بعد رقابة أميركية تقترب من عامين شملت اتهام 18 مصرفاً عراقياً بغسيل الأموال لصالح دول معاقبة كإيران، تقترب منصة التحويلات المالية الرسمية بالعراق من إنهاء أعمالها مع نهاية العام، عقب ضبط أسس المسار المصرفي، لتحل محلها التعاملات البنكية المعتادة في نطاق البنوك العراقية.
مسؤول حكومي عراقي، في حديث لـ«إرم بزنس» استبعد «حدوث أزمة مصرفية حال إنهاء عمل منصة التحويلات المالية بالعراق»، معتبراً إياها «حالة استثنائية استمرت لعامين واعتمدت تطبيقات الامتثال العالية الدقة والتشدد في مواجهة التحويلات المشتبه بها خارج السياقات القانونية».
وبرأي خبراء تحدثوا لـ«إرم بزنس»، فإن المنصة جاءت لعلاج ملاحظات أمنية أميركية بشأن تبييض الأموال لصالح دول معاقبة من واشنطن كإيران وسوريا، أدت لفرض عقوبات على 18 مصرفاً عراقياً متهمة بذلك، مما ساهم في أزمة للدينار المحلي، وتفشي السوق الموازي، وتوقعوا عدم حدوث أزمة مصرفية جراء الإلغاء، غير أنهم دعوا للانتظار لمعرفة آثاره على العملة المحلية وقدرة دورة التشدد المالي في تعزيزها، وسط استبعاد أن تعود المنصة مجددا للواجهة بعد اعتماد مصارف مباشرة وإيجاد شراكات مع شركات تدقيق ذات تصنيف دولي للمراجعة والتدقيق.
بعد الغزو الأميركي عام 2003، بدأ العراق يشهد ظهور عدد من المصارف التي شهدت توسعا في عمليات التحويلات المصرفية التجارية من البنوك الخاصة العراقية، وسط ثغرات تحدثت عنها واشنطن بشأن عدم وجود إفصاح عن المستفيدين الفعليين أو اتهامات للشركات والأفراد الإيرانيين باستخدام البنوك في العراق المجاور، للوصول إلى الدولار، والالتفاف على العقوبات الغربية.
وكان العام 2022، فاصلاً في مشهد تلك الثغرات مع تدخل وزارة الخزانة الأميركية لتشديد الرقابة على البنوك العراقية، وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في ذلك الوقت بمراقبة دقيقة للتحويلات المالية الخارجة من حسابات العراق، ورفض أي تحويلات لا تمتثل للإجراءات المثلى للتحويلات المالية الدولية، بعدما قال مسؤولون أميركيون إن حوالي 80% من التحويلات بالدولار التي تتجاوز قيمتها 250 مليون دولار في بعض الأيام، والتي تمر عبر البنوك العراقية، «كانت غير قابلة للتتبع، وتم تحويل بعضها سراً لـ(الحرس الثوري) الإيراني والفصائل المسلحة المناهضة للولايات المتحدة»، وفق ما أفادت به صحيفة «وول ستريت جورنال» وقتها.
ومنعت وزارة الخزانة الأميركية 4 بنوك عراقية من الوصول إلى الدولار في نوفمبر 2022، تلاها تعاون مع البنك المركزي العراقي في فرض ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام، تلزم البنوك بالكشف عن المستفيدين النهائيين من التحويلات المالية، وظهور المنصة في عام 2023.
وفي يوليو 2023، نقلت الصحيفة الأميركية ذاتها، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن واشنطن عاقبت 14 مصرفاً عراقياً أخرى بمنعها من إجراء معاملات بالدولار، في إطار حملة شاملة لمكافحة تسريب العملة الأميركية إلى إيران وسوريا، وفقاً لمسؤولين أميركيين وعراقيين حاليين وسابقين بحسب الصحيفة.
وقفز سعر الدولار وقتها بالعراق من 1470 ديناراً للدولار الواحد إلى 1570 ديناراً بالسوق الموازي مع نقص في توافر الدولار رسمياً، وفي 20 يوليو 2023، أكد البنك المركزي العراقي في بيان أن المصارف المحلية المحرومة من التعامل بالدولار لا تشكّل طلباتها سوى 8% من مجموع التحويلات الخارجية.
وفي مارس 2024، أعلن محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، عن التفاهم مع الخزانة الأميركية لإعادة النظر بالعقوبات المفروضة على المصارف العراقية، وفي يوليو 2024، انخرط العراق في محادثات في واشنطن مع ممثلين عن وزارة الخزانة الأميركية، لمعالجة قضايا من بينها القيود المفروضة على الدولار، وفق تصريحات صحفية لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.
وفي أغسطس الماضي، اتفق رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عقب لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن على «تعزيز تعاونهما؛ لتحقيق قدر أكبر من الشفافية والتعاون ضد عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، مؤكدين «الالتزام بدعم البنك المركزي العراقي في إنهاء منصّة المزادات الإلكترونية للتحويلات المالية الدولية بحلول نهاية عام 2024، من خلال التعامل المباشر بين البنوك المرخصة في العراق والبنوك العالمية المراسلة المعتمدة».
وأواخر أغسطس الماضي، أجرى البنك المركزي العراقي، وفق بيان، مباحثات مع وزارة الخزانة الأميركية والبنك الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى لقاءات مع مجموعة من الشركات من بينها فيزا وماستر كارد وموني غرام وجيه بي مورغان.
وكشف البنك المركزي العراقي، في بيان، أوائل سبتمبر الماضي، أن «المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية التي يديرها البنك المركزي العراقي بدأت عام 2023م، وجرى التخطيط للتحول التدريجي نحو بناء علاقات مباشرة بين المصارف في العراق والبنوك الخارجية المراسلة والمعتمدة، يتوسط ذلك شركة تدقيق دولية للقيام بالتدقيق المسبق على الحوالات قبل تنفيذها من قبل البنوك المراسلة»، وفق بيان البنك المركزي العراقي.
وبالفعل «تم خلال سنة 2024 ولغاية سبتمبر الماضي تحقيق ما نسبته 95% من عملية التحويل من المنصة الإلكترونية إلى آلية البنوك المراسلة مباشرة بينها وبين المصارف العراقية، وذلك يعني أن المتبقي حوالي 5% فقط منها داخل المنصة، والذي سينجز تحويله بذات الآلية قبل نهاية هذا العام وحسب الخطة»، وفق البنك المركزي العراقي.
ووفق مستشار رئيس الوزراء العراقي للسياسة المالية، والنائب السابق لمحافظ البنك المركزي، الدكتور مظهر محمد صالح، لـ«إرم بزنس»، فإنه لا أزمة مصرفية ستحدث حال إنهاء عمل منصة التحويلات المالية بالعراق».
وأضاف المسؤول العراقي: «تمثل مرحلة انتهاء منصة التحويلات المالية في العراق على عمليات تمويل التجارة الخارجية والتسويات، حالة استثنائية استمرت لعامين واعتمدت تطبيقات الامتثال عالية الدقة».
وبحسب صالح «كانت تنسجم تلك المرحلة مع سياسة العراق الرامية إلى التشدد بمواجهة التحويلات المشتبه بها خارج السياقات القانونية وهي تصب في حرص العراق على المضي في تنفيذ معاملاته المالية للقطاع الخاص دون مشكلات».
وبناء على ذلك، فإن العودة إلى أصول تمويل التجارة الخارجية عن طريق شبكة المراسلين من المصارف ذات التصنيف العالي، يعد كافياً في تنفيذ الالتزامات المالية الدولية وفق الأدلة القانونية والإرشادات العالمية التي تعتمدها المصارف الدولية بشكل طبيعي واعتيادي مع زبائنها، وفق المسؤول العراقي.
ويرى صالح أنه «مع تلك العودة فإن تعزيز حسابات المصارف العراقية بالعملة الأجنبية لدى المصارف المراسلة الأجنبية هو أمر روتيني وطبيعي وشديد الانتظام ويتفق مع المعايير الدولية في الامتثال المصرفي وتطبيقاته السليمة والدقيقة، وبما ينسجم ومصالح جمهورية العراق المالية والمصرفية ومصالح المجتمع المالي الدولي في آن واحد».
وبشيء من التفصيل عن المنصة ومسارها، يوضح الخبير الاقتصادي والأكاديمي بجامعة البصرة، نبيل المرسومي، في تصريحات لـ«إرم بزنس»، أن المنصة الإلكترونية استحدثها البنك الفيدرالي الأميركي منذ 2023، بغرض تدقيق الحوالات المصرفية والاعتمادات المستندية، لمنع ذهاب الدولار للدول المعاقبة أميركياً وبالتحديد سوريا وإيران.
وعملت هذه المنصة على «فلترة الحوالات» ومع مرور الوقت وبسبب الإصلاحات المصرفية ارتفعت درجة امتثال المصارف العراقية لإجراءات المنصة الإلكترونية، وبات نحو 95% منها الآن يتم بالطريق المباشر دون لجوء للمنصة» وفق المرسومي.
وبرأي المرسومي فإنه «رغم ما قامت به المنصة الإلكترونية من إجراءات بمواجهة غسيل الأموال وتدفق الدولار للدول المعاقبة أميركيا فإنه بالمقابل ظهرت سلبيات أدت لوجود نظام السعرين بالعراق ووجود سوق موازٍ للدولار، بالإضافة للسعر الرسمي، مما أثر على الأسعار وزاد من وتيرة التحول نحو السوق الموازي مع قيود المنصة».
وبشأن مستقبل التحويلات بعد إلغاء المنصة، يوضح الخبير الاقتصادي العراقي، أن هناك 5 أو 6 مصارف عراقية، تستحوذ حاليا على حصة الأسد من التحولات بعد اعتمادها، وستستمر تلك المصارف التي اجتازت الشروط الأميركية في قيادة عمليات التحولات بعد إنهاء عمل المنصة.
ولا يتوقع أن يسهم الانتقال من نظام المنصة للمصارف المراسلة، في أزمة مصرفية، معربا عن مخاوفه من عدم إسهامه في تقليص فجوة الأسعار وإنهاء توسع السوق الموازي، داعيا للانتظار لمتابعة نتائج إنهاء أعمال المنصة وتأثيراتها على العراق.
ويرى الخبير المالي والمصرفي العراقي، صفوان قصي في حديث لـ«إرم بزنس»، أن البنك المركزي يبيع 270 مليون دولار يوميا تحويلات واعتمادات مستندية، والنسبة الأقل فيها للاعتمادات، لافتا إلى أن الانسحاب من إدارة التحولات الدولية بشكل مباشر عن طريق الرقابة على المنصة إلى مسار المصارف العراقية والدولية، سيسهم في دعم التجار الحقيقيين ووصول السلع في توقيتاتها.
ويوضح قصي أن المصارف العراقية نجحت في إيجاد شراكات مع شركات تدقيق مالي ذات تصنيف دولي، وهذا سيسمح بمزيد من تسهيل التحويل المباشر، لافتا إلى أن هناك مصارف أخرى ستحتاج وقتا للمراجعة والتحقق من الامتثال لإجراءات التحويل المالي الدولي، والدخول بالمنظمة الجديدة.
ولفت إلى أنه حاليا هناك 13 مصرفاً عراقياً تقوم بالتحويل المباشر بعيداً عن المنصة وما يتبقى لا يقل عن 5%، مؤكداً أنه تدريجياً لا عودة لنظام المنصة في ظل الإجراءات التي اتخذت على مدار عامين.