تسعى مجموعة «بريكس» إلى إطلاق نظام «بريكس كلير» (BRICS Clear)، في محاولة لتغيير مسار التسويات المالية العالمية التي يهيمن عليها الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، من خلال نظام «سويفت».
يهدف النظام الجديد إلى تمكين الدول الأعضاء في «بريكس» من تسوية معاملاتها المالية باستخدام عملاتها المحلية، ما يقلل الاعتماد على الدولار الأميركي ونظام التسويات الغربي، ويعزز سيادتها المالية.
من أبرز التحديات التي قد تواجه نظام «بريكس كلير» الجديد، التنافس مع أنظمة التسوية والمدفوعات القائمة منذ عقود، مثل نظام «سويفت» الذي يتمتع بقاعدة مستخدمين قوية تشمل المؤسسات المالية حول العالم. وسيعتمد نجاح «بريكس كلير» على تطوير بنية تحتية مالية موثوقة، واكتساب ثقة المؤسسات المالية التي ستحتاج إلى التحول من نظام «سويفت» إلى بديل جديد.
كما يواجه النظام تحدياً كبيراً يتمثل في اللوائح والتنظيمات الدولية التي قد تعيق انتشاره السريع، وذلك وفقاً لتصريحات خبراء اقتصاديين تحدث إليهم موقع «إرم بزنس».
إحدى أهم القضايا الرئيسة التي يسعى نظام «بريكس كلير» إلى معالجتها، هي الاعتماد على الدولار الأميركي الذي يعدُّ عملة الاحتياطي الرئيسة عالمياً، إذ يمثل نحو 58% من احتياطيات النقد الأجنبي، وهذا يجعل اقتصادات دول مجموعة «بريكس» عرضة لتقلبات أسعار الصرف وتغيرات السياسة النقدية الأميركية، وفقاً لنوازش ميرزا، أستاذ المالية في كلية «إكسليا» الفرنسية للأعمال.
أوضح ميرزا في تصريحاته لموقع «إرم بزنس»، أن رفع معدلات الفائدة بشكل كبير أدى إلى تدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة، ما أسفر عن انخفاض كبير في قيمة العملات في اقتصادات دول «بريكس»، إذ انخفضت الروبية الهندية بنسبة تزيد على 10% مقابل الدولار. وبالتالي، فإنه من خلال تعزيز المعاملات عبر الحدود بالعملات المحلية، تهدف «بريكس كلير» إلى تعزيز الاستقلال النقدي وتقليل التعرض لهذه المخاطر الخارجية.
إضافة إلى ذلك، فإن التعقيد القائم في النظام الحالي يؤدي غالباً إلى تكاليف معاملات مرتفعة، إذ يمكن أن تتكبد المعاملات عبر الحدود رسوماً تتراوح بين 2% و5% من قيمة المعاملة، اعتماداً على عدد الوسطاء المشاركين والعملات المتبادلة، وهذا يمثل تحدياً خاصاً للاقتصادات الناشئة التي تسعى إلى تحقيق تجارة فعالة من حيث التكلفة.
ومن خلال إقامة آلية للتسويات المباشرة بين الدول الأعضاء، يهدف نظام «بريكس كلير» إلى تسهيل العملية، وتقليل تدخل الوسطاء، وخفض تكاليف المعاملات، ما يجعل التجارة داخل الكتلة أكثر كفاءة، وفقاً لميرزا.
كذلك، من الممكن أن يكون تأثير «بريكس كلير» في هيمنة الدولار الأميركي كبيراً في حال اعتُمِد على نطاق واسع، إذ سيمكن الدول الأعضاء في «بريكس» من استخدام عملاتها المحلية في المعاملات التجارية، ما يقلل الحاجة إلى الدولار.
لكن مع ذلك، لا تزال هناك شكوك حول مدى تأثير هذا النظام خارج إطار الدول الأعضاء في «بريكس»، إذ يتطلب الأمر وقتاً طويلاً وتغييرات هيكلية لجذب دول أخرى لا تزال تعتمد بشكل كبير على النظام المالي الغربي.
توافق أباراجيتا باندي، الخبيرة الاقتصادية في مؤسسة «شوتايم» للاستشارات السياسية والاقتصادية، ومقرها الهند، الرأي القائل بأن آلية «بريكس كلير» قد تكون بديلاً محتملاً لنظام «سويفت»، إلا أنها ستحتاج برأيها إلى وقت طويل قبل أن تصبح مقبولة على نطاق واسع، خصوصاً في ظل التحديات القائمة في النظام المالي الدولي.
تُعدُّ «بريكس كلير» مبادرة ذات إمكانات واعدة قد تتمكن من استبدال نظام «سويفت» في المستقبل، ومع ذلك تشير باندي إلى أن هذا التحوّل سيستغرق وقتاً طويلاً لتحقيقه، لا سيما في ظل المقاومة المحتملة من الغرب.
وتعتمد فاعلية هذا النظام بشكل كبير على نمو التجارة داخل دول «بريكس»، وتعزيز التعاون بين هذه الدول. ورغم الإمكانات الكبيرة التي تحملها «بريكس كلير»، فإن النظام يحتاج إلى وقت وتأثير كبيرين لإحداث تغيير حقيقي في الأنظمة التجارية القائمة.
أما بالنسبة إلى استمرارية نظام «سويفت»، فتشير باندي إلى أنه لا يمكن استبعاد «سويفت» تماماً، إذ ستظل دول «بريكس» تعتمد عليه في معاملاتها مع الدول الغربية، وقد يؤدي هذا التعايش بين النظامين إلى إبطاء اعتماد «بريكس كلير» بشكل كامل، ومنعه من أن يصبح نظاماً رئيساً يُعتمد عليه بشكل عالمي، خصوصاً من قبل الدول الغربية.
بالنسبة إلى الدول الأعضاء في «بريكس»، يوفر النظام العديد من الفوائد، مثل زيادة المرونة في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الغرب، حيث يمكن لهذه الدول أن تستخدم «بريكس كلير» كأداة لتجنب القيود المفروضة على معاملاتها المالية، ما يساعدها على المحافظة على تدفقاتها النقدية وتجارتها الدولية دون تدخل خارجي. وعلاوة على ذلك، يمكن للنظام أن يقلل تكاليف المعاملات المالية الدولية، ويعزز النمو الاقتصادي، من خلال توفير بدائل أقل تكلفة وأكثر أماناً مقارنة بنظام «سويفت»، بحسب ميرزا.
وأشار أيضاً إلى أنه رغم هذه الفوائد، فإن هناك مخاطر اقتصادية محتملة قد تواجه الدول الأعضاء عند تنفيذ هذا النظام، من أبرز هذه المخاطر تكاليف التنفيذ والبنية التحتية اللازمة لإطلاق النظام بشكل كامل وفعّال.
إضافة إلى ذلك، قد تتعرض بعض الدول لضغوط سياسية واقتصادية من الدول الغربية التي قد تحاول تقويض نجاح «بريكس كلير» عبر فرض عقوبات جديدة، أو تعزيز هيمنة نظام «سويفت» من خلال آليات اقتصادية مختلفة.
ويرى ميرزا أن التحديات الأمنية المتعلقة بالجرائم السيبرانية تُعد من المخاطر الكبيرة التي تواجه «بريكس كلير»، مع تزايد الهجمات الإلكترونية على الأنظمة المالية العالمية، سيكون على الدول الأعضاء في «بريكس» تطوير إجراءات أمان صارمة لضمان حماية النظام من الهجمات السيبرانية وضمان سلامة المعاملات المالية.
ومن ناحية أخرى، يرى نهاد إسماعيل الباحث المستقل قي الشؤون الاقتصادية وأسواق الطاقة، أن منظومة «بريكس» تسعى إلى التوسع وتعديل خارطة العالم الاقتصادية، إذ انضمت كل من الإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا إلى المجموعة، بينما لا تزال السعودية تدرس أمر الانضمام، وبالتالي باتت المجموعة تمثل 45% من سكان العالم و35% من الناتج المحلي العالمي.
وأشار إلى أن آلية "كلير بريكس" الجديدة ستشمل بنية تحتية مالية جديدة مستقلة، وتهميش دور «سويفت» والمؤسسات المصرفية الغربية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا أنها تواجه العديد من العقبات والتحديات، أبرزها أن اعتماد روسيا على البنوك الصينية وعلى اليوان الصيني لم ينجح تماماً بسبب النظام المالي الروسي الذي أصبح عرضة لتقلبات سياسة التعديلات لقيمة اليوان وتقلبات الاقتصاد الصيني.
وأكد أن نجاح النظام المالي الجديد سيتطلب اتحاداً نقدياً بين الأعضاء، مستقلاً عن الغرب، وهو الأمر الذي سيعرقل نجاح المشروع على المدى القصير والمتوسط.
رغم أن «بريكس كلير» موجه أساساً للدول الأعضاء في «بريكس»، فإنه قد يجذب دولاً نامية أو دولاً غير أعضاء تسعى إلى تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي والنظام المالي الغربي. هذه الدول قد تجد في النظام الجديد بديلاً مناسباً يسمح لها بإجراء المعاملات المالية بطريقة أكثر استقلالية، وبشروط أكثر ملاءمة لاحتياجاتها الاقتصادية، وفقاً لـما تقوله باندي.
أشارت باندي إلى أنه في حال تبني «بريكس كلير» على نطاق واسع، فقد يسهم ذلك في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي، ويُتوقع أن يؤدي إلى ظهور أنظمة تسوية مالية دولية متعددة، ما يقلل من الاعتماد على هيمنة نظام واحد، ويعزز التعددية المالية العالمية.
وتضيف باندي أن السياق التجاري بين دول «بريكس»، وإمكانية انضمام أعضاء جدد، يعدان من العوامل المؤثرة في نجاح «بريكس كلير». لكن، على الرغم من أن التجارة الثنائية بين دول «بريكس» والصين راسخة ومستمرة، فإن التجارة بين بقية دول «بريكس» لا تزال تتطلب الكثير من التطوير.
كما أن هناك تحديات إضافية تتمثل في استمرار الدول غير المنضوية تحت «بريكس»، وخصوصاً الدول الغربية، في استخدام نظام «سويفت» نظراً لاعتمادها الراسخ عليه. علاوة على ذلك، يبقى الدولار الأميركي من العملات العالمية القليلة التي تحظى بالاعتراف الواسع، وتستخدم في معظم التبادلات النقدية الدولية، ما يجعله نقطة مرجعية لتقييم العملات الأخرى. ولذلك فإن إمكانية تبني الدول غير الأعضاء في «بريكس» أو حتى دول «بريكس» نفسها لنظام «بريكس كلير» بشكل كامل، لا تزال محدودة.