تثير التهديدات بزيادات التعريفات الجمركية الشاملة التي اقترحها الرئيس السابق دونالد ترامب مخاوف بين خبراء الاقتصاد والمستثمرين على حد سواء، الذين يحذرون من أن مثل هذه التدابير قد تعيق النمو الاقتصادي بشكل كبير، وتؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلك، وفقاً لتقرير صحيفة "وول ستريت جورنال".
في خطاب ألقاه أخيراً، أكد الرئيس السابق دونالد ترامب عزمه فرض تعريفات جمركية جديدة، متعهداً بفرض رسوم تتراوح بين 10% و20% على الدول التي وصفها بأنها استغلت الولايات المتحدة على مدى سنوات.
هذا التعهد يشير إلى تحول كبير في سياسات التعريفات الجمركية مقارنةً بالممارسات السابقة، وقد يكون مؤشراً على تغييرات محتملة في استراتيجية التجارة الأميركية في حال فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية، وفق التقرير.
خبراء الاقتصاد في وول ستريت دقوا ناقوس الخطر بشأن زيادات التعريفات الجمركية التي اقترحها ترامب، مشيرين إلى أن هذه الزيادات قد تكون لها آثار بعيدة المدى على الاقتصاد الأميركي.
ونبّه المحللون من مختلف المؤسسات المالية إلى المخاطر المحتملة مثل تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار المستهلك، مما أثار نقاشات حول جدوى وتأثير السياسات التجارية التي اقترحها ترامب.
تجدر الإشارة إلى أن ترامب فرض خلال فترة ولايته الأولى تعريفات جمركية على سلع بقيمة تقارب 380 مليار دولار، معظمها من الصين.
وبينما استمرت إدارة بايدن في تطبيق معظم هذه التعريفات، وأضافت رسوماً إضافية على حوالي 18 مليار دولار من الواردات الصينية، إلا أن الديمقراطيين لم يظهروا دعمهم لمزيد من الزيادات في التعريفات الجمركية خلال دورة الانتخابات الحالية.
مع ذلك، حددت حملة ترامب خطة "لتعريفات أساسية عالمية" تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي، بمعدل مقترح يبلغ 10%، وفي الوقت نفسه، أعرب ترامب عن دعمه لتعريفات جمركية تصل إلى 60% على الواردات الصينية، التي تستهدف ثاني أكبر اقتصاد في العالم. حالياً، يبلغ متوسط التعريفة الجمركية الفعلية على الواردات من الدول غير الصين حوالي 1%، بينما تواجه الواردات الصينية تعريفة متوسطة تبلغ 11%، وفقاً لشركة "وولف ريسيرتش".
يحذر خبراء الاقتصاد من أن التعريفات الجمركية لا تؤثر مباشرة على الدول الأجنبية، بل يتم تحميل تكاليفها على الشركات المحلية التي تستورد المنتجات، والتي غالباً ما تنقل هذه التكاليف إلى المستهلكين من خلال زيادة الأسعار.
على المدى القصير، قد تؤدي التعريفات الجمركية الشاملة إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار المستهلكين، وتعرقل النمو الاقتصادي، عبر فرض ضغوط مالية على الأسر وتقييد الإنفاق. وفي تقديرات المحللين، قد تساهم التعريفات الجمركية بنسبة 10% في رفع معدل التضخم بمقدار 0.9 نقطة مئوية.
عند دمج قيود الهجرة التي فرضها ترامب مع خططه لزيادة التعريفات الجمركية، يتوقع الخبراء انخفاضاً في النمو الاقتصادي يتراوح بين 1 و2 نقطة مئوية، مما قد يؤدي إلى دفع الاقتصاد نحو الركود.
وتدعم هذه المخاوف توقعات "ستاندرد تشارترد"، التي تقدّر أن خطط ترامب لزيادة التعريفات الجمركية قد تؤدي إلى رفع الأسعار بنسبة 1.8% على مدى عامين.
وبينما يتفق معظم خبراء الاقتصاد على أن التعريفات الجمركية ستؤدي إلى زيادة أولية في أسعار المستهلكين، فإنهم لا يتوقعون تأثيرات تضخمية مستمرة. كما قد يواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي تحديات في إدارة تخفيضات أسعار الفائدة لمواجهة هذه الزيادات في الأسعار، وفقاً للصحيفة.
الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب أثّرت بشكل ملحوظ على سوق الأوراق المالية، فقد أدت تهديداته بفرض رسوم على الواردات المكسيكية إلى انخفاض أسهم شركات صناعة السيارات التي تعتمد على التصنيع عبر الحدود.
عموماً، يربط المحللون التراجعات في مؤشرات الأسهم خلال عام 2018 بحالة عدم اليقين التي أوجدتها سياساته الجمركية.
وفي الوقت الحالي، تعكف وول ستريت على تقييم الفائزين والخاسرين المحتملين من المقترحات الجديدة التي قدمها ترامب.
يُشير محللو شركة "جيفريز" إلى أن الرسوم الجمركية الأعلى قد تفيد شركات صناعة الصلب مثل "كليفلاند كليفس" و"يو إس ستيل"، من خلال تقليل المنافسة من الواردات الأجنبية. على النقيض، قد تشهد شركات مثل "لولوليمون أثليتيكا" و"بست باي" انخفاضاً في هوامش أرباحها؛ بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد.
على الرغم من هذه التأثيرات القطاعية، يبقى القلق الرئيس للمستثمرين هو الأثر المحتمل على الاقتصاد بشكل عام. تقديرات شركة "وولف ريسيرتش" تشير إلى أن خطط ترامب لزيادة التعريفات الجمركية قد تفرض عبئاً اقتصادياً أكبر من مقترحات الديمقراطيين لخفض الضرائب على الأسر ذات الدخل المرتفع، التي ستنتهي في عام 2025.
يرجع ذلك بشكل رئيس إلى أن زيادة التعريفات الجمركية ستؤثر بشكل غير متناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، التي تكون أكثر حساسية لتقلبات الأسعار.
رفع التعريفات الجمركية يعد خطوة يسيرة نسبياً بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة، الذي يمكنه تطبيق زيادات أحادية الجانب على واردات معينة لأسباب متعددة، بما في ذلك انتهاكات قوانين التجارة الأميركية.
يتفق المحللون بشكل عام على أن ترامب لن يواجه صعوبة كبيرة في زيادة التعريفات الجمركية على الواردات الصينية، نظراً للممارسات التجارية للصين. ومع ذلك، تثار تساؤلات حول ما إذا كانت القوانين الحالية ستتيح له فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على نطاق واسع من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس.
وفقاً لأندي لابيريير، رئيس أبحاث السياسة الأميركية في "بايبر ساندلر"، يمكن لترامب اعتماد استراتيجية "إغراق المنطقة" من خلال فرض تعريفات جمركية على واردات من عدة دول باستخدام مبررات قانونية متنوعة.
وفي حال فوزه بولاية ثانية، من المتوقع أن يكون ترامب محاطاً بعدد أكبر من الحلفاء الجمهوريين الذين يتبنون وجهات نظره التجارية، مما قد يمنحه الزخم لمتابعة أجندته الطموحة للتعريفات بشكل أكثر عدوانية.
هذا قد يضيف مزيداً من المخاطر على سوق الأسهم والاقتصاد الأوسع، رغم أن بعض المستثمرين يأملون تكرار تجربة الجمهوريين بقيادة ترامب في عام 2016.
ومع اقتراب الانتخابات، سيواصل المستثمرون التعامل مع حالة عدم اليقين المحيطة بخطط ترامب للتعريفات، وآثارها المحتملة على الاقتصاد، وفق تقرير الصحيفة.