logo
طاقة

التخلّص من النفط بين الواقع والخيال.. هل «أوبك» على حق؟

التخلّص من النفط بين الواقع والخيال.. هل «أوبك» على حق؟
أعمال حفر بئر نفطية بمنطقة غوبي في كاراماي، مقاطعة شينجيانغ، الصين، يوم 6 أغسطس 2024المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:27 سبتمبر 2024, 11:07 ص

التخلص التدريجي من النفط في المستقبل القريب، ليس سوى «ضرب من الخيال». هذا ما أكدته منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» بكل وضوح، يوم الثلاثاء الماضي، متوقعة وصول الطلب العالمي على النفط إلى أكثر من 120 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050، ارتفاعاً من نحو 102 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي.

على الرغم من تنامي مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي، ومساعي الدول الحثيثة للتحوّل الطاقي، فإن وجهة نظر «أوبك» تقوم على استمرار النفط في لعب دور حاسم في تلبية احتياجات العالم من الطاقة في المستقبل المنظور. وهي أشارت في تقرير «آفاق النفط العالمي لعام 2024»، إلى أن النفط والغاز سيستمران في الهيمنة على مزيج الطاقة العالمي بأكثر من 50% حتى عام 2050. هذه التوقعات دفعت المنظمة للدعوة إلى زيادة الاستثمارات في قطاع النفط، مقدّرة وجود حاجة إلى ضخ 17.4 تريليون دولار حتى ذلك التاريخ، لضمان إمدادات مستقرة.

وفقاً للمنظمة، فإنه لا يبدو أن هناك «ذروة للطلب في الأفق». فالطلب على النفط سيظل قوياً لعقود من الزمن، مستشهدة بشهية الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ستكون الهند وبقية دول آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط بمثابة المحركات الرئيسة لهذا النمو. فالهند وحدها يُتوقع أن تزيد الطلب العالمي على النفط بما مقداره 8 ملايين برميل يومياً حتى عام 2050. وبحسب تقرير «أوبك»، يُرجّح أن ينمو الطلب على النفط في أسرع اقتصاد ناشئ في العالم من 5.3 مليون برميل يومياً إلى 13.3 مليون برميل يومياً في السنوات الـ26 المقبلة.

العالم لا يبدو على الطريق الصحيح!

لم تكن توقعات الطلب الدافع الوحيد وراء دعوة «أوبك» إلى زيادة الاستثمارات. فالمنظمة دافعت أيضاً عن رؤيتها بشأن مستقبل الطاقة النظيفة الذي قالت إن دونه تحديات كبيرة. وهذه المقاربة، دعمتها نتائج تقرير مستقل آخر صدر بالتزامن ليسلط الضوء على الجزء من المعادلة.

أخبار ذات صلة

«أوبك+» مستعدة لزيادة الإنتاج في ديسمبر وتراجع حاد لأسعار النفط

«أوبك+» مستعدة لزيادة الإنتاج في ديسمبر وتراجع حاد لأسعار النفط

 التقرير الذي أصدرته «بلومبرغ إن إي إف» (BloombergNEF) على هامش «القمة العالمية للطاقة المتجددة» في مدينة نيويورك، خلُص إلى أن العالم لا يبدو على الطريق الصحيح لتحقيق هدف مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة، رغم أنه «لا يزال في متناول اليد».

في الواقع، يتوقف تحقيق أهداف المناخ على مضاعفة قدرة الطاقة النظيفة ثلاث مرات مقارنة بمستويات عام 2022، وذلك بحلول نهاية العقد، وفق ما تعهدت به في ديسمبر الماضي الدول المشاركة في قمة المناخ «كوب 28» (COP28) التي استضافتها دولة الإمارات، وذلك عبر زيادة الاستثمار بشكل يفوق المستويات القياسية التي شهدناها في عام 2023.

يقول تقرير «بلومبرغ إن إي إف»، إن تحقيق سيناريو «صافي صفر انبعاثات»، الذي يطمح إليه العالم لتقليل البصمة الكربونية، يتطلب استثمار ما متوسطه تريليون دولار في مشاريع الطاقة المتجددة كل عام، من اليوم وحتى نهاية العقد، إضافة إلى 193 مليار دولار سنوياً لرفع قدرات تخزين الطاقة و607 مليارات أخرى لتوسعة الشبكات.

في نهاية 2022، كان العالم ينتج ما يقرب من 3.6 تيراواط من الطاقة المتجددة المثبتة، ما يعني أنه يجب الوصول إلى ما يقرب من 11 تيراواط بحلول عام 2030، لتحقيق الهدف الذي يتماشى مع سيناريو «صافي صفر انبعاثات» الخاص بـ «بلومبرغ إن إي إف»، والذي يصمم مساراً واقعياً لتحقيق «الحياد الكربوني» بحلول عام 2050، مع الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين.

ما بعد اتفاق «كوب 28»

بعد مرور قرابة 10 أشهر على التوصل إلى الاتفاق في «كوب 28»، سارت عملية التحول في مجال الطاقة بوتيرة سريعة بفضل التراجع الكبير في تكاليف الطاقة الشمسية والبطاريات، واستمرار القدرة على تحمل تكاليف طاقة الرياح. وتتوقع «بلومبرغ إن إي إف» حالياً أن يكون نحو 10.3 تيراواط من سعة الطاقة المتجددة قيد الإنتاج بحلول عام 2030، ارتفاعاً من 4.1 تيراواط سجلت بنهاية عام 2023. مع ذلك، لا يزال هذا الرقم أقل بنسبة 13% مما هو مطلوب لمسار «صافي صفر انبعاثات».

قالت ميريديث أنيكس، الباحثة المشاركة في إعداد التقرير: «لا يزال هدف مضاعفة سعة الطاقة المتجددة ثلاث مرات لتكون على مسار صافي الصفر بحلول عام 2050، قابلاً للتحقيق». لكنها أكّدت حاجة الحكومات إلى إزالة الحواجز أمام توسيع مشاريع الطاقة المتجددة ودعم تمويلها، ولا سيما في البلدان النامية.

يظهر تحليل «بلومبرغ إن إي إف»، الذي اطلعت عليه «إرم بزنس»، أن 623 مليار دولار تم استثمارها في مصادر الطاقة المتجددة في كل أنحاء العالم خلال عام 2023، إضافة إلى 36 مليار دولار في مشاريع تخزين الطاقة، و310 مليارات دولار في توسعة الشبكات. وفي المقابل، تم ضخ 1.098 تريليون دولار في الوقود الأحفوري خلال الفترة ذاتها، بحسب «وكالة الطاقة الدولية». 

أخبار ذات صلة

75 مليار دولار استثمارات الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط حتى 2030

75 مليار دولار استثمارات الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط حتى 2030

 وفي النصف الأول من العام الجاري، حقق الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة ثاني أعلى مستوى له على الإطلاق، إذ تم ضخ 312 مليار دولار في مصادر الطاقة المتجددة، بانخفاض نسبته 11% عن الرقم القياسي المسجل في النصف الثاني من 2023، وفق تقديرات «بلومبرغ إن إي إف». وقد ذهب 221 مليار دولار من هذا المبلغ إلى مشاريع الطاقة الشمسية الكبيرة والصغيرة، و91 مليار دولار إلى طاقة الرياح.

وحافظت الصين على مكانتها كأكبر سوق للطاقة المتجددة، بإجمالي استثمارات بلغ 130 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.

ثمة تقدم ولكن!

شهد العام الماضي العديد من الاختراقات في إنتاج الطاقة المتجددة، إذ تمت إضافة نحو 561 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية على مستوى العالم، شكلت قرابة 91% من مجموع ما أُضِيف إلى سعة «الطاقة الجديدة» خلال 2023.

كما استطاع العالم تحقيق مستويات قياسية من توليد الكهرباء عبر الطاقة المتجدّدة، حيث مثّلت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح 14% العام الماضي. وجنباً إلى جنب مع الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية وغيرهما من مصادر الطاقة المتجددة، وصلت حصة توليد الكهرباء العالمية من مصادر خالية من الكربون إلى مستوى قياسي بلغ 41%.

غير أن هذه الوتيرة تبقى غير كافية لمضاعفة سعة الطاقة المتجددة العالمية بواقع ثلاث مرات. فإذا استمر العالم بإضافة القدر ذاته سنوياً، لن يصل إجمالي الطاقة المتجددة المثبتة إلا إلى 8 تيراواط بحلول عام 2030، وهو أقل بكثير من هدف قمة المناخ «كوب 28».

وفي وقت كانت الطاقة الشمسية مساهماً كبيراً في التقدم المحرز، بدافع من انخفاض سعر وحدات الإنتاج الذي قلص حجم الإنفاق لكل ميغاواط، تشكل الوتيرة البطيئة لطاقة الرياح تحدياً إضافياً أمام تحقيق أهداف مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة.

تتوقع «بلومبرغ إن إي إف» في تقريرها تحقيق 6.7 تيراواط من الطاقة الشمسية بحلول نهاية العقد، وهو ما يقل بنسبة 8% عن سيناريو «صافي صفر انبعاثات». وفي الوقت ذاته، يُتوقع أن تصل طاقة الرياح إلى 2.1 تيراواط بحلول عام 2030، وهو أقل بنحو 30% من متطلبات سيناريو «صافي صفر انبعاثات».

مسارات متباينة

تسير كل من الصين والبرازيل على المسار الصحيح بشكل عام للوفاء بهدف مضاعفة الطاقة المتجددة. وفي حين تتمتع أوروبا والولايات المتحدة والهند بسياسات داعمة للتحول في مجال الطاقة، إلا أنها بحاجة إلى تسريع الخطى. أما اليابان، وإندونيسيا، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، فتعد متأخرة لجهة انتشار الطاقة المتجددة واستثماراتها، مع فروقات بين المناطق.

بحسب التقرير، ارتفع الاستثمار في الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا، بنسبة 25% خلال النصف الأول من العام الجاري على أساس سنوي، فيما زاد في أفريقيا جنوب الصحراء بشكل كبير خلال تلك الفترة على خلفية بعض الصفقات الضخمة في جنوب أفريقيا. كما رفعت الهند حجم الاستثمار أيضاً في النصف الأول من العام. وفي المقابل، انخفض الاستثمار في مناطق أخرى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض أسعار الطاقة الشمسية، إذ يُتوقع أن تشهد اليابان أدنى استثمارات في الطاقة الشمسية منذ عام 2012.

في العقدين الماضيين أدرك الجميع، وفي مقدمتهم الدول المنتجة للنفط، أن التحوّل في مجال الطاقة أمر لا مفر منه، سواء للتخفيف من التغيّرات الطارئة على المناخ، أو للبحث عن بدائل لأنواع الوقود التي نعتمد عليها اليوم بشكل كبير، والمعرّضة للنضوب. لكن المؤشرات توحي بأن الطريق إلى استكمال هذا التحوّل يمرّ عبر تضاريس مليئة بالعقبات، ما يتطلب مقاربة أكثر توازناً للمحافظة على أمن الطاقة العالمي، وتجنب أزمات شبيهة، أو ربما أشد، مما أعقب الحرب الروسية الأوكرانية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC