في خضم سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية الذي تتجاذبه تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، تستعد الشركات في الولايات المتحدة، بدءًا من قطاعات الطاقة والسيارات إلى التكنولوجيا والرعاية الصحية، لمواجهة تداعيات مختلفة وفقًا لهوية الفائز بانتخابات الخامس من نوفمبر.
وبينما تمثل سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب ونائب الرئيس الحالي كامالا هاريس رؤى متباينة، تترقب الأسواق والقطاعات الاقتصادية بقلق أو تفاؤل لما قد يحدث من تغييرات تؤثر على نماذج الأعمال والاستثمارات في أكبر اقتصاد عالمي.
مستقبل الطاقة محفوف بالمخاطر
وبحسب صحيفة فايننشال تايمز، فإن فوز ترامب يمكن أن يمثل دفعة قوية لقطاع النفط والغاز، إذ تعهد برفع القيود البيئية التي فرضها الرئيس الحالي جو بايدن، بما في ذلك إلغاء اللوائح المتعلقة بالانبعاثات الضارة وتقليل الحوافز للطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن هذا التوجه قد يعزز الاستثمار في مشروعات الطاقة التقليدية، لكنه قد يؤدي إلى تراجع المشروعات الخضراء مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي تعتمد بشكل كبير على الموافقات الفيدرالية والحوافز الحكومية. وعلى الرغم من أن إنتاج النفط والغاز قد يظل ثابتًا في المدى القريب، فإن هذا التحول قد يزيد من التقلبات في أسعار النفط عالميًا، مع تصاعد المخاوف البيئية والانتقادات من منظمات حماية البيئة.
بالمقابل، فوز هاريس سيضمن استمرار سياسات بايدن التي تدعم الطاقة المتجددة، حيث سيظل قانون الحد من التضخم، الذي ضخ استثمارات ضخمة في التحول للطاقة النظيفة، محميًا ويُعتبر محوريًا لجهود الولايات المتحدة في خفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاستدامة البيئية.
قطاع التكنولوجيا
وتشير فايننشال تايمز إلى أن وادي السيليكون قد يجد نفسه في موقف حرج مع رئاسة ترامب، الذي يعتزم إلغاء بعض السياسات التنظيمية على الذكاء الاصطناعي التي أطلقتها إدارة بايدن، ما قد يؤثر على استراتيجيات التطوير المستقبلي للتكنولوجيا.
ويخشى المستثمرون في شركات التكنولوجيا أن تؤدي هذه الخطوات إلى زيادة المنافسة العالمية، خاصة مع تصاعد التنافس مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي والابتكار التكنولوجي.
ووفق التقرير فإن موقف ترامب المتشدد تجاه تايوان قد يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة لشركات مثل "إنفيديا"، التي تعتمد على الرقائق المنتجة في تايوان، فأي رسوم جمركية إضافية قد تؤدي إلى ارتفاع التكاليف أو تعطيل سلاسل التوريد بشكل يؤثر سلبًا على الصناعة.
في المقابل، تحظى هاريس بدعم من قاعدة تكنولوجية قوية، بحكم علاقاتها الوثيقة مع كاليفورنيا ووادي السيليكون وكذلك سياسات بايدن التي دعمت تصنيع أشباه الموصلات في الداخل الأميركي قد تستمر مع نائبته السابقة، مما يسهم في تقوية البنية التحتية الرقمية للبلاد. ومع ذلك، فإن تنظيم هاريس المتشدد لبعض الجوانب المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي قد يفرض تحديات جديدة للشركات، خاصة تلك المعتمدة على تقنيات التعلم الآلي.
البنوك والأسواق
وبالنسبة للقطاع المصرفي، ترى الصحيفة البريطانية أن البنوك تمكنت من مقاومة زيادة المتطلبات الرأسمالية خلال إدارة بايدن، ولكن مع عودة ترامب، قد تتطلع إلى تخفيف هذه المتطلبات، ما يعزز الأرباح ويزيد من نشاط الاستثمارات المصرفية.
وقد تعود إدارة ترامب أيضًا إلى تقليل التدقيق على الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة، مما قد يعيد تركيز وول ستريت على الأرباح السريعة والفرص قصيرة الأجل، متجاهلة التوجهات العالمية نحو الاستدامة والاستثمار المسؤول.
أما في حالة فوز هاريس، فقد تشهد الأسواق تعيين شخصيات أكثر اعتدالًا في المؤسسات الرقابية مثل لجنة الأوراق المالية والبورصات، ما قد يوفر بعض الاستقرار للبنوك والشركات الكبرى، مع الحفاظ على مبدأ حماية المستهلك والمستثمر، بحسب الصحيفة.
مستقبل متذبذب للمركبات الكهربائية
وتوضح الصحيفة البريطانية أن التحول نحو السيارات الكهربائية قد يتعرض لمزيد من التحديات إذا فاز ترامب، الذي يعارض التوجهات البيئية الحالية ويخطط لإلغاء بعض الحوافز على السيارات الكهربائية.
هذا الإلغاء قد يؤثر على قدرة الشركات المصنعة على جذب المستهلكين نحو السيارات الخضراء ويعيد التركيز إلى المركبات التقليدية التي تعمل بالوقود.
وفي الوقت ذاته، تظل هاريس ملتزمة باستمرار تقديم الإعفاءات الضريبية والتحفيزات التي تعزز من مبيعات السيارات الكهربائية، مما يدفع الشركات المصنعة للاستثمار في البحث والتطوير لتحقيق قفزات نوعية في هذا المجال.
الأسعار والتعريفات الجمركية
وترى فايننشال تايمز أن سياسات ترامب قد تعني فرض تعريفات جمركية جديدة على واردات السلع الأساسية، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الأسعار بالنسبة للمستهلكين. هذا الارتفاع قد يخلق حالة من التضخم يصعب السيطرة عليها، ما يؤثر على القدرة الشرائية للأسر الأميركية.
على العكس من ذلك، قد تسعى هاريس إلى ضبط استراتيجيات التسعير وتعزيز الحماية للمستهلكين عبر آليات مراقبة السوق، مما يدعم استقرار الأسعار ويساعد في تجنب حدوث تضخم مفرط.
تحديات صناعة الطيران
وفيما يخص صناعة الطيران الأميركية، يمكن أن يكون فوز ترامب بمثابة أخبار سيئة لهذا القطاع بعدما هدد المرشح الجمهوري بفرض تعريفة جمركية بنسبة 60% على السلع القادمة من الصين، وضريبة بنسبة 10% على الأقل على جميع الواردات الأخرى، مما سيلحق الضرر بفرص بوينغ في تأمين المزيد من مبيعات الطائرات في الصين، بينما ستزداد تكاليف الطائرات بالنسبة لشركات الطيران الأميركية.
وإذا قام ترامب بإعادة فرض تعريفات على واردات الصلب والألومنيوم من الصين، قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج ويعوق تنافسية الشركات الأميركية عالميًا.
بينما في حال فوز هاريس، قد تستمر في اتباع سياسات تدعم التعاون مع الشركاء الدوليين، مما يسهم في تخفيف الضغوط الجمركية وتسهيل العمليات اللوجستية.
رهانات التأمين الصحي
وبالنسبة للقطاع الصحي، فقد تظل سياسات الرعاية الصحية نقطة خلافية بين المرشحين، فترامب قد يعيد محاولاته لإلغاء قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير)، مما يؤثر على ملايين المستفيدين من هذا النظام. في المقابل، ستعمل هاريس على تطوير هذا القانون وزيادة فعاليته، مما يعزز من استقرار المنظومة الصحية في البلاد ويضمن تغطية صحية أوسع للمواطنين.
كما يمكن أن تؤدي سياسات كلا المرشحين إلى تأثيرات ملحوظة على شركات الأدوية. بينما تعهد ترامب بتقليل أسعار الأدوية من خلال منافسة أكبر، ما قد يؤدي ذلك إلى تخفيض أرباح شركات الأدوية الكبرى، إلا أن هاريس تعهدت بتطبيق قوانين أكثر صرامة لحماية المستهلكين، مما قد يؤثر أيضًا على هوامش ربح شركات الأدوية.