وجاء مشروع "تصاميم وحدات سكنية اقتصادية ومستدامة" من وزارة الطاقة والبنية الأساسية بدولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الثاني، بينما نال المركز الثالث مشروع "الوحدة السكنية في حي الجار بمدينة ينبع الصناعية" من الهيئة الملكية للجبيل وينبع بالمملكة العربية السعودية.
وتكشف هذه المشاريع، بحسب مراقبين، عن سعي حثيث من المطورين العقاريين في الخليج للارتقاء بالمسكن وجودة الحياة، خاصة في ظل تحذيرات أممية من أن العالم مقبل على "توسع حضري سريع لن يتزامن معه توفير عيش كريم، إلا عن طريق تنمية مستدامة وخطط حضرية جديدة منها إنشاء مدن ذكية" كما تقول الأمم المتحدة عبر موقعها الإلكتروني.
وتشير الإحصائيات الأممية إلى أنه "بحلول عام 2030، سيعيش أكثر من 60% من سكان العالم في المدن، وسط توقعات بأن تصل النسبة إلى 70% بحلول عام 2050" فيما أفاد تقرير القمة العالمية للحكومات 2023 بأن حجم سوق المدن الذكية العالمية قد يصل إلى 7 تريليونات دولار بحلول 2030.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن السوق الإقليمية لتقنيات المدن الذكية في الشرق الأوسط وأفريقيا ستبلغ 2.7 مليار دولار بحلول عام 2024، وفق ما ذكرته شبكة "سي إن إن" الأميركية في نوفمبر 2020.
وتعد دول الخليج، بحسب دراسة نشرتها المجلة العربية للدراسات الجغرافية عام 2020، من أبرز البيئات التي حاولت احتضان المفهوم الجديد للمدينة والسعي للتحول الحضري السريع نحو تحقيق معدلات عالية من استخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الحضرية المتنوعة"، من أجل "تغيير صورة المدينة أمام سكانها ومستخدمي خدماتها".
وتلفت الدراسة التي أعدها الدكتور رياض الجميلي، إلى أن مدنا خليجية، مثل دبي والشارقة والدوحة، بدأت مبكرا في تطوير مثل هذه التجمعات الحضرية، هذا بالإضافة إلى العديد من المشاريع العمرانية في مختلف دول الخليج التي أسست لتكون مشاريه تدار بالذكاء الاصطناعي والتقانة الرقمية.
وفي هذا السياق، يتوقع صلاح حبيب، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة "سي القابضة"، الإماراتية التي تقود تطوير مدينة "يتي" العمانية، أن "يستمر هذا الاتجاه نحو تشييد مدن المستقبل المستدامة في النمو والتصاعد".
وأضاف، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أنه "من المقرر أن تكون المدينة المستدامة "يتي"، أكبر مجمع مستدام في العالم، وأول مجتمع صفري الانبعاثات في المنطقة بحلول عام 2040"، مشيرا إلى أن المدينة تقع على مساحة مليون متر مربع، وتضم منطقة زراعية لدعم الأمن الغذائي وساحة مركزية تحتوي على مركز تجاري ومدرسة ودار حضانة لضمان وجود كافة الخدمات والمرافق التجارية والتعليمية في داخل المدينة.
هذا إلى جانب وجود فندقين لدعم التنمية السياحية المستقبلية المستدامة ومجمع رياضي، وعيادات طبية لتشجيع أسلوب حياة صحي، ومركز للتوحد لدعم دمج أصحاب الهمم وأطفال التوحد في المجتمع، بالإضافة لمعهد ومختبر لنشر ثقافة الاستدامة".
وترسي مدينة "يتي" المستدامة، وفق صلاح حبيب "معايير جديدة لبناء مدن المستقبل، حيث يتم بناؤها باستخدام مواد صديقة للبيئة ومستدامة، وتحرص على دمج الاستدامة في صميم عملياتها، حيث تتميز بوجود نظام متكامل لإعادة تدوير المياه والنفايات بنسبة 100%، بالإضافة للاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة، فضلًا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء بنسبة 70%".
ومن المقرر إنجاز مشروع مدينة يتي بالكامل "بحلول العام 2025، مع إنجاز 70% من أعمال البنية التحتية حتى الآن"، وفق حبيب.
وبشأن تأثر مدينة يتي بنموذج دبي في تشييد مدن المستقبل، أوضح حبيب أن المدينة المستدامة في دبي تعد بمثابة نموذج حي لمدن المستقبل التي توفر عناصر الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، وترفع من جودة حياة سكانها مع تحقيق أدنى بصمة للانبعاثات".
وأضاف: "لقد أصبحت هذه المدينة كمختبر حي لرفع كفاءة هذه المدن واختبار أحدث حلول الاستدامة للوصول لمستقبل صافي صفري الانبعاثات، ونعمل الآن على استنساخ هذا النموذج في المنطقة والعالم".
وتابع: "مستهدفات رؤية عمان 2040 ترسم طريقًا واضحًا نحو بناء اقتصاد وطني أكثر استدامة وتنوعًا وشمولًا، وقد وضعت خطة طموحة للوصول إلى صافي صفرية الانبعاثات بحلول العام 2050".
والمدينة المستدامة – يتي، وفق حبيب "تجسيد للالتزام الراسخ بدعم أهداف التنمية المستدامة لسلطنة عمان، والسعي للعمل وفق رؤية البلاد من خلال بناء مدينة حيادية الانبعاثات، وعالية الكفاءة من حيث استهلاك الطاقة، تركز على الإنسان وتسمح له بالعيش والعمل والازدهار وسط بيئة خضراء مستدامة".
وتطمح "المدينة المستدامة- يتي"، بحسب حبيب، إلى تلبية وتجاوز الأهداف البيئية المحددة في اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ في باريس لعام 2050، وخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030"، حيث يساهم المشروع في "خفض انبعاثات الشخص الواحد من سكانه بنسبة 75% كحدّ أدنى مقارنة بالمساكن وأنماط الحياة التقليدية في السلطنة، وهو ما سيتم من خلال خفض الانبعاثات عبر العناصر الستة للاستدامة البيئية، والتي تتمثل في الطعام والطاقة والماء والمنتجات والتنقل والنفايات".
وبشأن استثمارات مدن المستقبل ونموها خليجيا، أضاف صلاح حبيب، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة "سي القابضة": "بالتأكيد، شهدنا زيادة كبيرة في الطلب على المشاريع المستدامة مؤخرًا، وأعتقد أن خير دليل على ذلك هو مشاريع المدن المستدامة المختلفة التي نقوم بإنجازها في عدة مدن".
وأضاف: "ساهم مشاريع المدينة المستدامة في إنتاج ما يزيد على 82 ألف ميغاوات سنوياً من الطاقة النظيفة. وقد حققت المدينة المستدامة في دبي العديد من الإنجازات البارزة، وهي تعمل بكامل طاقتها اليوم، ولدينا لائحة طويلة من الطلبات السكنية والتجارية التي تنتظر توفر شاغر".
وتابع: "ينطبق الأمر نفسه على المدينة المستدامة في جزيرة ياس أبو ظبي، التي جرى بيع وحداتها في وقت قياسي. هناك رغبة واتجاه قوي نحو خيارات العيش المستدام، ونتوقع أن يستمر هذا الاتجاه بالنمو والتصاعد".
وقال حبيب: "عالمنا يمر بمرحلة مصيرية، ولا بد من الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وخلاصة القول: إنه ليس أمامنا خيار آخر سوى الاتجاه نحو الاستدامة من أجل صحة وسلامة كوكبنا"، معربا عن اعتقاده بأن مؤتمر المناخ (كوب 28)، المقرر انعقاده في دولة الإمارات العربية المتحدة الشهر الجاري سيشكل نقطة تحول تدفع مسيرة العمل المناخي خلال العقد المقبل".
وبشأن دور القطاع الخاص في تعزيز استثمارات مدن المستقبل، وقال حبيب: "القطاع الخاص من مختلف التخصصات يتحمل أيضًا المسؤولية لتمهيد الطريق أمام بناء مستقبل أكثر مراعاة للبيئة"، موضحا أن "مدينة يتي هي خير مثال على أهمية التعاون البناء بين القطاعين العام والخاص، وهي تجسد التزامنا بتشجيع ممارسات العيش المستدام والارتقاء بمعاييره على مستوى العالم".