تشهد عمليات الدمج والاستحواذ في قطاع الشركات متوسطة الحجم في دول مجلس التعاون الخليجي نمواً متسارعاً، مع زيادة اهتمام شركات الأسهم الخاصة الدولية والمستثمرين الأجانب بالسوق الإقليمية.
وبات المستثمرون الغربيون يعتبرون الخليج وجهة جاذبة للاستثمارات، ولا سيما مع تباطؤ النمو الاقتصادي في الأسواق الأخرى، الأمر الذي يعكس تحولاً في اتجاهات رأس المال التي كانت تركز تاريخياً على الاستثمار الخارجي فقط.
ويعزى هذا الاتجاه إلى عدة عوامل، أبرزها نضوج الاقتصاد الخليجي، حيث أصبحت العديد من الشركات الناشئة المدعومة برأس المال الاستثماري أكثر استقراراً وربحية، ما يجعلها بحاجة إلى تمويل إضافي لمواصلة توسعها.
وفي الوقت نفسه، تعمل العديد من الشركات العائلية الكبرى في الخليج على إعادة هيكلة أعمالها ضمن خطط نقل الملكية للأجيال القادمة، وهو ما يدفعها إلى بيع الأصول غير الأساسية والاستثمار في شركات أكثر توافقاً مع استراتيجياتها طويلة الأمد.
كما تحفز الحكومات الخليجية بروز شركات إقليمية رائدة في مختلف القطاعات، حيث تلجأ هذه الشركات إلى عمليات الدمج والاستحواذ لتعزيز قدراتها التنافسية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
وفقاً لتقرير صادر عن «إرنست آند يونغ» (EY)، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 522 صفقة دمج واستحواذ خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، بزيادة قدرها 9% عن العام السابق.
كما ارتفع عدد الصفقات الواردة بنسبة 20% ليصل إلى 127 صفقة، بقيمة إجمالية بلغت 10.4 مليار دولار، أي بمتوسط 82 مليون دولار لكل صفقة.
ورغم أن البنوك الاستثمارية الكبرى تميل إلى التركيز على الصفقات الضخمة، فإن شركات الاستشارات المالية المتخصصة، مثل «لومينا كابيتال أدفايزرز»، تلعب دوراً متزايداً في تسهيل الصفقات متوسطة الحجم.
من جانبه، قال جيمس جارفيس، مدير الشركة لموقع (AGBI): «نشهد اليوم عدداً أكبر من الصفقات في هذا القطاع مقارنة بأي وقت مضى».
مع تزايد الضغوط على شركات الأسهم الخاصة العالمية لنشر رؤوس أموالها بكفاءة، بدأت هذه الشركات في تغيير نظرتها إلى الخليج، حيث أصبح يُنظر إليه كمصدر للفرص الاستثمارية، وليس مجرد سوق لجمع التمويل.
وقال جارفيس: «عادةً ما يكون دخول المستثمرين إلى السوق عبر الشركات غير المدرجة متوسطة الحجم، سواء من خلال الاستحواذ المباشر، أو الشراكات الاستراتيجية، أو المشاريع المشتركة».
وأضاف: «يبحث المستثمرون عن قاعدة مستقرة للنمو والتوسع، وقد شهدنا مؤشرات إيجابية على الصفقات التي نتوقع استمرارها بقوة في عام 2025».
كما شهدت المنطقة تحولاً في آليات تمويل الصفقات، فبينما كانت الشركات الخليجية تعتمد تقليدياً على تمويل عمليات الاستحواذ من ميزانياتها الخاصة، هناك اهتمام متزايد بتمويل الصفقات من خلال الديون، بما في ذلك القروض التقليدية وصناديق الديون والأسهم الخاصة. أما المشترون الدوليون، فيميلون إلى استخدام التمويل الخارجي، ما يقرّب سوق الشرق الأوسط من النموذج المعتمد عالمياً.
يركز المستثمرون بشكل متزايد على قطاعات الخدمات الصناعية والتجارية، إلى جانب الشركات الاستهلاكية مثل الأغذية والمشروبات، والتي تستفيد من النمو السكاني في الخليج وارتفاع معدلات الإنفاق.
كما أن إدخال ضريبة الشركات وتعزيز اللوائح التنظيمية في المنطقة دفع إلى زيادة عمليات الاستحواذ في قطاع الخدمات التجارية.
وتجدر الإشارة إلى أنه من أبرز الصفقات الأخيرة، استحواذ شركة التسويق الأميركية «ستاجويل» في ديسمبر 2024 على وكالة الاتصالات الرقمية (Create Group) في دبي، إضافة إلى استحواذ شركة (ACA) الأميركية للاستشارات المالية على «إفيكتا كومبلاينس غروب» (Effecta Compliance Group)، التي تمتلك مكاتب في دبي وأبوظبي ولندن.
وعلق جارفيس قائلاً: «استحواذ ستاجويل هو دليل على أن الشركات الأميركية أصبحت أكثر ارتياحاً للاستثمار في المنطقة، ما يشير إلى اتجاه متزايد نتوقع استمراره في عام 2025».