تمر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنعطف حاسم، نتيجة التقلبات التي تشهدها أسواق النفط الخام، فقد شكّل النفط لعقود، القوة الدافعة للنمو الاقتصادي في دول المنطقة، إذ أسهم في تمويل الميزانيات الحكومية وتطوير البنية التحتية. غير أن التقلبات الأخيرة في أسعار النفط سرّعت من الجهود الرامية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط.
تأتي مبادرات مثل رؤية السعودية 2030 وأهداف الإمارات للوصول إلى صافي الصفر في انبعاثات الكربون، كتجسيد لهذا التحول الإستراتيجي نحو بناء اقتصادات أكثر تنوعاً واستدامة.
وقد شهدت أسواق النفط العالمية اضطرابات حادة نتيجة للتوترات الجيوسياسية، واختلال التوازن بين العرض والطلب، إلى جانب التغير في أنماط استهلاك الطاقة.
وأدى اندلاع النزاعات في مناطق رئيسية، والنزاعات التجارية، بالإضافة إلى آثار جائحة كوفيد-19، إلى تعطيل سلاسل الإمداد وتغيير طبيعة الطلب العالمي، كما أن التوجه العالمي المتسارع نحو مصادر الطاقة المتجددة يضفي حالة من عدم اليقين على الطلب على النفط على المدى الطويل.
هذا الوضع الفريد يعكس الحاجة الملحة للتنويع الاقتصادي لضمان الاستقرار المالي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
تتبنى بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إستراتيجيات جريئة لإعادة تشكيل اقتصاداتها استجابةً للتحديات الراهنة. وتمثل رؤية السعودية 2030 خطة شاملة لتقليل اعتماد المملكة على النفط من خلال تطوير قطاعات السياحة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة.
وتبرز مشاريع ضخمة مثل «نيوم»، المدينة المستقبلية، بقيمة 500 مليار دولار، والتي تركز على الاستدامة والابتكار، إلى جانب مشروع البحر الأحمر، الذي يهدف إلى إنشاء وجهة سياحية فاخرة مع الحفاظ على البيئة الطبيعية، كتجسيد لهذا التحول الجذري نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة.
أما في الإمارات العربية المتحدة، فتجسد المبادرة الإستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 التزاماً وطنياً بخفض انبعاثات الكربون وتعزيز الطاقة المستدامة. وتستثمر الدولة بشكل مكثف في مشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك تقنيات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والهيدروجين.
ويعتبر مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، المتوقع أن يكون من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في موقع واحد عالمياً، مثالاً بارزاً على التزام الإمارات بتحقيق مستقبل مستدام.
وسلطت فعاليات مثل «إكسبو دبي 2020» الضوء على إستراتيجيات الدولة الرائدة في التفكير المستقبلي، مركزة على الابتكار، والاستدامة، والتعاون العالمي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أصبحت التكنولوجيا والابتكار ركيزتين أساسيتين في جهود التنويع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فبفضل الاستثمارات المتزايدة في الذكاء الاصطناعي، والشركات التكنولوجية الناشئة، ومبادرات التحول الرقمي، يشهد المشهد الاقتصادي تحولاً كبيراً. ويبرز الاقتصاد الرقمي في دبي كمحور نمو رئيسي، مدعوماً بمبادرات تهدف إلى جذب شركات التكنولوجيا العالمية وتعزيز ريادة الأعمال.
أما في الرياض، فإن تطوير مراكز التكنولوجيا مع التركيز على الابتكار، يرسخان مكانة المملكة العربية السعودية كرائدة في مجال التكنولوجيا على مستوى المنطقة.
كما تشكل السياحة ركيزة أخرى هامة، في ظل الجهود المبذولة لتعزيز السياحة الثقافية، والدينية، والترفيهية. وتستهدف المشاريع العملاقة في المملكة العربية السعودية جذب 100 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030، مساهمةً بذلك في تنويع مصادر الدخل.
كما تواصل الإمارات العربية المتحدة توسيع عروضها في السياحة الفاخرة، مستفيدةً من سمعتها كوجهة عالمية متميزة.
فيما يشهد القطاع المالي، ولا سيما التكنولوجيا المالية، نمواً سريعاً، حيث تعمل كل من الإمارات والبحرين على توفير بيئة داعمة لهذا القطاع، وتعزيز الابتكار في الخدمات المالية.
وتلعب صناديق الثروة السيادية، مثل صندوق الاستثمارات العامة في السعودية وشركة مبادلة للاستثمار في الإمارات، دوراً محورياً في تعزيز الاستثمارات الإقليمية والدولية، ما يشكل دافعاً كبيراً للاستثمارات الإقليمية والدولية.
من المتوقع، بحلول عام 2025، أن تحقق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقدماً كبيراً في جهود التنويع الاقتصادي. ومن المنتظر أن تساهم القطاعات غير النفطية في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل متزايد في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
على سبيل المثال، تستهدف السعودية زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 65% بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن تحقق استثمارات الإمارات في مجال الطاقة المتجددة عوائد اقتصادية كبيرة، مع خطط لإنتاج 50% من طاقتها من مصادر نظيفة بحلول عام 2050.
كما تشكل الشراكات الدولية عنصراً حاسماً في تحقيق هذه الأهداف، حيث يسهم التعاون مع رواد التكنولوجيا والمستثمرين في الطاقة الخضراء، إلى جانب الاتفاقيات التجارية الإستراتيجية، في نقل المعرفة وجذب الاستثمارات. فعلى سبيل المثال، أبرمت المملكة العربية السعودية اتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير تقنيات وقود الهيدروجين، بما يتماشى مع الأهداف العالمية للاستدامة.
لا يمثل التنويع خياراً استراتيجياً فحسب، بل يعد ضرورة اقتصادية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تواجه تحديات تقلبات أسعار النفط، فالتعاون الإقليمي المستمر والابتكار يعتبران من الركائز الأساسية لتحقيق الأهداف الطموحة لعام 2025 وما بعده. ومن خلال تبني ركائز اقتصادية جديدة، تضع دول المنطقة الأساس لاقتصادات قادرة على الصمود والازدهار بغض النظر عن تقلبات سوق النفط.
لا يمكننا التقليل من الأهمية الإستراتيجية للتنويع. ومع تقدم دول المنطقة في هذا المسار، يُتوقع أن تتبوأ مكانة رائدة عالمياً في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والتنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وستسهم الإجراءات المتخذة اليوم في استقرار الاقتصادات ووضع المنطقة في طليعة الابتكار والنمو العالمي، كما أنها تفتح الآفاق أمام المنطقة لمستقبل مزدهر ومستدام.