وأظهرت البيانات الواردة من الولايات المتحدة والصين وأوروبا حيوية مفاجئة في اقتصادات هذه المناطق منذ بداية عام 2023، مما أدى إلى إرباك توقعات البنك الدولي والاقتصاديين الآخرين بأن الاقتصاد العالمي كان مهيأ لواحد من أضعف سنواته في العقود الأخيرة.
هذه المرونة قد تقنع محافظي البنوك المركزية بأنهم بحاجة إلى رفع أسعار الفائدة الرئيسية أكثر مما كان متوقعاً لتهدئة الأسعار مما يؤدي إلى إبطاء اقتصاد لا يزال يسير في حالة سخونة شديدة. وقد يُترجم هذا إلى تباطؤ في النمو في وقت لاحق من العام وحتى عام 2024، والذي كان يُنظر إليه على أنه سيكون عام انتعاش.
ويبقى المؤشر الرئيسي للبنوك المركزية هو سوق العمل، الذي لا يزال ضيقًا في أجزاء كثيرة من العالم، وكان صانعو السياسات يدققون في بيانات سوق العمل بحثًا عن تلميحات عن ارتفاع معدلات البطالة، أو انخفاض ساعات العمل، أو تباطؤ زيادات الأجور، كل ذلك يمكن أن يساعد في تهدئة الطلب وتخفيف ضغط الأسعار المتصاعد، لكنه يظل بعيد المنال.
وجاءت أحدث الدلائل على أن النمو كان أقوى مما كان متوقعًا في مطلع العام في استطلاعات الرأي الأخيرة للمصانع حول العالم من بيانات ستاندارد آند بورز غلوبال.
في فبراير، أظهرت البيانات أول زيادة في إنتاج التصنيع العالمي في سبعة أشهر، مدعومًا بقفزة في الصين بعد أن أوقفت السلطات قيودها الصارمة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، وتشير استطلاعات الرأي المماثلة لمقدمي الخدمات في جميع أنحاء العالم إلى تسارع النمو، بما في ذلك في الصين وأوروبا.
كما أثبتت معدلات التضخم أيضًا أنها أكثر ثباتًا مما كان متوقعًا.
في الولايات المتحدة، استقر التضخم وزاد إنفاق ودخل الأميركيين في يناير، وفقًا لوزارة التجارة. وارتفع مقياس التضخم المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي - مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي - 5.4% في يناير عن العام السابق، في حين قفز إنفاق المستهلكين الأميركيين بنسبة 1.8% معدلة موسمياً في يناير من ديسمبر، وهي أكبر زيادة في ما يقرب من عامين، ونمت الأجور والرواتب بنسبة 0.9% في يناير.
كما بدأت أوروبا هذا العام بزخم في الطاقة، ويبدو من غير المرجح أن تنزلق إلى الركود المتوقع من قبل الكثيرين عندما ارتفعت أسعار الطاقة في الأشهر التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية. وأظهرت البيانات الصادرة يوم الخميس أن المعدل الأساسي للتضخم - الذي يستثني النفط والغذاء - وصل إلى مستوى قياسي في فبراير.
وساعد انتعاش الصين في تعزيز إنتاج المصانع في أجزاء أخرى من آسيا، لكن الاقتصاديين يتوخون الحذر، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم اليقين بشأن فعالية إعادة فتح الصين.
وفقًا لـ"ترينه نغوين"، الاقتصادية في شركة "ناتيكسيس" (Natixis) في هونغ كونغ، فإن التخلص من القيود الصارمة على انتشار الوباء في الصين سيفيد الاستهلاك في الغالب، ومن المحتمل أن يكون ذلك بمثابة نعمة لدول مثل تايلاند التي تحظى بشعبية بين السياح الصينيين.
ومع ذلك، لا تزال الرحلات الجوية الصادرة من الصين محدودة ومن المحتمل ألا يكون التأثير الإيجابي للإنفاق بين السياح الصينيين واضحًا حتى النصف الثاني من هذا العام.
هناك أيضًا شكوك حول مدى مرونة النمو في الولايات المتحدة وأوروبا، إذ ارتفعت أسعار الفائدة بشكل حاد للغاية، وقد يستغرق الأمر وقتًا حتى يظهر التأثير الكامل.
وقال كارستن برزيسكي كبير الاقتصاديين في بنك ING Bank: "يستغرق الأمر شهورًا قبل أن تؤثر السياسة النقدية المتشددة في الاقتصاد الحقيقي، وإذا لم يترك أكبر تحول في السياسة النقدية منذ سنوات أي علامات، فيمكننا أيضًا إغلاق جميع البنوك المركزية".
ومع ذلك، فإن قوة الاقتصاد الأميركي قد تدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة أعلى مما كان متوقعًا هذا العام لتهدئة ضغوط الأسعار. وينطبق الشيء نفسه على البنك المركزي الأوروبي، فبعد قفزة التضخم الأساسي في منطقة اليورو، رفع الاقتصاديون في باركليز توقعاتهم لسعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي، ويتوقعون الآن أن يصل إلى مستوى قياسي مرتفع خلال الأشهر المقبلة.
ورفعت وكالة موديز توقعاتها لنمو الاقتصاد يوم الثلاثاء في الولايات المتحدة وأوروبا، ولا تزال تتوقع تباطؤًا هذا العام إلى 0.9% و 0.5% على التوالي.
ولن تقتصر تداعيات المزيد من تشديد السياسة النقدية على تلك المناطق، فمن المرجح أن يلحق الضرر بالاقتصادات النامية، التي رفع بعضها - ولا سيما البرازيل - أسعار الفائدة الرئيسية في وقت سابق وشهد التضخم تراجعا منذ ذلك الحين. وعندما يرفع البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة، غالبًا ما ترتفع تكاليف الاقتراض في الأسواق الناشئة، وتنخفض عملاتها وتضعف صادراتها.