ويعتبر شهر سبتبمر من العام 2021 ذروة الأسعار بالنسبة للشحن البحري حيث تجاوز سعر شحن الحاوية 40 قدماً 11100 دولار، وقبل تفشي جائحة كورونا في مارس من العام 2020 كانت أسعار الشحن البحري في المتوسط بين 1100 و1400 دولارا، ولكن مع بداية أزمة كوفيد-19 شهدت الأسعار ارتفاعاً مطرداً تصاعدياً، ولكن يبدو أن الأسعار بدأت منذ مطلع العام الجاري تشهد تصحيحاً باتجاه أسعار ما قبل الجائحة.
وبادرت الصين في 8 يناير الماضي بعد قيود استمرت مدة ثلاث سنوات تعتبر من الأكثر صرامة في العالم، إلى رفع الحجر الصحي الإلزامي للمسافرين الوافدين من الخارج، لتضع بذلك حداً لعزلة فرضتها على نفسها، في وقت تواجه فيه موجة وبائية جديدة من كوفيد-19، وكانت هذه القيود قد أثقلت كاهل الاقتصاد الصيني وأثرت على الاقتصاد العالمي ككل ولا سيما قطاع التصنيع والاضطراب الحاصل في سلاسل الإمداد وخاصة الشحن البحري والذي يعتبر العمود الفقري لتجارة العالم والأرخص مقارنة بالبدائل الأخرى.
وفيما يتعلق بوجهات خطوط الشحن البحري العالمية للحاويات من قياس 40 قدماً، بلغ متوسط أسعار الشحن عبر منطقة المحيط الهادئ من الصين/شرق أسيا إلى الساحل الغربي لأميركا الشمالية 1238 دولاراً بأسعار 17 فبراير الجاري متراجعة من 1935 دولاراً قبل 3 أشهر، وبلغت الأسعار عبر المحيط الهادئ من الساحل الغربي لأميركا الشمالية إلى الصين/شرق أسيا 772 دولاراً.
وأفاد مؤشر بورصة البلطيق أن أسعار الشحن البحري من الصين/ شرق آسيا إلى شمال أوروبا المارة عبر قناة السويس بلغت 2682 دولاراً، بانخفاض يصل إلى 35% مقارنة باسعار نوفمبر الماضي، فيما بلغت الأسعار من الصين/شرق أسيا إلى دول شمال البحر المتوسط 3695 دولاراً.
ووصلت أسعار الشحن من الساحل الشرق لأميركا الشمالية إلى شمال أوروبا عبر الأطلسي 547 دولاراً، فيما بلغ سعر الشحن البحري من أوروبا إلى الساحل الغربي لأميركا الجنوبية 4999 دولاراً بانخفاض بنحو 15% مقارنة بأسعار نوفمبر الماضي.
ويؤكد مؤشر دروري العالمي المركّب للشحن بالحاويات التراجعات الكبيرة في أسعار الشحن البحري، حيث تشير آخر بيانات محدثة للمؤشر أن الأسعار تراجعت بنسبة 79% من حدود 9350 دولاراً في فبراير 2022 إلى 1955 دولاراً بأسعار 16 فبراير الجاري.
وأرجع الخبير الاقتصادي والباحث محمد المهري في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أسباب تراجع أسعار الشحن البحري إلى عدة عوامل، في مقدمتها تعافي الوضع الاقتصادي العالمي بعد جائحة كورنا، ولا سيما بعد الإغلاقات التي شهدتها مصانع الصين، حيث كان الكثير من البواخر وشركات الشحن متوقفة بدون عمل مما زاد من ضغوط التكاليف ومخاطر الخسائر عليها، ولكن بعد أن بدأت الصين تفتح أبوابها بشكل تدريجي إلى جانب دول شرق آسيا كاليابان وكوريا الجنوبية بدأ الشحن البحري ينشط بالتدريج، ولا سيما مع تدفق الصادرات إلى أسواق أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأوروبا.
وأضاف المهري أن الحركة النشطة بعد تراجع قيود كوفيد-19 دفعت شركات الشحن إلى مزيد من المنافسة فانخفضت الأسعار بنسبة 80% اليوم مقارنة بأسعار العام الماضي، علماً بأن التراجع الحقيقي لأسعار الشحن بدأت بشكل تدريجي منذ سبتمبر الماضي، مؤكداً بأن أسعار اليوم تقف عند معدلات معقولة وخاصة مع ارتفاع اسعار الوقود.
وتعتبر هوامش الربح لدى شركات الشحن البحري عالية إذ تتراوح بين 30 و50% وبالتالي يعتبر قطاعاً مستعداً ومتوقعاً للأزمات، واليوم تفضل الشركات التحرك والمنافسة بأسعار أقل وهوامش ربحية أقل بدلاً من التوقف وتحقيق الخسائر، مؤكداً أن تعافي الإنتاج الصيني يحتاج إلى أشهر وربما سنة لتظهر نتائجه على سوق الشحن، وبالتالي ليس مستبعداً ان نشهد مزيدا من الانخفاضات خلال الفترة المقبلة.
ولفت المهري إلى أن الأوضاع المتوترة التي تعاني منها أوكرانيا، أدت إلى تحول خطوط ووجهات الشحن إلى أماكن جديدة، ولا سيما بعيداً عن البحر الأسود، وبالتالي دخول دول وشركات جديدة على خطوط المنافسة مع شركات ودول سابقة أدى إلى انخفاض الأسعار، فضلاً عن الموانئ الجديدة في دول في أفريقيا والهند، بينما تتجه العديد من الموانئ حول العالم إلى تقديم خدمات منوالة أكثر تطوراً ومؤتمتة ورقمية وتعتمد بشكل أكبر على التكنولوجيا، مما سرع مراحل الشحن وزاد من القدر على الاستيعاب بشكل أكبر من قبل الموانئ.
ونوه المهري إلى أن التعافي الاقتصادي من دول الخليج والشرق الأوسط وإفريقيا إلى أوروبا وشرق آسيا، سرع من تعافي قطاع سلاسل الإمداد التي تأثرت بشكل كبير خلال كورونا، وبالتالي فمستوى التجارة العالمي من استيراد وتصدير أخذ في التصاعد بشكل مستمر.