ويعتبر الاقتصاديون وصانعو السياسات نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي تزيد عن 100% عالية ومشيرة إلى وجود إجهاد مالي كبير وسنوات ضائعة من التنمية المستدامة.
إن عبء الدين بهذا الحجم يعيق النمو الاقتصادي ويقيد قدرة الحكومة على الاستثمار في قطاعات مهمة مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. إذا لم يتم إدارة خدمة الديون بشكل فعال سيكون له تأثير كبير على الموازنة والقدرة على تخصيص الأموال لمشاريع التنمية الأخرى. المطلوب الآن وبشكل فوري تحقيق توازن بين خدمة الديون والاستثمار في التنمية، فلا مجال لمزيد من التباطؤ والمماطلة.
إن حل مشكلة المديونية هو تحدٍ كبير يتطلب استراتيجيات شاملة ومستدامة. فيما يلي بعض الوسائل التي يمكن استخدامها للتعامل مع مشكلة المديونية:
أولا، إعادة هيكلة الدين، وهذا يشمل تمديد مدة الديون بشكل أكثر، وتخفيض أسعار الفائدة وهذه معضلة في ظل التشدد من جانب السياسة النقدية وعلى مستوى عالمي، وإعادة جدولة الديون أينما كان ممكناً. فهذا كله يساعد على تخفيف الأعباء المالية الحالية.
ثانياً، زيادة الإيرادات الحكومية من خلال تحسين جباية الضرائب والرسوم، وخاصة من الأفراد، وليس من الموظفين والعمال، والجهات المعنية تعرف ماذا يعني ذلك، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية في إدارة المال العام.
ثالثاً، تحفيز النمو الاقتصادي لأنه يساعد على زيادة الإيرادات الحكومية بشكل طبيعي من خلال زيادة الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص عمل جديدة.
رابعاً، التحول إلى الاستثمار، حيث يمكن للحكومة توجيه موارد مالية إضافية نحو الاستثمار في المشاريع التنموية والبنية التحتية التي تساهم في تعزيز الاقتصاد.
خامساً، زيادة الشفافية تساعد على تقليل تسرب الموارد المالية وزيادة الكفاءة في إدارة المال العام.
سادساً، توفير بيئة تنافسية تشجع على الاستثمار ونمو الشركات يزيد الإيرادات ويسهم في تحسين الاقتصاد.
سابعاً، إعادة تقييم الأولويات المالية، يجب على الحكومة إعادة تقييم الأولويات المالية وتوجيه الإنفاق نحو القطاعات والبرامج التي تعزز التنمية المستدامة.
أما فيما يتعلق بارتفاع معدلات البطالة (22%) فهو قلق وتحدي كبير آخر للاقتصاد الأردني، ويشير إلى وجود قوى عاملة في حالة من الضيق، ويعني أن هناك نسبة كبيرة من السكان تفتقر إلى وظائف مستدامة ومصادر دخل منتظمة.
وهذا ليس تحديًا اقتصاديًا فقط، بل إنه أيضًا تحدي اجتماعي واستقراري. أما عن العوامل المسؤولة عن ارتفاع معدلات البطالة فيمكن الحديث عن ما يلي:
أولا، نمو اقتصادي غير كافٍ، فعلى الرغم من تسجيل بعض التحسن في معدلات النمو الاقتصادي، إلا أنها ليست بمستوى كاف لخلق وظائف جديدة بما يكفي لتلبية احتياجات القوى العاملة الزائدة.
ثانياً، تطبيق التكنولوجيا والتحول الاقتصادي، فالعالم يتجه نحو توظيف التكنولوجيا بشكل متزايد في الإنتاج والخدمات، مما يمكن أن يقلل من الحاجة إلى القوى العاملة البشرية في بعض القطاعات التقليدية.
ثالثاً، تأثير الأزمات الاقتصادية والصحية جعلت سوق العمل أكثر توترًا، وقللت الاستثمارات والإنفاق فزادت من معدلات البطالة.
وبلا شك فإن ارتفاع معدلات البطالة يزيد من نسبة الفقر، حيث يفتقر الأشخاص الباحثون عن عمل إلى دخل منتظم، وهذا يؤدي إلى انعدام الأمان الاجتماعي، حيث يعيش الباحثون عن عمل في حالة عدم استقرار مالي، مما يزيد من مخاطر انزلاقهم إلى حالات الفقر المدقع.
لمواجهة أزمة البطالة، تحتاج الحكومة إلى اتخاذ إجراءات فورية ومستدامة، من أهمها:
أولاً، تشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية في القطاعات الرئيسية التي تستطيع توفير فرص عمل، مثل الصناعات التحويلية والتكنولوجيا والسياحة والنقل والطاقة والمياه والزراعة.
ثانيا، يجب تطوير برامج تعليمية وتدريبية تناسب احتياجات سوق العمل الحديثة وتزيد من مهارات العمال.
ثالثاً، تشجيع ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة يمكن أن يسهم في خلق فرص عمل جديدة.
رابعاً، التنسيق مع القطاع الخاص، فيمكن للحكومة والقطاع الخاص العمل معًا لتوفير فرص العمل وتشجيع الاستثمارات.
الأردن يقف عند مفترق الطرق، ويواجه تحديات اقتصادية جبارة. فاستدامة الدين العام العالي، إلى جانب معدلات البطالة المرتفعة، والنمو المتواضع، والفقر المتفشي، تتطلب اهتمامًا فوريًا. ولتوجيه البلاد نحو مستقبل أكثر ازدهارًا، يجب على صانعي السياسات تنفيذ سياسات مالية سليمة، وجذب الاستثمارات، والتركيز على إصلاحات هيكلية شاملة. التوازن في الموازنة، وتعزيز التنويع الاقتصادي، ومعالجة مشكلة خدمة الديون هي من أبرز الأمور التي يجب التركيز عليها لضمان استقرار الأردن الاقتصادي والنمو على المدى الطويل ورسم مسار نحو مستقبل أكثر ازدهارًا للمواطنين.