logo
اقتصاد

الديون المحلية تضرب الدول الفقيرة

الديون المحلية تضرب الدول الفقيرة
تاريخ النشر:9 ديسمبر 2022, 08:52 م

تحولت استراتيجية بعض الاقتصادات الأكثر فقرًا بالاقتراض بديون مقومة بعملاتها المحلية باعتبار ذلك درعاً واقياً من التقلبات المؤلمة في الدولار الأميركي إلى مشكلة كبيرة اليوم.

حيث بلغت الديون التي أصدرتها حكومات وشركات الأسواق الناشئة مقومة بعملتها المحلية 12.5 تريليون دولار في 2021، وفقًا لبيانات "بنك أوف أميركا"، الذي يستبعد القروض الهائلة للصين المقومة باليوان مقارنةً بديون تبلغ 4 تريليونات دولار مقومة بالعملة الأجنبية.

أصبح مصير الديون المقومة بالعملة المحلية مشكلة كبيرة خلال مفاوضات إعادة هيكلة الديون في غانا وسريلانكا وزامبيا، حيث تجبر الديون المستثمرين وصناع السياسات والاقتصاديين على إعادة التفكير في أزمة ديون الأسواق الناشئة.

قال أوغو بانيزا، الأكاديمي المتخصص في الديون السيادية بمعهد الدراسات العليا في جنيف: "كانت الأزمات في منتصف وأواخر التسعينيات مدفوعة في الغالب  بالديون المقومة بالعملات الأجنبية التي بلغت مستويات صادمة بالنسبة للكثيرين منا، لذلك بدأنا بالتفكير في ذلك الخطر". وبافتراض أن الديون المقومة بالعملة المحلية أسهل في التعامل، قال بانيزا: "نواجه الآن نوعًا مختلفًا من أزمة الديون".

شد وجذب

تأثرت الدول الأفقر عالميًا بشدة بارتفاع أسعار الفائدة، وأسعار المواد الغذائية والوقود نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث غرقت الكثير منها في الديون على مدى العقد الماضي لتدخل اليوم في محادثات مع المقرضين للإعفاء من  الديون وتقديم صندوق النقد الدولي حزم إنقاذ لها.

تدور حرب شد وجذب بين الدائنين الأجانب والمحليين في غانا، الواقعة في غرب إفريقيا، التي أعلنت في نوفمبر إعادة هيكلة بعض ديونها السيادية البالغة 49 مليار دولار.

قال وزير المالية الشهر الماضي إن مدفوعات الديون المقومة بالعملة المحلية تشكل 78% من فاتورة الفوائد الواجبة السداد هذا العام حتى سبتمبر الماضي.

قد يتعرض حاملو السندات الأجنبية لخفض في قيمة سنداتهم بمقدار الثلث أو أكثر وفقاً لبعض المقترحات التي طرحها مسؤولو وزارة المالية، حسبما ذكر ستيوارت كولفيرهاوس، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "تيلمر" للأبحاث في الأسواق الناشئة.

إعادة هيكلة محلية وأجنبية

من السابق لأوانه تحديد كيفية تأثير إعادة الهيكلة على حاملي السندات المحليين. بينما لم تستجب وزارة المالية في البلاد لطلب التعليق، فيما قالت في نوفمبر الماضي إن تفاصيل إعادة الهيكلة لا تزال قيد المناقشة. 

ولكن حاملي السندات الأجنبية يسعون إلى إعادة هيكلة مماثلة مع الديون المقومة بالعملة المحلية لأنها تشكل الجزء الأكبر من مدفوعات غانا في الوقت الحالي.

قال ميتو غولاتي، الأستاذ بكلية الحقوق في جامعة فرجينيا، إن إعادة هيكلة الدين المحلي أسهل من الناحية القانونية مقارنةً بإعادة هيكلة السندات المقومة بالعملات الأجنبية، التي تخضع عادةً لقوانين المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة. ولكن البنوك المحلية وهيئة المعاشات التقاعدية تمتلك في كثير من الأحيان أجزاء كبيرة من الديون السيادية، وسوف تعاني إذا تم تخفيض قيمة تلك الاستثمارات بشكل حاد.

تعهدت كلاً من سريلانكا وزامبيا بعدم إعادة هيكلة ديونها المقومة بالعملة المحلية، لكن المستثمرين وشركات التصنيف شككوا في قدرتهم على الوفاء بتلك الوعود. 

سرعة وشمول

تتوقع وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني وجود فرصة كبيرة لذهاب سريلانكا إلى إدراج الديون المقومة بالعملة المحلية ضمن خطة إعادة الهيكلة، بينما تقول "موديز" إن المخاطر تظل مرتفعة، لأن زامبيا سوف تضطر إلى القيام بالشيء نفسه بالنسبة لبعض الديون المقومة بالعملة المحلية، مع التركيز الديون المقومة بالعملات الأجنبية البالغ قيمتها 3.2 مليار دولار.

من المتوقع تضاعف مدفوعات سريلانكا من الفائدة على الديون المحلية بين عامي 2021 و2023 وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض وكذلك ارتفاع فاتورة الفوائد التي تدفعها زامبيا على ديونها المحلية بنسبة 66% خلال تلك الفترة.

قال سامي معادي، مدير محفظة السندات الأسواق الناشئة في "تي رو برايس": "هناك توازن بين السرعة والشمول، وبصفتي مستثمرًا في بلد ما، أميل إلى النهج الشامل حيث أصبحت معظم الديون وأعباء الفائدة محلية".

ولم ترد وزارتا المالية في زامبيا وسريلانكا على طلبات التعليق.

ديون تريليونية

تركزت أزمات ديون الأسواق الناشئة السابقة، مثل أزمة ديون أميركا اللاتينية في ثمانينيات القرن العشرين والأزمة المالية الآسيوية أواخر تسعينيات القرن العشرين في القروض المقومة بالدولار الأميركي، حيث يتسبب ارتفاع قيمة الدولار في زيادة تكلفة تلك الديون ما يمثل نقطة ضعف يشار إليها باعتبارها "الخطأ الأساسي" الذي ارتكبته الأسواق الناشئة.

ومع الاقتراض بالعملة المحلية، لت ترتفع قيمة الديون مع انخفاض قيمة عملة أي دولة.

وقدم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تدريب للمسؤولين في الأسواق الناشئة بشأن كيفية بناء أسواق الديون المحلية وفتحها أمام المستثمرين الأجانب، كما انضمت دول مجموعة العشرين لتلك القضية في 2011، وأطلقت خطة عمل لدعم أسواق السندات المقومة بالعملات المحلية في البلدان النامية.

أصدرت حكومات الأسواق الناشئة تريليونات الدولارات من السندات المقومة بالعملة المحلية في السنوات العشر التالية.

تصدّرت الصين وأسواق ناشئة كبيرة مثل البرازيل والهند القائمة، وانضمت إليها أيضاً بلدان نامية أصغر حجماً. وقد تضاعفت قيمة الدين بالعملة المحلية في بعض أفقر دول العالم أكثر من 3 أضعاف ليصل إلى 28% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2021 مقارنة ببلوغه 8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2010، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.

قال فرانسيس بالسيلز، رئيس ديون الأسواق الناشئة في "إف آي إم بارتنيرز" إنه

تخارج مفاجئ

في الوقت الذي ساهمت الديون المحلية في عزل العديد من الأسواق الناشئة عن الصدمات العالمية، لم تكن بعض البلدان الأصغر حجماً مستعدة لخروج المستثمرون الأجانب، الذين تدفقوا إلى أسواق الدين المقومة بالعملة المحلية فجأة من أسواقهم.

ومنذ بداية العام حتى شهر نوفمبر، سحب المستثمرون الأجانب 20 مليار دولار من صناديق الاستثمار في السندات المحلية بالأسواق الناشئة، وفقاً لتحليل "جيه بي مورغان"، الذي استبعد الصين ما زاد الضغط على عملات الأسواق الناشئة وضخم نسبة ديونها المقومة بالدولار الأميركي. 

لجأت البلدان إلى الاقتراض من الأسواق المحلية لسد عجز الميزانية، لكن بمعدلات فائدة مرتفعة للغاية ما زاد من تكاليف الديون المحلية. حيث أصدرت غانا سندات خزانة لأجل 6 أشهر في نوفمبر الماضي بسعر فائدة 36%، مقارنةً باقتراضها في يناير الماضي بفائدة 13% فقط.

قال ثيو أتشيمبونج، الخبير الاقتصادي الغاني وكبير المحللين في "إس آند بي غلوبال ماركت انتليجنس": "يمكن أن تزعزع الديون المحلية الاستقرار مثل الديون الخارجية، فالمستثمرون الأجانب يسارعون ببيعها بمجرد شعورهم بأية مؤشرات على وجود أزمة".

بينما أوضح كينيث روغوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي والأستاذ حاليًا بجامعة هارفارد، إن الخيار البديل لدى الحكومات بأن تسمح للتضخم بتخفيض قيمة ديونها المحلية. 

وأضاف روغوف: "ليس عليك سوى طباعة المال ولا أقصد ضرورة قيام الجميع بذلك، لكن إذا وقعت في ضائقة يائسة، فافعل ذلك". 

المصدر: وول ستريت جورنال

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC