الوقود الأحفوري الرخيص.. أكبر تهديد للاقتصاد الأميركي

في وقت توسّع فيه الصين قدراتها في الطاقة المتجددة بوتيرة سريعة، تواجه الولايات المتحدة خطر الاعتماد على مصادر طاقة قديمة، ما قد يهدد موقعها الاقتصادي، فعلى الرغم من أن أسعار الطاقة المنخفضة لطالما حفّزت النمو في الولايات المتحدة، فإن الوقود الأحفوري الرخيص بشكل غير مسبوق يشكل الآن تهديداً على تنافسية البلاد على المدى الطويل.

وبحسب تقرير نشره موقع «ماركت واتش»، أبرزت استثمارات الصين المتسارعة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية طموحها في قيادة الابتكار العالمي في مجال الطاقة، إذ ارتفعت حصة الكهرباء الناتجة من مصادر متجددة في الصين بشكل كبير، من 28% في عام 2023 إلى نحو 44% منتصف عام 2024، بينما انخفض الاعتماد على الفحم إلى أدنى مستوياته التاريخية عند 53%.

وشكّلت الطاقة الشمسية وحدها 68% من القدرة الإنتاجية الجديدة للصين في النصف الأول من 2024، فيما تجاوزت البلاد هدف تركيب 1200 غيغاواط من الطاقة المتجددة قبل ست سنوات من الموعد المحدد عام 2030، وفي عام 2024، شهدت الصين انخفاضاً في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون غير المحددة.

وأوضح التقرير أن إنجازات الصين في هذا المجال تتجاوز التأثير البيئي إلى إستراتيجية اقتصادية، فهي أكبر منتج للطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية في العالم، وتسيطر على إنتاج البطاريات عالمياً، وبإنتاجها لأكثر من نصف بطاريات الليثيوم أيون عالمياً، تضمن الصين دوراً محورياً في مستقبل الطاقة، متموضعة في طليعة التقنيات الناشئة.

من ناحية أخرى، تستمر الولايات المتحدة في الاستفادة من الوقود الأحفوري منخفض التكلفة، خاصة الغاز الطبيعي، إلا أن هذا الاعتماد يساهم في تعزيز حالة من التراخي، مع احتمالات لتداعيات اقتصادية طويلة الأمد، فالتقلبات في أسواق الوقود الأحفوري، وفقاً للتقرير، إلى جانب المخاطر الجيوسياسية وفرض ضرائب الكربون والتعريفات الخاصة بالطاقة النظيفة في المستقبل، قد تقوض ميزة الطاقة الرخيصة.

وبين التقرير حاجة التقنيات التي ستحدد مستقبل الاقتصاد، مثل الذكاء الاصطناعي والمركبات الكهربائية، إلى طاقة كثيفة، إذ تعد مصادر الطاقة المتجددة أساسية لتلبية هذه المتطلبات بشكل مستدام، وفي هذا الإطار، تسيطر الصين حالياً على 60% من عمليات معالجة المعادن النادرة في العالم وتكريرها، وهي عناصر حيوية للتكنولوجيا المتقدمة، بينما تتبنى ابتكارات جديدة مثل البطاريات القائمة على الصوديوم لتقليل الاعتماد على المعادن النادرة.

وتستفيد بعض الولايات الأميركية فعلًا من فوائد الطاقة المتجددة، إذ تُولَّد ما يقرب من ثلث الكهرباء من مصادر متجددة في ولاية كاليفورنيا، ما يسهم في إيجاد فرص عمل ونمو اقتصادي، أما تكساس، المعروفة بصناعات النفط والغاز، فقد أصبحت قوة في طاقة الرياح، إذ تنتج طاقة الرياح أكثر من أي ولاية أميركية أخرى، وتستضيف مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية من قبل شركات طاقة عالمية.

ومع ذلك، تواجه الولايات المتحدة تحديات، من بينها الاستثمارات الكبيرة المطلوبة لتعزيز مرونة الشبكة وتطوير البنية التحتية وتدريب القوى العاملة، وإلى جانب العقبات التي تواجه توسع الطاقة المتجددة، مثل الظروف الجوية القاسية وتذبذب توافر الطاقة الشمسية والرياح، فإن مصادر الطاقة التقليدية تواجه تحديات مماثلة، كما أظهر تجمد خطوط أنابيب الغاز الطبيعي في تكساس خلال شتاء 2021.

وللحفاظ على التنافسية، أكد التقرير أن على الولايات المتحدة معالجة العقبات المتعلقة بالبنية التحتية، وتعزيز مرونة شبكات الكهرباء، والاستثمار في حلول تخزين الطاقة، وفي هذا السياق، تقود شركات مثل (RWE) قطاع الطاقة المتجددة من خلال إبرام اتفاقيات مع كبرى شركات التكنولوجيا لتحقيق أهداف الاستدامة، وتسعى ولايات كميشيغان وفلوريدا لتطبيق تقنيات جديدة، مثل الطرق الحثية التي تسمح بشحن المركبات الكهربائية في أثناء حركتها، وتُشير الاستثمارات في الطاقة الاندماجية والهيدروجين إلى مستقبل تنافسي للطاقة النظيفة.

ومع تزايد الطلب العالمي على الطاقة، تبرز شركات التكنولوجيا كلاعب رئيس في قيادة هذا التحول، وقد يمكن هذا الولايات المتحدة من تعزيز مكانتها في السوق العالمية من خلال اعتماد نماذج أعمال مبتكرة، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في قطاع الطاقة المتجددة.

ووفقاً للتقرير، تقف الولايات المتحدة على مفترق طرق حاسم، إذ يتعين عليها اتخاذ إجراءات جريئة للاستثمار في الطاقة المتجددة، وحماية البيئة، وتعزيز ريادتها الاقتصادية، من دون تحرك سريع، قد تواجه البلاد خطر التخلف عن الركب في عالم يتجه بسرعة نحو الاعتماد المتزايد على الطاقة المتجددة، في وقت تستعد فيه الصين لتأخذ الصدارة في هذا المجال.