logo
اقتصاد

الوجه الآخر للازدحام: كيف تحوّل إلى فرص للشركات في دبي؟

الوجه الآخر للازدحام: كيف تحوّل إلى فرص للشركات في دبي؟
حركة المرور على شارع الشيخ زايد - دبي - الإمارات العربية المتحدة - 23 مارس 2023المصدر: رويترز
تاريخ النشر:24 فبراير 2025, 01:51 م

تواجه مدينة دبي الكبرى تنامي ظاهرة الازدحام المروري؛ بسبب نشاطها الاقتصادي الهائل. ويتضح هذا الازدحام في ساعات الذروة. ومع ذلك، وبالرغم من الجوانب السلبية لهذا الزحام (كالتلوث والضجيج وإضاعة الوقت في زحمة المواصلات)، ثمّة فرص اقتصادية لا بد من التنويه بها هنا. 

على مدار الخمسين عاماً السابقة تبنت إمارة دبي سياسات مبتكرة تحوّل التحدّيات إلى محفزات للنمو اقتصادي لصالح تنويع مصادر دخل الإمارة. وقد دعمت هذه السياسات بتقنيات حديثة وباستثمارات كبيرة في البنية التحتية، من شبكات مرور واتصال وكهرباء، وفقاً لما رصده أستاذ الاقتصاد في جامعة أتاوا – كندا، كمال ديب متحدثاً لموقع "إرم بزنس". 

وبسبب نموها الهائل والسريع في الحقبات السابقة، فقد زاد عدد سكان مدينة دبي من حوالي 30 ألفاً عام 1960 فقط إلى 3.79 مليون العام 2024، فأصبحت مدينة عالمية كبيرة تواجه تحديات أبرزها الازدحام المروري.

وأكد ديب، أن أسلوب مواجهة التحدّي المروري في مدينة دبي بات اليوم نموذجاً عالمياً يُحتذى به، حيث تبنّت الحكومة سياسات مبتكرة تضمنت الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا، وأظهرت تقدماً عالمياً. فباتت دبي في صدارة المدن العربية، تحتل المرتبة الأولى عربياً والـ57 عالمياً في كيفية التعامل مع كثافة الازدحام في ساعات الذروة.

قياس الازدحام وعوامله

يُعرّف الازدحام المروري بأنه حالة ارتفاع كثافة المركبات من سيارات وباصات وشاحنات على الطرق الرئيسة خلال الفترات الحرجة بين الساعات 8 و9 صباحاً و 5 و7 مساءً. 

وترجع أسباب الازدحام إلى عوامل ثلاثة بنيوية وسلوكية وبيئية، إذ تؤدي زيادة عدد المركبات والنمو السكاني إلى تجاوز قدرة الطرق على الاستيعاب. وتبرز سلوكيات القيادة العدوانية وعدم الانتباه أثناء القيادة والحوادث المرورية، فضلاً عن الظروف المناخية الصعبة. وهذه العوامل الثلاثة تؤدي إلى حدوث الاختناقات المرورية.

وتعتمد هيئة الطرق والمواصلات على تقنيات قياس مستوى الازدحام، وتستخدم عدادات ذكية وتقنية التعرف على لوحات السيارات، وتتخذ مواقف تابعة لها تعرض معلومات آنية عن حالة تلك المواقف. كما يُطبق نموذج تسعير يحدّد الرسوم بناءً على مستوى ازدحام كل منطقة في المدينة. ويُسهم ذلك في تحديد المناطق ذات الطلب العالي في "بيزنس باي" ووسط مدينة دبي وأجزاء من شارع الشيخ زايد وغيرها. ووفقاً لتقارير صادرة عن «دوبيزل» (Dubizzle) و«داماك بروبرتيز» (Damac Properties)، تُعد أساليب هيئة الطرق والمواصلات حجر الزاوية في سياسة تخفيف الاختناقات المرورية.

أخبار ذات صلة

كيف تستفيد الأسهم من الازدحام في دبي؟

كيف تستفيد الأسهم من الازدحام في دبي؟

من الازدحام تظهر الفرص

يُظهر الازدحام المروري، على الرغم من جوانبه السلبية التي سبق ذكرها، بعض الفوائد الاقتصادية من الناحية المباشرة، إذ يحفّز الاستثمارات في تطوير وتوسعة شبكة الطرق والبنية التحتية، فيخلق فرص عمل في قطاع البناء والهندسة. كما يُسهم في تعزيز الاستثمار في وسائل النقل العام؛ لأنّ زيادة الطلب على المترو والحافلات يدفع الحكومة لتوظيف استثمارات إضافية في هذا المجال، وإلى نمو تطبيقات مثل أوبر Uber وكريم Careem. 

 كما يزداد الطلب على التكنولوجيا الذكية لتحسين تطبيقات الملاحة وأنظمة إدارة المرور، إلى نمو الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا، فيتعزّز الاقتصاد الرقمي (وذلك وفقًا لعدة تقارير صادرة عن «ماكنزي (McKinsey)» و«المنتدى الاقتصادي العالمي. و(World Economic Forum)». وهذه الابتكارات تدعم التنوّع الاقتصادي.

القطاعات الاقتصادية المستفيدة 

تشهد عدة قطاعات اقتصادية استفادة مباشرة من سياسة تنظيم الازدحام المروري في مدينة دبي الكبرى. ففي قطاع النقل العام، يُعتبر توسيع شبكة المترو وتحديث أسطول الحافلات نتيجة لارتفاع الطلب عاملاً رئيساً في تحسين تجربة التنقل. وفي قطاع الخدمات اللوجستية والتجارة الإلكترونية، يؤدي ارتفاع أوقات التنقل إلى توجه المستهلكين إلى التسوق عبر الإنترنت؛ ما يعزز نمو شركات التوصيل وخدمات البريد السريع، وفقاً للدكتور كمال ديب. 

وأشار أيضاً إلى أن قطاع العقارات يُظهر ارتفاعاً في قيمة الممتلكات التي تقع بالقرب من محطات النقل العام، بينما يستفيد قطاع الترفيه والمطاعم من زيادة الإقبال على الأماكن التي توفر خدمات ترفيهية في المناطق ذات الكثافة العالية.

ويستفيد قطاع الخدمات اللوجستية بشكل غير مباشر: فمع زيادة استخدام المركبات، يرتفع الطلب على خدمات صيانة السيارات من تغيير الإطارات والتأمين وتأجير السيارات وخدمات غسيل السيارات. كما يُعتبر قطاع البترول من المستفيدين؛ لأنّ الازدحام يزيد استهلاك الوقود، ويرفع مبيعات محطات الوقود، بحسب ديب. 

 يلاحظ نوازش ميرزا، أستاذ المالية في كلية «إكسليا» الفرنسية للأعمال، في تصريحات لموقع إرم بزنس، أن تجربة دبي مع الازدحام المروري تكشف عن جانب مشرق في الاقتصاد. 

ووفقاً له، فإن الازدحام دفع إلى ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية؛ ما أسفر عن خلق فرص عمل جديدة وفتح آفاق تجارية متعددة. وأضاف ميرزا أن الإيرادات الناتجة عن أنظمة مثل "سالِك" وتحسين إدارة مواقف السيارات جذبت اهتمام المستثمرين، وعززت التدفقات المالية.

وأوضح ميرزا أن هذه التدفقات توفر رأس المال الأساسي الذي يدعم مشاريع البنية التحتية الكبرى والاستثمارات التكنولوجية. ويشير إلى أن التمويل المستمر لأنظمة إدارة المرور الذكية وتنمية المناطق الحضرية يخلق دورة استثمارية إيجابية تُعزز ثقة المستثمرين، وتدعم الاقتصاد الرقمي في دبي.

وأشار أيضًا إلى أن الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية تولّد فرص عمل مباشرة في مجالات البناء والهندسة وإدارة المشاريع. ومع انتشار الابتكارات الرقمية والذكاء الاصطناعي، تظهر وظائف جديدة في مجالات التكنولوجيا وتحليل البيانات وخدمات الدعم؛ ما يسهم في رفع الإنتاجية عبر مختلف القطاعات، ويعزز بيئة العمل الاقتصادية.

وأضاف ميرزا أن قطاع العقارات في دبي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطورات النقل، حيث تشهد المناطق القريبة من الممرات الرئيسة للنقل ارتفاعًا في الطلب والقيمة بسبب سهولة الوصول والاتصال. وفي الوقت نفسه، يزداد الطلب على المنازل في المناطق الهادئة بعيدًا عن الاختناقات المرورية؛ ما يعكس رغبة السكان في تحقيق توازن بين الحياة الحضرية النابضة وسكينة الأحياء.

وتستفيد الهيئات الحكومية مثل هيئة الطرق والمواصلات من نظام «سالك» للتعرفة المرورية ونظام «باركن» لتنظيم مواقف السيارات. فتُدرّ هذه الأنظمة إيرادات تُستخدم في تمويل مشاريع البنية التحتية، وفي تطوير خدمات النقل. 

دور الابتكار التقني

اعتمدت إمارة دبي سياسات حكومية مبتكرة لتحويل تحديات الازدحام إلى فرص اقتصادية. فقد طبقت الإمارة نظام الدوام المرن في أماكن العمل - كالعمل عن بعد - لتخفيف الضغط على الطرق خلال ساعات الذروة، ونظام النقل المدرسي وتوسيع المسارات المخصصة لحافلات النقل العام والمدارس وسيارات الأجرة. 

وفي إطار الاستثمار في البنية التحتية، ضخّت الإمارة ما يقارب 15 مليار درهم في مشاريع النقل المتصلة بمعرض إكسبو 2020، مع تحسين تقاطعات طرق رئيسة مثل شارع الشيخ محمد بن زايد، فازدادت طاقته الاستيعابية من 16,500 إلى 69,000 مركبة في الساعة، وفقاً لموقع « «استثمر في دبي»  (Invest in Dubai). 

وتلعب التكنولوجيا دوراً محورياً، حيث تعتمد دبي على أنظمة مرور ذكية لتغطية 100% من شبكات الطرق خلال السنوات الثلاث المقبلة (2024-2027). 

ووفقاً لدراسة صادرة عن «ديجيتال دبي» (Digital Dubai)، فإن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المرورية وتوقع الاختناقات قد أسهم في تحسين تدفق حركة المرور بنسبة تصل إلى 20%، مع زيادة زمن الاستجابة بنسبة 30%، بحيث أصبح وقت انتظار المركبات المتعطلة في الزحام 8 دقائق فقط. كما يُسهم اعتماد تقنيات البلوك تشين في خفض التكاليف التشغيلية بمعدل يُقدَّر بـ5.5 مليار درهم سنوياً؛ ما يُوفر أموالاً كبيرة تُستثمر في تطوير نظام النقل وتحسين خدماته.

أخبار ذات صلة

العاصمة السعودية شديدة الازدحام تتحول لسوق مربح للشركات

العاصمة السعودية شديدة الازدحام تتحول لسوق مربح للشركات

التحديات والفرص المستقبلية

على الرغم من الفوائد الاقتصادية المذكورة أعلاه، أكد كمال ديب، أن مدينة دبي تواجه تحديات ملحوظة، منها انخفاض الإنتاجية بسبب الوقت الضائع في التنقل والضغط النفسي على المواطنين وزيادة التلوث البيئي.

وبحسب الباحث الاقتصادي المستقل نهاد إسماعيل، فإن الازدحام حول المدن الكبرى قد يُساهم في تنشيط النشاط الاقتصادي في الضواحي ومناطق الاختناق، لكن تكاليفه تفوق فوائده بشكل كبير. 

ويشرح نهاد في تصريحات لموقع إر بزنس، أن السائق الذي يتجه من الضواحي إلى لندن خمسة أيام في الأسبوع قضى حوالي 99 ساعة في سيارته خلال العام 2023 بسبب بطء حركة السير؛ ما كبد الاقتصاد البريطاني خسائر تقدر بحوالي 7.5 مليار جنيه إسترليني (10 مليارات دولار) خلال 2023/2024، بالإضافة إلى تحميل كل سائق عبئاً يزيد عن ألف دولار سنوياً.

وأشار الباحث إلى أن سلطات النقل في لندن لجأت إلى فرض رسوم على المركبات الداخلة إلى العاصمة لتخفيف حدة الازدحام، حيث جمعت هذه الرسوم 232 مليون جنيه إسترليني (300 مليون دولار) العام 2023. وتُستَخدم هذه العائدات في تحسين البنية التحتية، والحد من التلوث، وتشجيع استخدام وسائل النقل العام.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC