفي حال اجتمعت كل هذه الأمور معاً سيكون الربع الرابع مليئاً بالعقبات حتى نهاية العام".
الصدمة التالية التي ينتظرها الاقتصاد الأميركي هي الإغلاق الجزئي للحكومة، وسيتعين على الكونغرس الأميركي حتى نهاية سبتمبر الموافقة على تمويل الحكومة، في حين لا يزال المشرعون على خلاف حتى الآن.
وفي حال لم يتوصل المشرعون إلى اتفاق، فسيتم منح إجازة لجميع العاملين، باستثناء العاملين الأساسيين في الحكومة، وربما يصل عددهم إلى 800 ألف عامل على مستوى البلاد، ومن المرجح أن ينفق هؤلاء العمل أقل في أثناء الإغلاق، كما ستشتري الحكومة مؤقتاً عدداً أقل من السلع والخدمات.
وفي ديسمبر 2018، تسببت مواجهة مماثلة في الكونغرس الأميركي، في إغلاق جزئي للحكومة استمر لمدة خمسة أسابيع، حيث قامت الحكومة خلال تلك الفترة بتمويل بعض الجهات الحكومية دون غيرها، وتم من إجازة لما يقارب من 300 ألف عامل فيدرالي.
وتسبب الإغلاق حينها بتقليص الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع بنسبة 0.1% من عام 2018، و0.2% في الربع الأول من عام 2019 وفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس.
وتم تعويض معظم هذا النشاط الاقتصادي المفقود عندما أعيد فتح الحكومة وتلقى العمال الفيدراليون رواتبهم المتأخرة.
وستكون هناك عقبة أخرى سيواجهها الاقتصاد الأميركي تتمثل في استئناف مدفوعات القروض الطلابية الفيدرالية في مطلع أكتوبر القادم، ويُمكن أن يؤدي هذا إلى إعادة توجيه حوالي 100 مليار دولار من جيوب الأميركيين خلال العام القادم، وفقًا لتقديرات الخبير الاقتصادي تيم كوينلان من ويلز فارجو.
وستكون هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها العديد من المقترضين بسداد المدفوعات منذ مارس 2020، عندما أوقفتها وزارة التعليم مؤقتاً للمساعدة على تخفيف الآثار المالية لجائحة كورونا.
وتتراوح المدفوعات الشهرية لعشرات الملايين من المقترضين من قروض الطلاب بين 200 و 300 دولار للشخص الواحد، على الرغم من أنها تشكل شريحة صغيرة نسبياً تبلغ 18 تريليون دولار من الإنفاق الاستهلاكي السنوي في الولايات المتحدة، إلا أنها لا تزال مصدر قلق للعديد من التجار في قطاع التجزئة.
أسعار الوقود
ويزيد ارتفاع أسعار الوقود من هذا الضغط على الاقتصاد، وتراوحت أسعار خام برنت فوق 90 دولارًا للبرميل خلال الأيام القليلة الماضية، ارتفاعًا مما يزيد قليلاً على 70 دولارًا هذا الصيف. وارتفعت أسعار البنزين بنسبة 10.6% في أغسطس مقارنة بالشهر السابق، وهي أكبر زيادة في شهر واحد منذ يونيو 2022، وفقًا لبيانات وزارة العمل.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدل التضخم الاستهلاكي للشهر الثاني على التوالي، بعد اتجاهه نحو الانخفاض في العام السابق، وبلغ متوسط سعر جالون البنزين العادي يوم الجمعة 3.86 دولار، وفقًا لشركة OPIS، وهي شركة تقدم بيانات وتحليلات الطاقة.
وتؤدي تكاليف الطاقة المرتفعة أيضاً إلى ذهاب الأموال التي يخصصها الأميركيون لتناول الطعام بالخارج، وهدايا العطلات والمشتريات الأخرى.
ويمكنها أيضًا أن تغذي أسعار السلع والخدمات التي يتم تصنيعها أو شحنها أو نقلها جوًا، وارتفعت أسعار تذاكر الطيران بنسبة 5% تقريبًا الشهر الماضي.
وقد يؤدي التضخم المستمر إلى استمرار الضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي، لإبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول من أجل زيادة تباطؤ الاقتصاد.
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول عندما سئل يوم الأربعاء عن العوامل الخارجية التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد: "إنه الإضراب، إنه إغلاق الحكومة، واستئناف مدفوعات القروض الطلابية، وارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل، وصدمة أسعار النفط".