وفي الآونة الأخيرة، جذبت فكرة التحليلات الصوتية، التي توفر نصائح حول المشاعر الحقيقية للمديرين التنفيذيين، انتباه بعض أكبر المستثمرين في العالم.
وتستخدم العديد من الصناديق الاستثمارية بالفعل الخوارزميات للبحث في مكالمات الأرباح والعروض التقديمية للشركات لجمع الإشارات من "اختيار المديرين التنفيذيين للكلمات"، وهو مجال يُعرف باسم "معالجة اللغات الطبيعية" أو "إن إل بي".
ويحاول المستثمرون العثور على المزيد من المعاني والرسائل من الطريقة التي ينطق بها المديرون التنفيذيون الكلمات.
على النقيض، في تحليلات النصوص تُستبعد أحيانا الكلمات المترددة والحشوية. لكن يمكن للذكاء الاصطناعي التركيز على أدق التفاصيل، ومنها التقاط "الهزات الدقيقة" في الحديث، والتي لا يمكن للأذن البشرية إدراكها.
ويقول مايك تشين، رئيس أبحاث ألفا البديلة في شركة روبيكو لإدارة الأصول، لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، إن "الفكرة هي أن الصوت يحمل أكثر مما يتم إدراكه بالأذن البشرية للوهلة الأولى".
وبدأت شركة روبيكو، التي تدير أكثر من 80 مليار دولار من الأموال المدفوعة بالخوارزميات، مما يجعلها واحدة من أكبر الشركات في هذا المجال، في إضافة الإشارات الصوتية الملتقطة من خلال الذكاء الاصطناعي إلى استراتيجياتها في وقت سابق من هذا العام.
وذكر تشين أن ذلك أدى لزيادة عائدات الشركة، وأنه يتوقع أن يحذو حذوها المزيد من المستثمرين. ويمثل استخدام الصوت مستوى جديدًا في لعبة "القط والفأر" بين المستثمرين والمديرين التنفيذيين.
ووجدت العديد من الأوراق البحثية أن العروض التقديمية أصبحت إيجابية بقدر متزايد منذ ظهور البرمجة اللغوية العصبية (إن إل بي)، حيث تقوم الشركات بتعديل أساليبها للتلاعب بالخوارزميات، وفق فايننشال تايمز.
كما وجدت ورقة بحثية شارك يين لوه -رئيس الأبحاث الكمية في شركة وولف للأبحاث- في كتابتها في وقت سابق من هذا العام، أن الجمع بين البرمجة اللغوية العصبية التقليدية والتحليل الصوتي كان وسيلة فعالة للتمييز بين الشركات.
وعلى الرغم من انخفاض تكاليفه في الفترة الماضية، إلا أن "إن إل بي" ما زال مكلفًا نسبيًا، إذ أمضت شركة ريبيكو 3 سنوات في الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية الجديدة قبل أن تبدأ العمل على دمج التحليل الصوتي، في نظامها.
ولتجنب القفز إلى استنتاجات مبنية على انفعالات شخصيات مختلفة، نظرا لأن بعض المديرين التنفيذيين قد يكونون أكثر انفعالاً من غيرهم، فإن التحليل الأكثر موثوقية يأتي من مقارنة الخطابات المختلفة لنفس الشخص من فترات مختلفة.
ولكن هذا يمكن أن يصعب الحكم على أداء المدير المعين حديثا، والذي لا يملك سجلا سابقا من البيانات الصوتية يمكن المقارنة بها، لذا يمكن القول إن البصيرة أو الفطنة ستكون مفيدة بصفة خاصة.
وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في إحدى الشركات التي تقدم تحليل البرمجة اللغوية العصبية للصحيفة البريطانية إن "أحد القيود حتى في البرمجة اللغوية العصبية هو أن تغيير الرئيس التنفيذي يفسد الشعور العام [التحليل]".
ويجب على المطورين أيضًا تجنب إضافة تحيزاتهم الخاصة إلى الخوارزميات المستندة إلى الصوت، حيث يمكن أن تكون الاختلافات مثل الجنس أو الطبقة أو العرق أكثر وضوحًا مما هي عليه في النص.
وقال تشين: "نحن حريصون للغاية على التأكد من عدم انتشار التحيزات المقصودة في برامجنا، لكن من الممكن أن تكون هناك تحيزات غير مقصودة".
وكما حاولت الشركات التكيف مع تحليل النصوص، توقع ديفيد بوب، كبير علماء البيانات في شركة "سبيتش كرافت أنالتيكس"، أن تبدأ الشركات في تدريب المديرين التنفيذيين على مراقبة نبرة الصوت والسلوكيات الأخرى التي لا تظهرها النصوص.
وقال ديفيد بوب، لـ"فايننشال تايمز": "قلة قليلة منا يجيدون التعديل في أصواتهم، من الأسهل علينا أن نختار كلماتنا بعناية. لقد تعلمنا القيام بذلك منذ أن كنا صغارًا جدًا لتجنب الوقوع في المشاكل".
اضطر فرانسيس دي سوزا، الرئيس التنفيذي لشركة التسلسل الجيني "إليومينا" الأميركية، لبذل قصارى جهده للبقاء إيجابيًا خلال آخر مكالمة هاتفية له بشأن أرباحه.
للتوضيح، أدت عملية استحواذ إليومينا المثيرة للجدل بقيمة 8 مليارات دولار على شركة "جرايل" لفحص السرطان، إلى إطلاق حملة من قبل المستثمر الناشط كارل إيكان، وانتقادات من المديرين المؤسسين لشركة جرايل.
وقال ديسوزا للمحللين إن هذه الدراما لم تؤثر إلا على "جزء صغير جدا من الشركة"، لكن في كل مرة سُئل فيها عن جرايل، كانت هناك تغيرات في معدل حديثه ودرجة نبرته ومستوى صوته، وفقًا لشركة الذكاء الاصطناعي "سبيتش كرافت أنالتيكس".
ورأت الشركة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل التسجيلات الصوتية، أن هناك أيضًا زيادة في كلمات الحشو مثل "أم" و"آه" وحتى "البلع" المسموع، في حديثه عن جرايل.
وتعليقا على حديث ديسوزا، قال بوب إن هذا المزيج "ينم عن علامات القلق والتوتر على وجه التحديد عند معالجة هذه القضية الحساسة".
وفي تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، قال محمد الحارثي، خبير تكنولوجيا المعلومات والإعلام الرقمي، إن "تقنية الرؤية الحاسوبية تعتمد علي معالجات الذكاء الاصطناعي، وقد غيرت طريقة تحليل سلوك المدراء وفهم قدراتهم ومهاراتهم في العمل".
وأوضح أن هذه التقنية "تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعالجة الصور والأصوات وتفسيرها تلقائيًا، وباستخدامها يمكننا فهم كيف يتصرف المديرون في مكان العمل وكيف يتفاعلون مع فريق العمل، وبالتالي تساعد في تحديد فرص الاستثمار واتخاذ قرارات استراتيجية".
وعلى صعيد الإمكانات الفردية للمديرين التنفيذيين، لفت الحارثي إلى أنه "يمكن استخدام التقنية لتقييم مهاراتهم وتحليل كيفية التواصل واتخاذ القرارات من خلال تحليل تفاعلاتهم اللفظية وغير اللفظية، وهذه المعلومات تساعد في تحديد نقاط القوة والضعف وتوجيه جهود التدريب".
ليس ذلك فحسب، بل ذكر الحارثي أنه "يمكن استخدام هذه التقنية لتقييم صدق المدراء في العمل، عبر تحليل لغة الجسد وتعابير الوجه لتحديد مدى صدقهم في التواصل وتفاعلهم مع الآخرين، وهذه المعلومات تساهم في إنشاء بيئة عمل شفافة وموثوقة".
ومضى قائلا "هذه التقنية تمثل نظرة قيمة حول فرص الاستثمار ومهارات المدراء وصدقهم في العمل، ومع التطور التكنولوجي المستمر، من المتوقع أن نشهد المزيد من التطور في هذه التقنية وزيادة استخدامها في المستقبل".