logo
اقتصاد

خسائر مليارية.. كيف تعوّض مصر إيرادات قناة السويس؟

خسائر مليارية.. كيف تعوّض مصر إيرادات قناة السويس؟
منظر جوي للتوسع الجديد لقناة السويس الذي تم افتتاحه في عام 2015 في الفردان، شمال الإسماعيلية في شمال شرق مصر، 23 مارس 2024.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:7 أكتوبر 2024, 03:47 م

في أزمة مستمرة تؤثر بشكل كبير على إيرادات قناة السويس، كشفت الأرقام الرسمية المصرية عن فقدان نحو 6 مليارات دولار في أقل من 8 أشهر. تأتي هذه الأرقام في وقت تزداد فيه التساؤلات حول سبل تعويض هذا الفقد الكبير، خاصة مع استمرار الأزمة في البحر الأحمر وتوجه السفن نحو طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا.

تلك الأرقام التي يراها خبراء تحدثوا لـ«إرم بزنس»، «غير مسبوقة» كشفتها الرئاسة والحكومة في مصر، مع تراجع حركة الملاحة بقناة السويس بنحو 60% من 41% في يناير الماضي، مقارنة بذروة عام 2023، وذلك على خلفية تصاعد التوترات جنوبي البحر الأحمر بسبب استهداف «الحوثيين» في اليمن سفناً بدعوى وقف الحرب الدائرة في غزة منذ نحو عام.

تحديات حالية

وبحسب تقديرات الخبراء «استطاعت مصر تعويض ذلك الفقد نسبياً وإلا كانت الأسعار ارتفعت بشكل ضخم وتضررت قيمة الجنيه أكثر أمام الدولار، وذلك اعتماداً على مصادر أخرى رئيسة للعملة الصعبة»، وسط مقترحات بحلول منها على المدى القريب جذب الاستثمارات الأجنبية ودعم قطاع السياحة والعمل على زيادة الإنتاج وآخر مستقبلي بتدشين محور شامل جديد بالقناة لتحقيق عوائد لا تتضرر بالأزمات الخارجية.

وتعتبر قناة السويس من أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وتعد من المصادر الرئيسة للعملة الصعبة لمصر، وتمثل 12% من حركة الشحن والتجارة الدولية، وتعتبر بوابة لوجستية رئيسة لربط أوروبا بآسيا والشرق الأوسط، وتدفقت عبرها نحو 9.2 مليون برميل يومياً من النفط في النصف الأول من 2023، وهو ما يمثل نحو 9% من الطلب العالمي، وفق إحصاءات حكومية.

بحسب تقرير صادر عن هيئة قناة السويس، في مايو الماضي، «لا يوجد بديل مستدام للقناة، التي لا تزال مفتوحة، في ظل اضطراب سلاسل الإمداد عبر طريق رأس الرجاء الصالح مع طول الرحلة وعدم وجود خدمات ملاحية لوجستية وسوء الأحوال الجومائية»، لافتاً إلى أن «قناة السويس لديها (بخلاف تحصيل رسوم العبور) عدة خدمات منها إصلاح وصيانة السفن وتزويدها بالوقود».

القناة فقدت 60% من دخلها

وأواخر سبتمبر الماضي، قال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في كلمة نقلها التلفزيون الحكومي إن «قناة السويس فقدت نحو 50 أو 60% من دخلها بما يعادل نحو 6 مليارات دولار خلال الـ7 أو الـ8 أشهر الماضية»، في قفزة جديدة عما ذكره الرئيس المصري، من إحصائيات في كلمة بمؤتمر دولي، فبراير الماضي بالقول: «الممر الملاحي للقناة الذي كان يمد مصر تقريباً بحوالي 10 مليارات دولار سنوياً تراجع بنسبة 40 إلى 50%».

خلال اجتماع بالحكومة في العاصمة الإدارية الجديدة، شرقي القاهرة، أوضح رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، الأربعاء أن «التأثر الشديد لعائدات قناة السويس، يعود لما يحدث في البحر الأحمر»، وفق بيان للحكومة.

في لقاء مع المفكرين بمصر، الأربعاء، أضاف مدبولي، أن «قناة السويس فقدت أكثر من 60% من إيراداتها، بمعدل خسائر تتراوح بين 550 إلى 600 مليون دولار شهرياً بما يعادل نحو 6 مليارات دولار، كانت مصدر دخل للدولة المصرية ثابتا ومستقرا يسهم في تلبية الاحتياجات الأساسية للدولة، بعيداً عن الاستثمار أو التصدير»، موضحاً أن «مصر تتعامل مع ظروف ومؤثرات خارجية تؤثر عليها إلى حد كبير، ومع استمرار هذا الوضع قد يتأثر قطاع السياحة بالبلاد باعتبار المنطقة منطقة صراع».

آراء الخبراء

ذلك الفقد في إيرادات القناة «رقم قياسي وغير مسبوق في تاريخها»، وفق حديث خبير النقل البحري وعضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق، وائل قدورة، لـ«إرم بزنس»، متوقعاً أنه مع حال استمرت الأزمة في البحر الأحمر ستسجل فقدا بنهاية العام بقيمة 6 مليارات و100 مليون دولار، بعد ما حصدت 10 مليارات و240 مليون دولار في 2023، مع عدم تجاوز إيرادات العام الحالي للقناة 4 مليارات و140 مليون دولار.

ورغم اعتراف رئيس الوزراء المصري، بلقائه مع المفكرين، بوجود تحديات وخسائر بالقناة، إلا أنه كشف عن نقاط إيجابية منها أن «الدين الخارجي انخفض بأكثر من 15 مليار دولار خلال 6 أشهر مسجلا في يونيو 152.8 مليار دولار بعدما كان في ديسمبر الماضي 168 مليار دولار».

جاء ذلك الأمر بحسب مدبولي «انعكاساً لما تم تطبيقه من إجراءات من جانب الدولة، وكذلك تنفيذ الصفقة الخاصة في مدينة رأس الحكمة (غرب البلاد مع الإمارات المقدرة بنحو 35 مليار دولار استثمارات مباشرة)، إلى جانب ارتفاع صافى الأصول الأجنبية ليصل إلى 13 مليار دولار على مدار العامين الماضيين بعد أن كان بالسالب، وارتفاع الاحتياطيات من النقد الأجنبي والوصول إلى 46.6 مليار دولار».

الاستثمارات الأجنبية كحلول

وكانت الاستثمارات الأجنبية التي شهدتها مصر طول فترة الأزمة، أحد جوانب تعويض فقد قناة السويس تلك الإيرادات، بحسب تقديرات الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، في حديث لـ«إرم بزنس».

وقع الاتحاد الأوروبي ومصر في أواخر يونيو الماضي على اتفاق، يستثمر بموجبه الاتحاد الأوروبي ما يصل إلى مليار يورو (1.1 مليار دولار) في مصر، كجزء من شراكة استراتيجية، يعد فيها هذا التمويل الدفعة الأولى من حزمة أكبر بقيمة 7.4 مليار يورو، أعلنت عنها المفوضية الأوروبية، في مارس الماضي.

ووفق الشافعي، فإن دخل قناة السويس، يعد أحد المصادر الرئيسة ضمن 5 مصادر أساسية للعملة الأجنبية بالبلاد، وتشمل بخلافه الصادرات والاستثمار المباشر وغير المباشر وتحويلات العاملين بالخارج والسياحة.

ومع نقص في أي قطاع رئيس للعملة الأجنبية، يعتقد الخبير الاقتصادي، الدكتور خالد الشافعي، أن «مصر تعوضه عن طريق زيادة الصادرات أو العمل على زيادة أعداد السياح أو زيادة في تحويلات المصريين بالخارج أو البحث عن بدائل أخرى خاصة مع الاستثمارات المباشرة»، مستبعدا أن تلجأ مصر للمؤسسات الدولية للاقتراض لسد العجز الحالي في إيرادات القناة.

توقعات مستقبلية

ويتوقع الشافعي أن مصر استطاعت نسبيا أن تعوض ذلك الفقد، مضيفا: «بدليل أننا رغم هذا الفقد الكبير لم نسمع عن تأثيرات ضخمة هزت الاقتصاد ولكن طفيفة نسبيا في الأسعار وما شابه ونتيجة أمور أخرى، وهذا يؤكد أن مصر استطاعت بحجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت السوق المصري وغيرها أن تواجه تلك الأزمة».

وبرأي الشافعي فإن «مصر لديها حكومة واعية وقيادة سياسية قادرة على تجاوز تلك الأزمة التي ليست مصر طرفا في حروبها»، مشددا على أن أحد الحلول القريبة لاستمرار التعويض مع التوقع باستمرار الفقد مع عدم حل الأزمة بالبحر الأحمر أن يتحمل المجتمع الدولي عن مصر تبعات تلك الحروب وتأثيراتها عليها، باعتبار أن استقرارها هو استقرار للعالم.

حلول مقترحة

خبير النقل البحري وعضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق، وائل قدورة، يضع حلين آخرين للتعويض، أحدهما قريب، وهو اتفاق دولي وضغط على الحوثيين والتأكيد على أن السفن التي تمر بقناة السويس ليست طرفا ولا لها علاقة بإسرائيل وأنها لن تتعرض لأي أذى، كما فعلت الصين وروسيا، في إشارة لاتفاقهما مع الحوثيين عبر تفاهمات بالمرور الآمن لسفنهما وفق ما ذكرته بلومبرغ مارس الماضي.

والحل الثاني والأهم ويجب تطبيقه مستقبلا، وفق عضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق، هو أهمية السعي لجعل محور القناة محورا صناعيا تجاريا لوجستيا، يقدم خدمات للتجارة وللسفن العابرة، موضحا أن الأزمة الآن متعلقة بعدم مرور السفن وعدم وصول رسوم عبور كالعام الماضي المقدرة بـ 10 مليارات دولار.

ويستدرك: «لكن هذا المحور المقترح يعد حلا نهائيا لتلك الأزمة بالبحر الأحمر وغيرها، وقد يجلب مليارات الدولارات سنويا، ولن تمثل رسوم العبور بعد ذلك فقدا أو عائقا، مع تعظيم عوائد ذلك المحور وجلب خبرات عالمية لتدشينه».

إنتاج محلي

وباعتقاد الخبير الاقتصادي الدكتور شريف الدمرداش، في حديث لـ«إرم بزنس» فإن «هناك حلا وحيدا ومعروفا ولو كان طويل الأجل لتعويض أي فقد، وهو الإنتاج المحلي الذي إذا حققنا منه اكتفاء ذاتيا ثم فائضا قد نجلب عوائد دولارية منه بالتصدير مما تزيد به إيراداتنا وتقل معه الضغوط التضخمية والاعتماد على الخارج أو التأثر بالمؤثرات الخارجية».

ويرفض الدمرداش، اللجوء للاقتراض من المؤسسات الدولية لسد الفقد، بعدما تم تجربته دون «فائدة»، مشددا على أهمية زيادة الإنتاج وجعل القطاع الخاص قاطرة التنمية لمواجهة أي تحديات.

وكان رئيس الوزراء المصري، أكد في تصريحات الأربعاء، أنه «مع كل هذه التحديات، تم التعامل الفترة الماضية مع حجم هائل من الإصلاحات الاقتصادية، ووضع تصور ورؤى في ملفات هامة جدا للدولة منها: تشجيع القطاع الخاص بزيادة مساهماته بأرقام محددة لمدة تتراوح بين 3 إلى 4 سنين، بحيث يكون الرقم الفاعل والأساسي في حجم الاستثمارات الكلية في الدولة».

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC