بعد سلسلة من الميزانيات الأسرية الشهرية الضاغطة اقتصادياً في مصر، آخرها ميزانية الاصطياف، تترقب الأسر فاتورة دخول المدارس المقررة في نهاية سبتمبر، وتتصدر «السابلايز» -الاسم الأشهر للأدوات المدرسية وملحقاتها التي زادت أسعار منتجاتها بين 5 إلى 10% عن العام الماضي- أولويات الإنفاق جنباً لجنب مع شراء الملابس المدرسية ودفع مستحقات الدراسة ووسائل النقل والكتب والدروس الخصوصية.
وعلى الرغم من أن هذا الموسم يسهم في تنشيط الأسواق، إلا أنه يسبب أيضاً استنزافاً مالياً في موازنة الأسر، ويؤدي إلى شكاوى سنوية، إذ تدفع هذه الأعباء بعض الأسر إلى اللجوء للاقتراض، وفق خبراء تحدثوا لـ«إرم بزنس»، واقترح أحدهم أن تقوم المدارس بتوفير الأدوات المدرسية والكتب الدراسية بنظام التقسيط للأسر التي تواجه صعوبات مالية، مع وضع قيود لضمان سداد الأقساط وتجنب التهرب منها.
وتختلف قائمة «السابلايز» من مدرسة حكومية إلى خاصة ودولية، وقد تبدأ من بضع مئات الجنيهات (الدولار: 48:61 جنيه) وقد تصل لنحو 15 ألف جنيه (308 دولارات)، وفق تقديرات غير رسمية، مع كل إطلالة لعام دراسي والمقرر انطلاقه رسمياً في مصر 21 سبتمبر، وهو ما يراه خبراء «كلفة كبيرة للأسر يتضرر منها أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة».
وتضم قائمة السابلايز المطلوبة بالمدارس، شراء كرّاسات وأقلام وألوان وورق تغليف بخلاف الصمغ وأقلام السبورة، ومناديل ورقية وأخرى مبللة، وحافظة طعام وزمزمية للمياه.
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن جهاز الإحصاء المصري، في أواخر ديسمبر 2023، بلغ عدد الطلبة 28 مليوناً، إضافة إلى 61 ألفاً و512 مدرسة حكومية وخاصة. وعن تلك الأرقام الكبيرة، قال وزير التعليم المصري، محمد عبد اللطيف، في اجتماع للحكومة في 8 أغسطس إن «مصر لديها أكبر نظام للتعليم قبل الجامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، وفق بيان للوزارة آنذاك.
وبحسب إحصائية لجهاز الإحصاء المصرية، معلنة في ديسمبر 2020، فإنفاق الأسر المصرية السنوي على التعليم مقسم كالتالي: 38.6% كمصروفات ورسوم مدرسية، و28.3% كدروس خصوصية ومجموعات تقوية، و11.8% تمثل الكتب والأدوات المدرسية، و9.6% انتقالات من وإلى المدرسة، و7.2% ملابس وحقائب مدرسية، و4.4% مصاريف تعليمية أخرى.
كريم محمود، أب أربعيني، لديه طفلتان بمدرسة خاصة في مدينة السادس من أكتوبر غربي العاصمة المصرية القاهرة، تحدث لـ«إرم بزنس»، يرى أن قدوم المدارس يحمل أعباء كبيرة وصعبة على الأسر، وقد تؤدي إلى الاقتراض أحياناً، منها قائمة السابلايز، وتنضم إليها المصاريف الدراسية والكتب المدرسية ومستحقات وسائل النقل للمدارس الخاصة وغيرها.
وتسجل متوسط قائمة السابلايز في المدارس الدولية، عدة آلاف من الجنيهات، وتسجل في المدارس الخاصة واللغات بين ألفين (نحو 41 دولاراً) و3 آلاف (61 دولاراً)، بينما المدارس الحكومية ربما لا تقل عن ألف (20 دولاراً)، يواصل الأب حديثه، عن تلك القائمة التي لا بديل عنها سنوياً.
وتختلف أماكن شراء تلك القائمة، فأمام ولي الأمر إما الشراء من منطقة الفجالة (وسط القاهرة) الشهيرة بالمكتبات الخاصة، أو من نظيرتها الخاصة والشهيرة في محافظات مصر بخلاف معارض أهلا مدارس الحكومية المقررة في سبتمبر بحثاً عن تخفيضات سنوية، يضيف كريم محمود.
وكشف أحمد أبوجبل، رئيس شعبة الأدوات المكتبية بالغرفة التجارية، في مداخلة تلفزيونية، قبل أيام، أن هناك زيادة في أسعار الأدوات المدرسية، لدى تجارة الجملة من 7% إلى 10% حد أقصى مقارنة بالعام الماضي، بخلاف تجار التجزئة، وذلك لارتفاع في سلع المواد الخام مثل الورق الذي يتم استيراد بعضه، لافتا إلى أن معرض «أهلاً مدارس»، الحكومي سينطلق بين 5 و20 سبتمبر على مستوى محافظات مصر، وبتخفيضات تتراوح بين 30 و35%.
وبحسب ما نشره جهاز الإحصاء المصري، في أواخر 2020، فإن متوسط ما تنفقه الأسرة الواحدة بالمدن على قطاع التعليم وملحقاته يبلغ 12 ألفاً و829 جنيهاً، (263 دولاراً) تمثل نسبة قدرها 12.5% من إجمالي دخلها السنوي، بينما يصل الإنفاق السنوي للأسرة المصرية بالريف على قطاع التعليم وملحقاته 5 آلاف و720 جنيهاً (117 دولاراً) بنسبة 9.2% من إجمالي الدخل السنوي للأسرة في الريف.
ويبلغ إجمالي متوسط إنفاق المصريين على المصروفات والرسوم الدراسية 185 ملياراً و925 مليوناً و220 ألف جنيه (3.8 مليار دولار)، وفق الإحصاء ذاته.
ويصف الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، في حديث لـ«إرم بزنس»، فاتورة بدء المدارس بأنها عبء كبير على الأسر في مصر، مؤكداً أنها «تقفز إلى مستويات قياسية في التهام جزء كبير من دخل تلك الأسر، وتؤثر فيها بالسلب».
ويرى أن قائمة السابلايز، التي تصل أحيانا إلى ألفي جنيه، وتصل إلى 15 ألف جنيه حسب نوع المدارس سواء حكومية أو خاصة أو دولية، أحد أهم بنود الالتزامات المدرسية التي تلتهم مليارات سنويا، أغلبها يذهب إلى القطاع الخاص.
وأوضح أن حجم الاستفادة التي تأخذها فئات محدودة سنوياً مع بداية العام الدراسي لا تقارن بحجم الأعباء التي تقع على الأسر المصرية، داعياً إلى أهمية وضع ضوابط وأهداف تعليمية محددة تخفف الأعباء، وتحقق تنمية حقيقية للاقتصاد المصري.
وتتفق معه الدكتورة هدى الملاح، الخبيرة الاقتصادية مديرة المركز الدولي للاستشارات ودراسات الجدوى الاقتصادية، في حديث لـ«إرم بزنس»، بأن فاتورة بدء المدارس «عبء كبير على الأسر المصرية وإحدى قوائم الاستنزاف السنوي لها خاصة في ظل تضخم عالمي وارتفاع أسعار"، لافتة إلى أن هناك ارتفاعات في كل السلع والخدمات في مصر والعالم.
ولتفادي أي غلاء وتسهيل التعليم باعتباره باب التقدم، تقترح الدكتور هدى الملاح، السماح في المدارس الحكومية والخاصة بمنح الأدوات المدرسية والكتب والمصروفات، بنظام التقسيط، لتحقيق أهداف منها "عدم إرهاق ميزانية الأسر وعدم دفعها للاقتراض"، مشترطة أن يكون نظام القسط مرتبطاً بحجب النتيجة نهاية العام لمن لا يستكمل دفع الأقساط كما هو متعارف عليها.
وتعتبر أن قائمة السابلايز والالتزامات الدراسية الأخيرة كشراء ملابس أو خلافه تحقق رواجا اقتصاديا بتحريك الأسواق وحركة البيع والشراء لدى قطاعات تنتظر ذلك سنويا، رغم المعاناة التي تشعر بها الأسر، والتي يجب البحث عن بدائل للتخفيف عنها مثل نظام التقسيط أو تقليل متطلبات المدارس التي تكون في بعض الأحيان مبالغاً فيها.
وسجل حجم استيراد مصر من الأدوات المكتبية والمستلزمات المدرسية في عام 2019 نحو 18 مليون دولار، وفقاً لبيانات جهاز الإحصاء، منها حقائب الظهر المدرسية بقيمة 7.1 مليون دولار، يليها أقلام الحبر الجاف بقيمة نحو 2.5 مليون دولار، وأدوات مكتبية ومدرسية بقيمة 3.4 مليون دولار من بينها استيراد أقلام رصاص نحو 682.2 ألف دولار.
غير أن حجم الاستيراد تراجع بنسبة 90% هذا العام، وفق رئيس شعبة الأدوات المكتبية ولعب الأطفال بغرفة القاهرة التجارية، أحمد أبو جبل، في تصريحات صحفية، قبل أيام، لفت خلالها إلى أن نسب الصناعة المحلية من المساطر والأستيكة (الممحاة) تصل إلى 100%، ومن الأقلام الرصاص 80%، ونظيره الجاف (الحبر) 90%.