ينطلق المسؤولون الأميركيون من واشنطن إلى بقاع العالم في حملة دبلوماسية هادئة لحمل شركاء روسيا التجاريين الرئيسيين على فرض عقوبات وضوابط تجارية، مع تعافي واردات البلاد عقب تراجعها خلال الأسابيع التي تلت غزو موسكو لأوكرانيا.
ادعت الولايات المتحدة وحلفاؤها تحقيق نجاحات مبكرة في حملتهم للضغط الدولي، التي عطلت سلاسل التوريد العسكرية الروسية ودفعت اقتصادها إلى تسجيل انكماش حاد.
لكن مع ما يسمى "تسرب العقوبات" تراجعت قيود الحملة، وبسبب ضعف إنفاذ العقوبات تدفق التمويل والتجارة المحظوران من قبل، ما ساعد الاقتصاد الروسي، وربما يطيل أمد الحرب، وفقًا لكبار المسؤولين الغربيين.
وقالت مفوضة الخدمات المالية في المفوضية الأوروبية ميريد ماكغينيس، التي يشرف مكتبها على سياسة عقوبات الاتحاد الأوروبي، في مقابلة: "نريد تجنب التحايل، سواء داخل أوروبا أو مع دول أخرى، فكلما طال تسرب العقوبات.. زادت صعوبة تحقيق النتائج".
وأضافت أن مكتب ماكغينيس يتفحص البيانات الجمركية الأوروبية لاستئصال التسرب.
رحلات مكوكية
أرسلت الولايات المتحدة كبار المسؤولين من وزارات رئيسَةٍ إلى العواصم الأجنبية، لإحكام الحصار المالي والتجاري الذي فرضته الدول الغربية على روسيا، وتركزت مهمتهم على تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن شبكات التهرب من العقوبات، والتهديد الهادئ للسلطات والشركات المترددة بإجراءات عقابية، وجمع المعلومات حول الشبكات المشتبه في نقلها الإمدادات إلى روسيا، وفقًا لمسؤولين في الإدارة.
وقد شددت وزيرة الخزانة، جانيت يلين على تلك القضية مع نظيراتها بمجموعة الدول الصناعية والنامية العشرين في بالي بإندونيسيا الأسبوع الماضي، وفي مطلع هذا الشهر توجه نائب وزيرة الخزانة، والي أدييمو إلى بروكسل ولندن وباريس، كما زارت إليزابيث روزنبرغ، مساعدة وزيرة الخزانة لشؤون مكافحة الإرهاب في اليابان مؤخرا في نفس المهمة.
كذلك انتشرت بكافة أنحاء العالم كتائب المسؤولين من المستويات الدنيا من وزارة الخزانة والتجارة ووزارة الخارجية.
قالت روزنبرغ لمؤتمر اتحاد المصارف العربية أواخر الشهر الماضي: "هناك تقارير تفيد بنشاط غسل الأموال الروسي بالعالم العربي"، مستخدمة لغة غير معتادة قال المسؤولون الأميركيون إنها بقصد التحذير، حيث قالت: "لدينا جميعًا مصلحة راسخة لمنع ذلك والتحقيق فيه والقضاء عليه".
الحلفاء ليسوا بخندق واحد
كشفت البيانات التجارية خلال الربع الثاني عن تراجع واردات روسيا من عدد من أكبر الاقتصادات في العالم بأكثر من 50% عقب فرض العقوبات نهاية فبراير، لكن الواردات من عدة بلدان عادت للتعافي، بما فيها من حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وفقًا لتحليل أجرته وول ستريت جورنال للبيانات التجارية.
وما تزال واردات روسيا من حلفاء مثل كوريا الجنوبية واليابان تسجل مستوى أدنى من مستويات ما قبل العقوبات، لكنها تعافت ومحت نحو ثلث خسائرها الأولية، وفقا لتحليل وول ستريت جورنال.
واصل الاتحاد الأوروبي زيادة الحصة الإجمالية للصادرات المحظورة بموجب العقوبات على روسيا، لكنه قضى أيضًا على بعض التراجعات الأولية في التعاملات التجارية.
يشعر المسؤولون الغربيون وبعض كبار مسؤولي الامتثال بالقلق من تبني البنوك في النمسا، وجمهورية التشيك، وسويسرا، الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عقوبات الاتحاد الأوروبي الأكثر تساهلا بشأن إنفاذ العقوبات.
تخاذل سويسري
تتجنّب معظم الشركات والبنوك المعاملات التي من المحتمل أن تنتهك العقوبات، ويقول جورج فولوشين المحقق في عقوبات روسيا لدى رابطة المختصين المعتمدين في مكافحة غسل الأموال: "ترى بعض الشركات وجود فرصة سانحة، وعلى سبيل المثال يكونون مرتاحين للغاية عند التعامل مع المسؤولين الحكوميين الروس".
قالت السلطات المالية السويسرية في أبريل إن البلاد جمدت حوالي 8 مليارات دولار من الأصول الروسية، لكنها في المقابل عادت وأفرجت في مايو عن حوالي 3 مليارات دولار من تلك الأصول، بينما يقدر محللو هذا القطاع أن مجموع أصول الأوليغاريشية الروسية في سويسرا أعلى من ذلك بكثير.
وقالت أنتجي بيرتشي، المتحدثة باسم وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية في سويسرا، إن حجم الأصول المجمدة من الحكومة كان "مرتفعًا وفقًا للمعايير الدولية وكذلك بالمقارنة مع أنظمة العقوبات الأخرى، ولا ندري تماما أي نقد موجه لنا".
قال بنك "رايفايزن انترناشونال" النمساوي في مارس إنه سيراجع تعاملاته مع روسيا، التي تمثل مصدر أعمال مهما للبنك، بما يتضمن حتى احتمال التخارج من روسيا، ولكن بعد أشهر، قال البنك في تقريره للربع الثالث إنه ما زال يُقيم خياراته الاستراتيجية في البلاد، في الوقت الذي قامت فيه معظم البنوك الغربية على الفور بتقييد أي تعاملات مالية مع روسيا بعد الغزو في فبراير.
قالت إنغريد ديتز، المتحدثة باسم بنك "رايفايزن" إن مجموعة آر بي آي تلتزم بكافة العقوبات المطبقة"، وإن البنك قد خفض قروضه للعملاء في روسيا المقومة بالروبل بنسبة 25% منذ بداية العام كما خفض القروض الجديدة.
دعم صيني وتركي
أصبحت الصادرات إلى روسيا من الصين، التي لم تدعم حملة الضغط الغربية، أكبر مما كانت عليه عند فرض العقوبات، وينتاب المسؤولين الأميركيين القلق من توفير الصين التمويل والبضائع الضرورية لجهود الحرب والاقتصاد الروسي، بينما تقول بكين إنها لن تمتثل للعقوبات الغربية التي ترى أنها غير قانونية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان في مؤتمر صحفي دوري هذا الشهر: "العلاقات الصينية الروسية قوية للغاية".
كما ارتفعت الصادرات التركية إلى روسيا بنحو 25% بنهاية الربع الثاني مقارنة بفترة ما قبل العقوبات، وهي العضو في حلف الناتو، الذي يزود كييف بطائرات بدون طيار، كما أدت دورًا رئيسًا في المحادثات الدبلوماسية حول صادرات الحبوب الأوكرانية، كما تكشف البيانات الأخيرة أن الصادرات من تركيا إلى روسيا قد انتعشت أكثر منذ ذلك الحين.
قال نور الدين نباتي، وزير المالية التركي إن بلاده لا تقوض حملة الضغط، وأضاف خلال مقابلة مع وول ستريت جورنال: "نواصل تجارتنا مع روسيا في أنشطة لا تخضع لأية عقوبات".
أعلنت أنقرة عن وقف خطط بقطاعها المصرفي لربط القطاع المالي التركي بنظام المدفوعات الروسي، الأمر الذي كان سيوفر لموسكو رابطًا مهمًا بالنظام المالي العالمي، حيث يخضع معظم النظام المصرفي في روسيا للعقوبات.
وقال بريان نيلسون، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في مقابلة "إنها جهود عالمية"، وهذا يعني: "ملاحقة التهرب من العقوبات، وتوجيه جهودنا لإحداث تأثير في ساحة المعركة، وملاحقة من يواصلون السماح للرئيس بوتين باستعراض قوته".
المصدر: وول ستريت جورنال