بنظرة سريعة على أبرز بنود الموازنة نجد أنها تتضمن بعض نقاط قوة ونقاط ضعف. ومن أبرز نقاط القوة نذكر، أولا، عدم رفع الضرائب والرسوم، حيث إن عدم رفع الضرائب يسهم في تخفيف العبء على المواطنين والشركات، مما يحفز النشاط الاقتصادي. وثانياً، زيادة الإنفاق الرأسمالي، حيث إن التركيز على زيادة الإنفاق الرأسمالي يعزز المشروعات التنموية ويسهم في تعزيز النمو الاقتصادي شرط أن تكون المشروعات التنموية ذات قيمة مضافة للاقتصاد. وثالثاً، تحسين مخصصات الحماية الاجتماعية، وهذا متطلب رئيسي ويقع تحت مهام وواجبات الدولة ويعكس الاهتمام بالفئات الأكثر احتياجًا وانكشافا على الصدمات والتقلبات الاقتصادية ويساهم في تعزيز التوازن الاجتماعي. ورابعاً، التركيز على تعزيز الاعتماد على الذات، فاستمرار الحكومة في تعزيز الاعتماد على الذات يعكس استراتيجية مستدامة لتغطية النفقات الجارية من الإيرادات المحلية. وخامساً، الحفاظ على التصنيف الائتماني للمملكة، وهذا يشير إلى استقرار الاقتصاد وجاهزيته لاستقبال الاستثمارات بمختلف أشكالها ومصادرها.
أما نقاط الضعف، فيمكن تلخيصها بما يلي: أولاً، توقعات النمو الاقتصادي المتواضعة، وهذه صفة يتصف بها الاقتصاد الاردني منذ قرابة العقد ونصف العقد من السنين، مما يشير إلى تحديات قد تؤثر على تحقيق الأهداف التنموية. وثانياً، ارتفاع العجز الأولي، والذي يمكن أن يزيد من الضغط على الموازنة العامة ويؤثر على الاستقرار المالي. وثالثاً، استمرار ارتفاع إجمالي الدين العام نسبة للناتج، وذلك على الرغم من الانخفاض المتوقع في معدل نمو إجمالي الدين العام، إلا أن استمرار النسبة العالية يمكن أن يكون تحدياً للاقتصاد على المدى الطويل. ورابعاً، توقعات تباطؤ النمو العالمي والتي قد تؤثر على صادرات الأردن وتعزز التحديات الاقتصادية. وخامساً، تأثير التطورات الإقليمية سيكون لها انعكاسات على المالية العامة وتزيد من تحديات تحقيق الإيرادات العامة.
لذا، يجب التركيز على كافة التحديات المحتملة، مثل ارتفاع العجز الأولي واستمرار ارتفاع إجمالي الدين، لتعزيز فعالية الإجراءات التنموية وضمان استدامة النمو الاقتصادي في المستقبل.
أما ماذا يمكن أن تعمل الحكومة لتحسين أوضاع الاقتصاد وتطوير الموازنة العامة للعام 2024 فنقترح ما يلي: أولاً، تعزيز الاستثمار في المشروعات الكبرى، في قطاعات المياه والطاقة والنقل، ذات الأثر البيئي والاقتصادي لتعزيز التنمية المستدامة وتوفير فرص عمل وزيادة الاعتماد على الذات وتقليل الانكشاف على الصدمات الخارجية، فكل صدمة خارجية مفاجئة تذكرنا بضرورة الإسراع في تنفيذ تلك المشروعات. وثانياً، تطوير القطاع الزراعي وذلك عن طريق دعم الزراعة بتكنولوجيا حديثة وتحسين نظام الحصاد المائي والري لزيادة الإنتاج المحلي وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي في كافة المحاصيل والسلع الزراعية وخاصة الأساسية منها. وثالثاً، تعزيز القطاع السياحي، من خلال تنفيذ استراتيجيات ترويج وتسويق للجذب السياحي وتحسين البنية التحتية لتعزيز مسألة التوريد السياحي. ورابعاً، تنويع مصادر الإيرادات، من خلال تعزيز التحول الرقمي وتطوير الصناعات الإبداعية لتنويع مصادر الإيرادات. وهنا لا بد من التعريج على نقطة هامة وهي عدم تشجيع بيع الصناعات الإبداعية للخارج وخاصة في قطاع التكنولوجيا وضرورة العمل على المستوى العربي لإيجاد بديل رقمي عربي، ولأن بيعها يعني العودة لنقطة الصفر وللمربع الأول على مستوى الاقتصاد الكلي المحلي والعربي. وخامساً، تحسين الشفافية المالية والمساءلة لبناء الثقة وجذب المزيد من الاستثمارات. وسادساً، تحسين إدارة الدين العام وذلك من خلال تطبيق استراتيجيات فعالة لإدارة الدين العام وتحقيق تخفيضات تدريجية في نسبة الدين إلى الناتج المحلي. وسابعاً، تعزيز الكفاءات الضريبية من خلال بذل المزيد من الجهود لتحسين جودة التحصيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي لزيادة الإيرادات الضريبية. ثامناً، تطوير برامج التعليم والتدريب لتأهيل القوى العاملة وتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة. تاسعاً، تشجيع الشراكات الفعلية بين الحكومة والقطاع الخاص لتمويل وتنفيذ المشروعات الاقتصادية وخاصة الكبرى والملحة منها .
إن تحقيق هذه التوصيات يتطلب جهوداً مستمرة وتعاوناً فعّالاً بين الحكومة والقطاعات المختلفة في المجتمع.