حذر مسؤولون أوروبيون ومستثمرون من ضعف القارة العجوز أمام سياسات «أميركا أولاً» التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ظل استمرار الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا مقارنة مع التفاؤل الكبير في الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب.
فبينما دفعت خطط ترامب المتعلقة بإلغاء اللوائح وخفض الضرائب على الشركات الأميركية إلى موجة من التفاؤل؛ ما ساهم في قرب مؤشر S&P 500 من تحقيق رقم قياسي جديد، كانت الأجواء في أوروبا أكثر قتامة.
وصف أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في بنك أميركي الوضع في أوروبا بـ«ذروة التشاؤم»، مشيراً إلى تهديد الرسوم الجمركية الأميركية كعامل إضافي للقلق.
وحذر الحاضرون في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس من أن نمو الاقتصاد الأميركي قد لا ينعكس إيجابياً على الضفة الأخرى من الأطلسي، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
صرّحت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، بأن أوروبا تواجه «أزمة وجودية»، معتبرة أن هذا التشخيص ليس من باب التشاؤم، بل من باب الواقعية. وقالت: «نحن الآن نواجه تحديات كبيرة بسبب إعادة تنظيم اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد العالمي لسياساتهم بطرق جديدة ومهددة».
وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، يُتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.7% هذا العام، متفوقاً بشكل كبير على منطقة اليورو التي يُتوقع أن تنمو بنسبة 1% فقط.
الاقتصاد الألماني، الأكبر في منطقة اليورو، يواجه صعوبات متزايدة، حيث سجل انكماشاً لمدة عامين متتاليين، مع توقع نمو محدود بنسبة 0.3% فقط هذا العام.
في المقابل، استحوذت الولايات المتحدة على حصة قياسية من المشاريع الاستثمارية الدولية خلال العام الماضي؛ ما يعكس التفاؤل تجاه بيئة الأعمال الأميركية. لكن القلق في أوروبا يزداد بسبب التحديات المتزايدة مثل غياب القيادة في ألمانيا وفرنسا، صعود اليمين المتطرف، تنظيم الذكاء الاصطناعي، وتماسك الاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى، حذّر صندوق النقد الدولي من أن سياسات ترامب قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، ما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى الامتناع عن خفض أسعار الفائدة. وأشار إلى أن دورة «الازدهار والانكماش» قد تتبع حملة إلغاء اللوائح المالية.
وفي أوروبا، فإن الدين العام المتزايد في بعض الدول، مثل فرنسا وبريطانيا، قد يجعلها أكثر عرضة لتكاليف الاقتراض المرتفعة على المدى الطويل، وهو ما وصفه كاسيم كوتاي، الرئيس التنفيذي لشركة «نوفو هولدينغز»، بأنه مسألة حرجة.
حثت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، على التفاوض مع الولايات المتحدة للحفاظ على العلاقات التجارية الحيوية بين الجانبين، مشيرة إلى أن حجم التجارة والاستثمارات عبر الأطلسي يُقدر بـ1.5 تريليون يورو سنوياً. لكنها أقرت بأن التحديات مثل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، تُفاقم الفجوة بين الطرفين.
من جهته، أشار فالديز دومبروفسكيس، مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، إلى أن أي تفكك إضافي للنظام الاقتصادي العالمي سيكلف أوروبا الكثير؛ نظراً لاعتمادها الكبير على التجارة.
في ظل الاتجاه الأميركي نحو إلغاء اللوائح التنظيمية، تواجه أوروبا تحديات جديدة على مستوى التنافسية. ويرى خبراء أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى نقاش صريح حول البيروقراطية المفرطة والتنظيم الصارم، خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وفي محاولة لتغيير الصورة السلبية، دافع كارلوس كوربو، وزير الاقتصاد الإسباني، عن أداء بلاده التي حققت نمواً بنسبة 3.1% العام الماضي مع أرقام قياسية في خلق الوظائف. لكنه شدد على أهمية تسريع تنفيذ «خارطة الطريق» الأوروبية لمواجهة التحديات الاقتصادية.
خلال دافوس، لاحظ الحاضرون تبايناً كبيراً بين التفاؤل الأميركي الذي يعكسه ما يُسمى بـ«الروح الحيوانية» في الأعمال التجارية، والتشاؤم السائد بين القادة الأوروبيين. ورأى أحد المسؤولين التنفيذيين أن انتخاب ترامب يُعد بمثابة «دعوة للاستيقاظ» بالنسبة لأوروبا، التي تحتاج إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الاقتصادية والسياسية.