يعتبر سيتي غروب بنكاً عالمياً، تلجأ إليه أكبر الشركات في العالم لتخزين الأموال، ودفع رواتب الموظفين، فعدد قليل من المنافسين يمكنهم مضاهاة عدد البلدان، التي يمكن أن يعمل فيها البنك (نحو 160 بلداً)، حيث يعتبر التوسع من ضمن خطط الرئيسة التنفيذية الحالية جين فريزر، لتعزيز قدرات البنك.
هذا الحضور القوي على الساحة العالمية، يضع البنك في بعض الأحيان، على طريق الحرب والاضطرابات، والكوارث، والازدهار الاقتصادي والكساد في شتى البلدان.
اليوم أصبحت أوكرانيا في موقف محفوف بالمخاطر، وكذلك سيتي غروب، حيث يواجه موظفوه خطراً مستمراً من الهجمات الروسية، ويختبئون بانتظام في قبو أحد الفروع في كييف. والقروض مخصصة للشركات التي تواجه خطر التفجير أو الفرار، والأرباح محاصرة داخل البلاد بموجب الأحكام العرفية. وتحول الدعم الأميركي إلى جدل سياسي، لكن مجلس النواب أقر مشروع قانون، لإرسال 60 مليار دولار كمساعدات جديدة.
تضاءلت فرص أوكرانيا في طرد روسيا من أراضيها، والمساعدات تشكل أهمية بالغة للدفاع عنها، وتحرز روسيا تقدماً، والنصر قد يؤدي إلى خسارة "سيتي غروب" عملياته بأكملها، وبالتالي إجباره على مغادرة البلاد كما فعل في روسيا.
من ناحية أخرى فإن أوكرانيا في مرحلة ما بعد الحرب، سوف تحتاج إلى ما يقدر بنحو تريليون دولار لإعادة إعمارها، وسوف يكون "سيتي غروب" بمثابة خط الإمداد الدولي. وإذا نجحت أوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، فإن الاستثمار العالمي قد يتراكم على أرض الفرص الجديدة المحمية حديثاً. وهناك نشاط أوكراني متجدد لتنظيف سمعتها من الفساد، الذي أدى إلى تباطؤ الاستثمار العالمي قبل الحرب.
أما بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين في "سيتي غروب"، لم يعد هناك خيار سوى البقاء ومساعدة عملائهم.
لدى بنوك أجنبية أخرى، بما في ذلك "دويتشه بنك"، و"كريدي أجريكول"، و"بي إن بي باريبا"، عمليات في أوكرانيا، ويتضمن الأخيران بنوكاً استهلاكية.
ويتردد المسؤولون التنفيذيون في "سيتي غروب" في تقديم توقعاتهم، ومثلهم كمثل العديد من الأوكرانيين، يستعدون لاستمرار الحرب إلى أجل غير مسمى. لكنهم يقولون إن العملاء يضعون الأساس للاستثمار في أوكرانيا. ويقول المصرفيون إن سيلاً من المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية، فتح حسابات جديدة لدخول أوكرانيا، ومساعدتها على إعادة البناء، بما في ذلك منظمة "وورلد فيجن إنترناشونال" (World Vision International)، وهي منظمة إغاثة تركز على الأطفال.
يقول ألكسندر مكورتر أكبر مسؤول تنفيذي للبنك في أوكرانيا: "هناك اهتمام كبير بأوكرانيا ما بعد الحرب". "نحن نعتقد أننا يجب أن نكون أكبر لاعب من القطاع الخاص في إعادة الإعمار."
أوكرانيا بلد صغير نسبياً بالنسبة لحجم أعمال "سيتي غروب"، ولا يوجد لدى البنك أي عمليات استهلاكية هناك، ولا يخدم سوى العملاء من الشركات الكبرى والهيئات العامة، والعديد منها مقره في الخارج. قبل الحرب كان لديه انكشاف بقيمة نحو مليار دولار محلياً، وهو ليس بمبلغ كبير بالنسبة لبنك تبلغ قيمته 2.4 تريليون دولار. (كان لدى سيتي ما يقرب من 8 مليارات دولار، من التعرض لدى روسيا والتي يجري الآن التخلص منها).
في أواخر عام 2021، شعر المسؤولون التنفيذيون في سيتي، بالقلق وهم يشاهدون تحركات القوات الروسية، خاصة عندما لاحظوا تخزين الإمدادات الطبية على الحدود. افتتحت إيمي آن فيرهيرست، التي تدير برنامج إدارة الأزمات العالمية، التابع لمجموعة سيتي، وديفيد ليفينغستون، الرئيس التنفيذي للمجموعة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، إرشاداتهما الخاصة بالأزمات.
كانت الخطوة المبكرة هي ببساطة دراسة الخرائط. فقد لاحظ المسؤولون التنفيذيون أن خطط الطوارئ الخاصة بهم لم تكن جيدة بما فيه الكفاية. كان لدى "سيتي غروب" مكاتب احتياطية مخصصة لأوقات الكوارث الطبيعية، لكنها كانت قريبة جداً من كييف إذا قامت روسيا بغزوها.
وقد أرشدتهم الخرائط غرباً إلى منطقة لفيف، بالقرب من الحدود البولندية حيث يمتلك سيتي وجوداً كبيراً في بولندا، وبالتالي ستتوفر له بنية تحتية ومساعدة قريبة. بالإضافة إلى ذلك، كانوا يأملون أن يؤدي التواجد بالقرب من إحدى دول الناتو إلى أن روسيا لن تطلق الصواريخ على لفيف.
دفع البنك لأحد فنادق لفيف رسماً مقابل حجز نصف الغرف وقاعات المؤتمرات لمدة شهر كامل.
وفي ديسمبر 2021، منحت مجموعة سيتي كل موظف في أوكرانيا مكافأة قدرها 5000 دولار نقداً، وأخبرهم ماكوورتر أن يحافظوا عليه، لكنه قال إن بإمكانهم إنفاقه في إجازة عائلية في حال لم يحدث شيء.
وبدأ البنك في تخزين الإمدادات، مثل البطانيات والهواتف الفضائية ومصادر الطاقة. غادر الأجانب وعائلاتهم. أعاد مكوورتر، وهو أميركي، عائلته إلى الولايات المتحدة لكنه بقي.
وقال ليفينغستون: "أجريت محادثة مع أليكس وقلت له: أليكس، سأتصل بك يوماً ما وسأطلب منك الرحيل". "وهذا ليس نقاشاً، بل سيكون قراراً وستقول نعم فقط".
عندما أجرى ليفينغستون هذا الاتصال في شهر فبراير، لم يكن مكوورتر سعيداً.
وقال مكورتر: "أردت أن أذهب على الأقل إلى لفيف، لأكون مع الفريق هناك". "بعد فوات الأوان، وبالنظر إلى الوضع، كان القرار الصحيح."
يقسم مكوورتر وقته حالياً بين كييف، قاعدته في وارسو، وعائلته الموجودة الآن في لندن.
عندما غزت روسيا أوكرانيا في فبراير 2022، استيقظ كل من ماكوورتر وفيرهيرست في منتصف الليل.
كانت أولويتهما الأولى هي سلامة أكبر عدد من الموظفين، الذين يصل عددهم كمباشرين وغيرهم مع عائلاتهم، إلى 850 شخصاً.
ولم يكونا متأكدين من مكانهم جميعاً.
كان المديرون في جميع أنحاء العالم يتناوبون على مراقبة الموظفين ومراسلتهم على الأرض، على مدار 24 ساعة يومياً. وقاموا بتتبع الفريق الأوكراني وعائلاتهم، وتوجيههم عبر الطريق إلى لفيف والمعابر الحدودية، مع تقديم تحذيرات حول تحركات القوات والقصف، وتقديم معلومات حول مكان العثور على الطعام والوقود وحفاضات الأطفال.
إحدى المفاجآت المفيدة هي أن سيتي، كان يتوقع أن يفقد الاتصال مع الموظفين، لكن أوكرانيا تمكنت من إبقاء الهواتف المحمولة والإنترنت تعمل.
قام سيتي بإدارة قوافل الموظفين إلى لفيف وإلى الحدود البولندية. وكانت الرحلات شاقة واضطر بعض القوافل إلى العودة، بسبب نقص الوقود وحركة المرور والأعطال.
توجه موظفون من وارسو إلى الحدود، وناموا في سياراتهم لنقل زملائهم الأوكرانيين إلى بر الأمان في العاصمة البولندية.
في وارسو، حصل مكوورتر على موافقة من كبار المسؤولين التنفيذيين بالتوقف مؤقتاً عن تحصيل أقساط القروض من العملاء، والتخلي عن الفوائد المتراكمة.
وقال للعملاء: "انظروا، لا تقلقوا بشأن الدفع لنا".
يشعر بعض العملاء بالقلق بشأن الحسابات الموجودة في المناطق، التي تسيطر عليها روسيا، حيث لا يمكن الوصول إليهم.
قال مكوورتر إنه طلب من الموظفين التركيز على أسرهم وسلامتهم، لكنهم استمروا في العمل على أي حال.
اقتحمت القوات الروسية بضعة كيلومترات بالقرب من موقع احتياطي، ما أجبر سيتي على إغلاقه وترك البنك مكشوفاً.
أوكرانيا، مثل الدول الأخرى، تمنع البنوك من نقل الخوادم والمعلومات عبر الحدود. كان البنك الوطني الأوكراني بحاجة إلى تمرير إجراءات الطوارئ، وحصل سيتي على الموافقة.
وقال مكوورتر: "بمجرد أن أنظمتنا لم تعد تعتمد بشكل كامل على كييف، عرفنا أننا سنستمر في البقاء كبنك".
يعيش موظفو سيتي غروب حياة صعبة.
لم يخسر أي موظف من سيتي غروب حياته في الحرب، لكن يعيش بعضهم كلاجئين في بولندا، أفراد أسرتهم على خط المواجهة، وتعرضت منازلهم للقصف بالصواريخ.
اعتبرت الحكومة المصرفيين عاملين أساسيين، وعليه تم إعفاؤهم من التعبئة العسكرية، ورغم تغيير هذه الاستثناءات، ولكن حتى الآن لم يتم استدعاء أي من الموظفين، وتم إلغاء جميع العطلات منذ الغزو.
يتناوب الموظفون داخل وخارج كييف، وعندما تدق صفارات الإنذار محذرة من الغارات الجوية، يختبئون في قبو البنك في الطابق السفلي من المقر الرئيسي. أزال البنك محتويات القبو ونقل المكاتب والطاولات. يحدد البنك عدد الأشخاص في المكتب، بعدد الذين يمكنهم الاختباء بأمان في القبو.
يقول مكوورتر: "الأمر صعب، لكننا نحاول أن نجعله مريحاً قدر الإمكان".
وقال إن الحياة مستمرة داخل كييف، حتى أنه رأى مطعماً إيطالياً جديداً تم افتتاحه مؤخراً. لكن الناس ما زالوا على حافة الهاوية.
يقوم البنك ببناء موقع أكثر ديمومة في لفيف، لكن ضربة صاروخية قريبة جعلته متأخراً.
نتائج الأعمال مختلطة، انخفض الاقتصاد الأوكراني بنسبة 30% في العام الأول من الحرب، رغم أنه ارتفع من المستويات المنخفضة، فالاستثمارات تبقى نادرة ما دامت القنابل تتطاير.
انخفض الإقراض وقال "سيتي غروب" في عام 2022، إنه لم يعد يتوقع تحصيل 16% من القروض، أي حوالي 28 مليون دولار، وتحذر إيداعات البنك من احتمال حدوث المزيد من الخسائر، إذا تفاقمت الحرب.
يؤدي إبقاء البنك مفتوحاً إلى زيادة التكاليف، بما في ذلك ملايين الدولارات، التي يدفعها البنك سنوياً مقابل مأوى الموظفين.
فرض البنك المركزي الأوكراني قيوداً صارمة على نقل الأموال إلى خارج البلاد، وهذا يعني أن العملاء يحتفظون بالأموال النقدية، التي كانوا يرسلونها عادةً إلى الخارج، وبالتالي لا يحتاجون إلى اقتراض أموال من البنك.
لكن كل هذه الأموال المحاصرة، غمرت خزائن سيتي، وارتفعت الودائع بنسبة 90% منذ بداية الحرب. وقام البنك ببناء فرق جديدة لتقديم المشورة للعملاء، بشأن الالتزام بقواعد رأس المال.
وارتفعت الأرباح بأكثر من 50% في عام 2022. لكن الحكومة الأوكرانية أقرت مشروع قانون للحصول على 50% من أرباح البنوك.
وقال مكوورتر إن معظم العملاء الدوليين الكبار، الذين لديهم عمليات في أوكرانيا يحاولون البقاء في البلاد. من بين عملاء سيتي البالغ عددهم 500 شركة، قال مكوورتر إن اثنتين فقط أغلقتا أبوابهما، وذلك لأن عملياتهما بأكملها تقع في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.
تدير شركة "كوكاكولا هيلينيك"، وهي شركة تعبئة عالمية لشركة الصودا العملاقة، مصنعاً على مشارف كييف تعرض للقصف في وقت مبكر من الحرب بصواريخ روسية. اضطرت الشركة إلى إيقاف الإنتاج مؤقتاً، عندما احتلت روسيا المدينة لفترة وجيزة.
قال مكوورتر: "ليس الجميع في حالة جيدة، لكنهم جميعاً أصحاب عزيمة". "لا يستسلمون، ولا يحاولون ترك أعمالهم، بل يحاولون إنجاحها."