logo
طاقة

لماذا تستثمر واشنطن وعمالقة النفط مليارات الدولارات في الأمونيا؟

لماذا تستثمر واشنطن وعمالقة النفط مليارات الدولارات في الأمونيا؟
تشكل الأمونيا مصدراً مهماً للطاقة منخفضة الكربونالمصدر: داو جونز
تاريخ النشر:16 سبتمبر 2024, 05:10 م

تتزايد استثمارات شركات النفط الكبرى والحكومة الأميركية في الأمونيا بشكل ملحوظ، حيث تُعد الأمونيا عنصراً أساسياً في الأسمدة ومصدراً واعداً للطاقة منخفضة الكربون.

أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الاهتمام العالمي بالأمونيا يعزز من تطوير تقنيات احتجاز الكربون، مما يسهم في تقليص الانبعاثات الكربونية الناتجة عن إنتاجها. ورغم ارتفاع التكاليف والتحديات السياسية، تواصل الشركات والحكومات الاستثمار في الأمونيا كحل مستدام في قطاعي الطاقة والزراعة، بفضل الدعم الكبير الذي تقدمه السياسات الحكومية والتمويلات الضخمة التي تستهدف تعزيز الإنتاج المحلي وضمان استقرار سلاسل التوريد.

استثمارات ضخمة

أحدث استثمارات وزارة الطاقة الأميركية يتمثل في تقديم قرض بقيمة 1.56 مليار دولار لمشروع إنتاج أمونيا منخفضة الكربون في ولاية إنديانا. ويأتي هذا التمويل عقب اتفاقية أخرى بقيمة 2.35 مليار دولار لمشروع أمونيا على ساحل الخليج أبرمتها شركة الطاقة الأسترالية «وودسايد إنرجي».

كما تشمل الاستثمارات الحديثة دعم «شركة بترول أبوظبي الوطنية» لمشروع أمونيا منخفضة الكربون الذي تنفذه شركة «إكسون موبيل» في تكساس، إضافة إلى مشروع كبير من عملاق الأمونيا (CF Industrie) في ولاية مسيسيبي.

وتُعد الأمونيا، وهي مركب من الهيدروجين والنيتروجين، مكوناً أساسياً في الأسمدة العقود، إلا أنها تعد مصدراً كبيراً لانبعاثات الغازات الدفيئة، حيث يتم إنتاجها عادة باستخدام الوقود الأحفوري.

وتهدف المشاريع مثل مشروع «إنديانا» إلى احتجاز انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن عملية الإنتاج وتخزينها تحت الأرض، ما يجعل العملية أكثر صداقة للبيئة.

دور الأمونيا في الطاقة وسلاسل التوريد

تتميز الأمونيا بأنها لا تنتج انبعاثات كربونية عند استخدامها كوقود، لذا فهي تجذب اهتماماً متزايداً باعتبارها مصدراً نظيفاً للطاقة، إذ تتنافس الشركات الآن على توسيع إنتاجها وتوزيعها على مستوى العالم.

ويأتي هذا الاهتمام المتزايد بالأمونيا كذلك نتيجةً لمخاوف جيوسياسية، حيث أدت الحرب الروسية على أوكرانيا في عام 2022 إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية ورفع الأسعار، إذ تُعد روسيا إحدى أكبر منتجي الأمونيا في العالم.

بدوره، قال جيجار شاه، رئيس مكتب برامج القروض بوزارة الطاقة «من المهم أن نمتلك سلسلة توريد متنوعة، وأن نضمن عدم اعتمادنا على دول أخرى لتوفير هذه المادة الكيميائية المهمة». 
ويسرّع المكتب من إتمام الصفقات قبل الانتخابات الأميركية لعام 2024، بهدف دفع المشاريع قدماً، والتي قد تتعطل إذا تغيرت القيادة السياسية.

ويقود مشروع «إنديانا» شركة «وادي واباش للموارد» المدعومة من شركات نفط كبرى وشركة «نيكولا» الناشئة في مجال السيارات الهيدروجينية.

وتسعى الشركة إلى تحويل جزء من محطة فحم قديمة إلى منشأة لإنتاج الأمونيا منخفضة الكربون في «ويست تير هوت» بولاية إنديانا.

التقاط الكربون: عنصر أساسي

سيوظف المشروع تقنية التقاط الكربون التي تحتجز تيارات نقية تقريباً من ثاني أكسيد الكربون (CO2) من إنتاج الأمونيا، وتخزنها تحت الأرض.

وعلى الرغم من أن تقنية التقاط الكربون لم تحقق سجلًا ناجحًا في السابق، فإن مشاريع مثل مشروع «واباش» تُعد أكثر عملية، وخصوصاً مع الدعم الذي تقدمه مليارات الدولارات من الإعفاءات الضريبية التي وفرها قانون خفض التضخم لعام 2022.

وبمجرد بدء تشغيل المشروع في عام 2027، يُتوقع أن تحقق «واباش» حوالي 140 مليون دولار سنوياً من الإعفاءات الضريبية لاحتجاز الكربون.

وحصل المشروع بالفعل على منح حكومية لدراسة خيارات تخزين الكربون بالقرب من منشأته في إنديانا، ما مهد الطريق لموافقة وكالة حماية البيئة على آبار التخزين.

ومع ذلك، لا تزال الشركة بحاجة إلى تأمين حوالي 800 مليون دولار من التمويل الذاتي وتحقيق عدة مراحل أخرى من المشروع قبل صرف القرض الفيدرالي.

وقال دانيال ويليامز، المدير التنفيذي للعمليات في «واباش»، إن الشركة جمعت نحو 75% من التمويل المطلوب وتواصل التفاوض مع شركاء تجاريين لتأمين المبلغ المتبقي.

التحديات في ظل ارتفاع التكاليف

يُشكل ارتفاع التكاليف عقبة كبيرة أمام مشاريع الأمونيا وغيرها من المشاريع المناخية. وبحسب ويليامز، فقد ارتفعت تكلفة المعدات وتطوير المشاريع بنسبة تتراوح بين 25% و50% في السنوات الثلاث الماضية، ما يزيد التحديات لإكمال المشروع في الوقت المحدد.

ويعكس التزام القرض لـ«واباش» دفعة أوسع لتأمين تمويل لتقنية التقاط الكربون قبل أن تؤدي التكاليف المرتفعة إلى إحباط المشاريع. وقد واجهت العديد من المبادرات التي تركز فقط على الهيدروجين انتكاسات، بسبب التكاليف المرتفعة المرتبطة بتخزين الهيدروجين ونقله.

وتعمل الشركات المنتجة للأمونيا مثل مشروع «واباش» على بناء بنية تحتية لنقل ثاني أكسيد الكربون المخزن إلى مواقع التخزين، وهي عملية أثارت معارضة من المجتمعات المحلية، إذ تلقت وكالة حماية البيئة أكثر من 1000 تعليق عام خلال مراجعتها لترخيص التخزين، ورغم هذه التحديات، تظل «واباش» متفائلة.

وقال ويليامز إن الأمونيا التي ستُنتج في المنشأة ستكون أقل انبعاثاً للكربون بنسبة تصل إلى 80% مقارنة بالأمونيا التقليدية، مشيراً إلى أن دعم الحكومة للمشروع يُظهر مدى أهميته. 
وقال «دعم واشنطن لهذا المشروع يُظهر أنه مشروع يستحق الاستثمار فيه».

اهتمام عالمي

يستمر الاهتمام العالمي بالأمونيا في الازدياد، إذ في عام 2021، حصلت شركة «مونوليث» الناشئة في نبراسكا على التزام بقرض بقيمة مليار دولار من وزارة الطاقة لمشروع أمونيا منخفضة الكربون، على الرغم من أنها لم تتلقَّ الأموال بعد.

وفي تكساس، استثمرت شركة «وودسايد إنرجي» الأسترالية مبلغ 2.35 مليار دولار في شراء مصنع أمونيا في بومونت كجزء من دفعة أوسع لإنتاج أمونيا منخفضة الكربون على ساحل الخليج.

وتعمل «إكسون موبيل»، وهي لاعب رئيس في تقنية التقاط الكربون، على مشروع قريب ولديها شراكة مع شركة النفط الوطنية في أبوظبي للحصول على استثمارات إضافية.

تتعاون «إكسون» كذلك مع شركة (CF Industrie) في مشروع مماثل لالتقاط الكربون في مسيسيبي، مع وجود مشروع آخر مخطط له في لويزيانا، حيث تتماشى هذه الاستثمارات مع إستراتيجية «إكسون» الأوسع لتطوير تقنيات إدارة الكربون كجزء من نموذج أعمالها المستقبلي.

الشكوك السياسية والاقتصادية

يسارع مكتب برامج القروض في وزارة الطاقة لإتمام الصفقات قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، والتي قد تؤثر في التمويل المستقبلي.

وقد يؤدي فوز الرئيس السابق دونالد ترامب إلى تجميد هذه المعاملات، مثلما حدث خلال فترة رئاسته الأولى عندما أصبح البرنامج خامداً إلى حد كبير.

بدورهم، يعتقد بعض المحللين أن بعض الصفقات قد تستمر في التقدم حتى في ظل إدارة ترامب، نظراً لأن الأمونيا وتقنيات التقاط الكربون تحظى بدعم من الحزبين، خاصة بين شركات النفط.

وتجدر الإشارة إلى أن شركة «وادي واباش للموارد» جذبت دعماً من تحالف يضم شركات الوقود الأحفوري، بما في ذلك «إكسون» و«شيفرون»، اللتان استثمرتا في المشروع. وقال ويليامز إن المشروع يتمتع بدعم من كلا الحزبين، مؤكداً «هذا مشروع يحظى بتأييد الحزبين».

وأصبحت الأمونيا، التي كانت تُستخدم في الأساس في إنتاج الأسمدة، الآن لاعباً رئيساً في السباق العالمي نحو حلول طاقة أكثر نظافة، وخاصة مع مليارات الدولارات على المحك، تراهن كل من واشنطن والقطاع الخاص بشكل كبير على دورها المستقبلي في إزالة الكربون من قطاعات الطاقة والزراعة.

وكذلك غدت الأمونيا الآن في قلب استراتيجية التحول نحو الطاقة النظيفة، حيث تسعى الحكومات والشركات الكبرى إلى تحقيق أهداف خفض الانبعاثات وتحقيق الأمن الغذائي، ولا سيما مع التزايد المستمر في الطلب على مصادر الطاقة منخفضة الكربون، تظل الأمونيا خياراً محورياً يجذب استثمارات ضخمة من مختلف الجهات الفاعلة في قطاعي الطاقة والصناعة.

ووفقاً لتقرير، فإنه وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بارتفاع التكاليف والمعارضة المجتمعية، فإن دعم الحكومة الأميركية والمستثمرين الدوليين يعزز من فرص نجاح هذه المشاريع. وستظل الأمونيا عنصراً أساسياً في تحقيق أهداف الطاقة النظيفة، خاصة مع التطورات التقنية المستمرة في مجالات احتجاز الكربون واستخدامه في الإنتاج.

وختم التقرير بالقول إنّه في ظل البيئة الاقتصادية والسياسية المتقلبة، يبرز دور الأمونيا كمصدر مهم لتعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري التقليدية، موضحاً أنّه بينما يواصل القطاعان العام والخاص الرهان على الأمونيا، تبقى الأعين مسلطة على كيفية تطور هذه السوق في السنوات المقبلة، وما إذا كانت الاستثمارات الكبيرة ستؤدي إلى تحقيق الأهداف الطموحة المتعلقة بالاستدامة البيئية والتنمية الاقتصادية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC