وتتزايد قائمة عمليات تسريح المدراء والموظفين المكتبيين من ذوي الياقات البيضاء يومياً تقريباً، ما أسفر مثلاً عن تخفيض الوظائف في غوغل ودولينغو ويو بي إس في الأسابيع الاخيرة.
ورغم ذلك، لا يزال العدد الإجمالي للوظائف المفقودة بطريقة مباشرة بسبب الذكاء الاصطناعي التوليدي منخفضاً، ولكن يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يحظى قريباً بحصة أكبر بكثير من الوظائف الإدارية، بما في ذلك المديرين المتوسطين والكبار.
وعلى عكس الموجات السابقة من تكنولوجيا الأتمتة، لا يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على تسريع المهام أو تقديم التنبؤات من خلال التعرف على أنماط البيانات فحسب، فهو يتمتع بالقدرة على إنشاء المحتوى، وتجميع الأفكار، حيث يحمل في جوهره نوعا من العمل المعرفي الذي يقوم به ملايين الأشخاص الآن خلف أجهزة الكمبيوتر.
ويشمل ذلك الأدوار الإدارية التي قد لا يبقى الكثير منها وفقاً لما يقوله المسؤولون التنفيذيون والمستشارون في الشركات، ممن يتوقعون أن تتولى التكنولوجيا سريعة التطور أعمالاً يجري إنجازها الآن صعوداً وهبوطاً في سلم الشركات بصناعات تترواح من التكنولوجيا إلى المواد الكيميائية.
وقال آندي تشالنجر نائب الرئيس الأول لشركة تشالنجر جراي آند كريسمال للتشغيل الخارجي، إن هذه الموجة من التكنولوجيا تعد بديلاً محتملاً أو معززاً للكثير من وظائف التفكير النقدي والوظائف الإدارية.
وأشار إلى أن بعض التخفيضات في الوظائف، التي تحدث بالفعل، نتيجة مباشرة للتغييرات القادمة من الذكاء الاصطناعي، وأن شركات تقلص الوظائف لإنفاق المزيد من الأموال على الذكاء الاصطناعي وتحت ضغط للعمل بنحو أكثر كفاءة.
وفي الوقت نفسه، يقول قادة الأعمال إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤثر على عدد الموظفين في المستقبل بطرق أخرى، ففي شركة الكيماويات Chemours، يتوقع المسؤولون التنفيذيون أنهم لن يضطروا إلى توظيف عدد كبير من الأشخاص في المستقبل، رفم نمو الشركة.
ومنذ شهر مايو الماضي، عزت الشركات تخفيض أكثر من 4600 وظيفة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجال الإعلام والتكنولوجيا، وفقا لإحصاء تشالنجر.
وتقدر الشركة أن العدد الإجمالي لتخفيضات الوظائف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قد يكون أعلى، نظراً لأن العديد من الشركات لم تربط بشكل صريح التخفيضات باعتماد الذكاء الاصطناعي في إعلانات تسريح العمال.
وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد المهنيين الذين يستخدمون الآن الذكاء الاصطناعي التوليدي في حياتهم العملية اليومية.
وقال أكثر من 15 ألف عامل في مجالات تتراوح من الخدمات المالية إلى تحليلات التسويق والخدمات المهنية، إنهم سيستخدمون التكنولوجيا مرة واحدة على الأقل أسبوعياً في أواخر عام 2023، وهي قفزة حادة مقارنة بشهر مايو، وفقًا لمنتدى أوليفر وايمان، الذراع البحثية لـ مجموعة الاستشارات الإدارية أوليفر وايمان، التي أجرت الاستطلاع.
واعتبر ثلثا هؤلاء العمال من ذوي الياقات البيضاء أن إنتاجيتهم تحسنت نتيجة لذلك، مقارنة بـ 54% من العمال ذوي الياقات الزرقاء الذين تم دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في وظائفهم.
وسرّحت شركة ألفابت المالكة لشركة غوغل، الشهر الماضي، مئات الموظفين في مجالات الأعمال بما في ذلك الأجهزة وأدوات البرامج الداخلية في إطار سعيها لخفض التكاليف، وتحويل المزيد من الاستثمارات إلى تطوير الذكاء الاصطناعي.
وقالت شركة برمجيات تعلم اللغات دولينغو في الأسبوع نفسه إنها سرحت 10% من المتعاقدين معها، وإن الذكاء الاصطناعي سيحل محل بعض عمليات إنشاء المحتوى التي تعاملوا معها.
وشرعت الشركات خارج قطاع التكنولوجيا في تحولات مماثلة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقالت شركة United Parcel Service إنها ستلغي 12000 وظيفة، تبدؤها بموظفي الإدارة وبعض العاملين بعقود، مبينة أنه من غير المرجح عودة هذه الوظائف حتى عندما تنتعش أعمال شحن الطرود مرة أخرى.
وعززت الشركة استخدامها للتعلم الآلي في عمليات مثل تحديد ما يجب فرضه على العملاء مقابل الشحنات، ونتيجة لذلك، أصبح قسم التسعير في الشركة بحاجة إلى عدد أقل من الموظفين.
وقال جلين زاكارا، المتحدث باسم الشركة، إن استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة يغير أيضاً بعض الوظائف في UPS "من خلال تقليل المهام المتكررة والإجهاد البدني".
ومع تزايد اعتماد الذكاء الاصطناعي، فمن المرجح أن يعاد تشكيل التسلسل الهرمي للإدارة، كما تتوقع دراسة أوليفر وايمان.
ومن المرجح أن يتحمل العمال المبتدئون العبء الأكبر في البداية، حيث تجري أتمتة المزيد من واجباتهم. وفي المقابل، سيبدو العمل المستقبلي على مستوى المبتدئين أشبه بأدوار الإدارة من المستوى الأول.
وقال أكثر من نصف كبار المديرين الإداريين الذين شملهم الاستطلاع في الدراسة إنهم يرون أنه يمكن أتمتة وظائفهم من خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي، مقارنة بـ 43% من المديرين المتوسطين و38% من مديري الخط الأول.
ومع ذلك، يرجح قادة الأعمال في جميع أنحاء الاقتصاد أن تعمل التكنولوجيا الجديدة على زيادة ورفع مستوى بعض الأدوار الإدارية، ما يمنح الموظفين والمديرين الوسائل اللازمة للقيام بمزيد من العمل الهادف، سواء بالنسبة لشركاتهم أو في حياتهم المهنية.
وفي شركة بروسوس، وهي مجموعة عالمية للاستثمار في التكنولوجيا ومقرها هولندا، يقول المسؤولون التنفيذيون إن هذا يحدث بالفعل حيث يؤتمت الذكاء الاصطناعي المزيد من مهام القوى العاملة لديها.
وقال يورو بينات، الرئيس العالمي للذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات في بروسوس: "يمكن للمهندسين ومطوري البرمجيات وغيرهم القيام بالعمل بسرعة مضاعفة".
وأضاف: "أحد الآثار الجانبية هو أن الكثير من هؤلاء الموظفين يمكنهم القيام بالمزيد والقيام بأشياء مختلفة قليلاً عما كنا نفعله من قبل".
وعلى سبيل المثال، اعتاد مصممو الويب في شركة Prosus أن يطلبوا من مطوري البرامج القيام بالبرمجة. ويقول بينات إن بإمكانهم الآن أن يفعلوا ذلك بأنفسهم.
وفي الوقت نفسه، يمكن لمطوري البرامج التركيز بقدر أكبر على التصميم والتعليمات البرمجية المعقدة. وقال إنها "تعزيز للأقدمية".
وفي شركة Chemours، وهي شركة تابعة لشركة DuPont، دربت الشركة نحو 1000 موظف في المكاتب والمختبرات على تطبيقات الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ونتيجة لذلك، فإن المهنيين الماليين الذين اعتادوا إعداد تقارير معينة مع الكثير من النسخ واللصق بين الأنظمة وجداول البيانات، أصبحوا يقومون بذلك الآن بنحو أسرع بكثير كما قال مات أبوت، كبير مسؤولي تحويل المؤسسات في شركة Chemours.