logo
اقتصاد

العولمة لم تمت.. بل يتغير شكلها

العولمة لم تمت.. بل يتغير شكلها
تاريخ النشر:17 يناير 2023, 05:54 م

بدا المستقبل مشرقًا لجميع الأطراف عندما انضمت ألفابت الشركة الأم لشركة جوجل إلى شركة فيسبوك وشريك في هونج كونج في عام 2016 لبناء خط كابلات الألياف الضوئية بطول 8000 ميل تحت سطح البحر، يربط لوس أنجلوس بهونج كونج على طريق سريع للمعلومات بين القوتين العُظمَيَيْن.

لكن المشروع لم يسر كما خطط له، إذ رفضت إدارة ترامب الموافقة بحجة مخاوف أمنية، ثم سلك عمالقة التكنولوجيا طريقهم الخاص، ووجهوا قطعهم من خط الكابل إلى الفلبين وتايوان دون ارتباط مع هونج كونج.

وهذا المسار المتحول لشبكة الكابلات الخفيفة في المحيط الهادئ يعد استعارة للحالة الراهنة للعولمة، فعلى مدى عقود، سعت الشركات متعددة الجنسيات إلى إيجاد سلاسل توريد رخيصة وفعالة لإنتاج سلع للتصدير العالمي، بالإضافة إلى الوصول إلى الأعداد المتزايدة من السكان الشباب في البلدان النامية لتحفيز المبيعات.

وعملوا على افتراض أن التوترات الأمنية والسياسية بين الدول لن تعرقل عملياتهم، الأمر الذي قاد العديد منهم إلى الصين، ولا تزال هذه الشركات تبحث عن أسواق رخيصة وفعالة وشابة، لكنهم الآن يريدون الأمان أيضا، ما يعني بالنسبة للكثيرين التنويع بعيداً عن التوتر المباشر بين القوى الاقتصادية العظمى في العالم.

بعبارة أخرى، لم تنته العلاقات الاقتصادية العالمية؛ بل أعيد توجيهها ورافق ذلك تداعيات واسعة النطاق، فضياع الكفاءات يعني ارتفاع التكاليف للأسر والشركات، وضغط هامش الربح للشركات.

وفي مجالس الإدارة، يعني ذلك ضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام للمخاطر وتوسيع نطاق الأزمات المحتملة، وبالنسبة للسياسيين، فإن ذلك سيزيد من حدة النضال من أجل تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والتضخم المنخفض ضرورة الدفاع عن المصلحة الوطنية.

ولكن الفرص لا تزال قائمة أيضا، حيث يفوز قطاع الطاقة في الولايات المتحدة بحصة سوقية إبان تحول أوروبا عن الاعتماد على روسيا، في الوقت نفسه، تفوز فيتنام والفلبين والمكسيك وغيرها بأعمال التصدير، حيث تقوم الشركات متعددة الجنسيات بتنويع شبكات التوريد الخاصة بها.

"ما نشهده ليس انهيارًا للعولمة، بل إعادة تشكيل لها"، يقول داني رودريك، الأستاذ في جامعة هارفارد، الذي كان من أوائل من حذروا من خطر رد الفعل الشعبي العنيف ضد العولمة.

بلغت التجارة العالمية كنسبة من النشاط الاقتصادي الإجمالي ذروتها عند 61% في عام 2008، في ذروة قوة الصين، عندما تسببت الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة في ركود عالمي.

وتراجعت التجارة منذ ذلك الحين إلى 57% من النشاط الاقتصادي، وفقًا لبيانات البنك الدولي، وهي لا تزال أكبر بكثير من التقديرات التي كانت تبلغ 31% في المتوسط خلال السبعينيات، و 36% خلال الثمانينيات أو 40% في التسعينيات.

ولا يتوقع السيد رودريك تراجع التجارة العالمية إلى ما يقرب من 10% من الناتج الاقتصادي الذي حدث في الثلاثينيات، فقد استثمرت الشركات متعددة الجنسيات الكثير في سلاسل التوريد العالمية ولن تسمح لها بالاختفاء ببساطة، بل ستعمل وفق مسارات التجارة العالمية حيث يمكن الآن رؤية أكبر التغييرات التي تسارعت بفعل الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب عام 2018 ضد الواردات الصينية، ثم تضخيمها من خلال جهود إدارة بايدن لمنع الواردات الصينية من الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية المتقدمة، وإغلاق الصين للمصانع والشركات بسبب الوباء، وحرب روسيا في أوكرانيا.

والنتيجة أن حصة الصين من الواردات الأميركية انخفضت من ذروة بلغت 22% في عام 2017 إلى أقل من 17% العام الماضي، في حين تفوز اقتصادات آسيوية أخرى والمكسيك بحصةٍ، ولا سيما فيتنام التي ارتفعت صادراتها إلى الولايات المتحدة من أقل من 10 مليارات دولار قبل عام 2007 إلى أكثر من 120 مليار دولار في عام 2022.

كما حظيت الفلبين وتايوان وتايلاند والهند وماليزيا بنمو سريع في الصادرات إلى الولايات المتحدة، مع زيادة صادراتها إلى الصين.

تضاعفت صادرات المكسيك السنوية إلى الولايات المتحدة تقريبًا منذ عام 2008 إلى أكثر من 400 مليار دولار، وزادت صادراتها إلى الصين أيضًا، وفي الوقت نفسه، اكتسبت الصين حصة متزايدة من التجارة من روسيا، مع تحول أوروبا بعيدا عن التعامل مع جارتها الشرقية، وأخذت صادرات الصين إلى جنوب شرق آسيا في الارتفاع أيضا.

كما أن مسارات التمويل تتغير بالمثل، بلغت القروض الأميركية عبر الحدود ذروتها في عام 2011، واستقرت لعدة سنوات وبدأت تنمو مرة أخرى حوالي عام 2016.

ومن بين أكبر المستفيدين من زيادة الإقراض الأميركي الحلفاء التقليديون في أميركا الشمالية وأوروبا، بما فيهم كندا والمكسيك وفرنسا وألمانيا، وهذا دليل على أن التحالفات القديمة تتعزز في عالم يزداد خطورة.

وتكتسب منطقة جنوب شرق آسيا أيضا حصة متزايدة من الاستثمار الأجنبي المباشر الأميركي، وشكلت الصين وهونغ كونغ 24% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر للولايات المتحدة في آسيا في عام 2008، في حين شكلت سنغافورة 21% بحلول عام 2021، في حين شكلت هونغ كونغ والصين 26%.

يشك رودريك في أن السياسات الصناعية الرامية إلى تعزيز التصنيع في الاقتصادات المتقدمة ستحقق العديد من الفوائد للعمال، لأن العديد من هذه الاقتصادات موجهة نحو الخدمات، وقلقه الأكبر أن هذا المشهد الجديد محفوف باحتمال أن يؤدي الاحتكاك الاقتصادي بين البلدان إلى صراع مفتوح، ويقول إن العولمة الجديدة قد جرى تسليحها بالفعل باستخدام التعريفات الجمركية والعقوبات وضوابط التصدير.

ولعل أكبر مستفيد في السنوات الأخيرة كان دولة أخرى تحت حكم الحزب الشيوعي: فيتنام، كما هو الحال في الصين، فإن سكان فيتنام البالغ عددهم حوالي 100 مليون نسمة هم من الشباب المتطور والمتقدم من حيث التعليم ولديح حماس للتقدم الاقتصادي.

يقول ديفيد لويس، الرئيس التنفيذي لشركة ECV Holdings ومقرها هيوستن، إن المقارنات بين الصين وفيتنام تنتهي عند هذا الحد، لأن القادة الفيتناميين محايدون في السياسة العالمية وينصب تركيزهم على النمو والازدهار ودعوة الاستثمار الأجنبي المباشر.

ويضيف لويس: "ما لدينا في فيتنام هو كل ما أردناه في الصين باستثناء طموحات الهيمنة على العالم".

وتدخل الشركات اليابانية في لعبة التنويع العالمية أيضا، إذ تقوم شركة ماتسوكا بتصنيع الملابس نيابة عن العلامات التجارية الأخرى، حوالي 70% منها لشركة يونيكلو التابعة لشركة Fast Retailing Co.

في خطة عمل صدرت في مايو 2022، قالت الشركة إنها تعتزم إنتاج 71% من إنتاجها في جنوب شرق آسيا في السنة المنتهية في مارس 2026، ارتفاعًا من 50% في السنة المنتهية في مارس 2022، إلى حد كبير عن طريق تحويل الإنتاج من الصين.

وكجزء من هذه الخطة، تستثمر الشركة 8.7 مليار ين، أي ما يعادل 65 مليون دولار، لبناء مصانع جديدة في بنغلاديش وفيتنام في العامين المنتهيين في مارس 2023.

استحوذت الصين على 74% من واردات المنسوجات اليابانية في عام 2012، وهو رقم انخفض إلى 58.7% في عام 2021، وفقًا لرابطة مستوردي المنسوجات اليابانية، في حين أن العديد من الشركات اليابانية تقلص اعتمادها على الصين، لم يشر أي منها إلى أنها تخطط لاستبعاد الصين كمورد تمامًا.

ويخلص رودريك إلى أن : "إعادة العولمة لا تزال في مراحلها الأولى، وبنيت سلاسل التوريد على مدى 30 عامًا أو أكثر، وفكرة أنها ستنتهي تماما بين عشية وضحاها فكرة مجنونة".

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC