إرم الاقتصايةــــ
لجأ عدد من البنوك العاملة في مصر مؤخراً إلى إصدار شهادات استثمار بعائد يتراوح بين 14 و15% لمدة 3 سنوات، هرباً من الاحتياطي الإلزامي لدى البنك المركزي، وللحفاظ على سيولة تمكّنهم من الاستثمار وتحقيق عوائد أعلى.
رفع "المركزي" المصري، نهاية سبتمبر، نسبة الاحتياطي النقدي التي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها لديه، لتصبح 18% بدلاً من 14%، حيث يتطلّع لامتصاص نحو 150 مليار جنيه من السيولة الفائضة في السوق المصرفية والمقدرة بنحو 600 مليار جنيه.
من البنوك العاملة في مصر التي أصدرت شهادات استثمار بعائد مرتفع، بنك المشرق الذي أطلق شهادة لمدة 3 سنوات بعائد 15%، وبنك قطر الأهلي الوطني بعائد 14%. ولدى أكبر مصرفين حكوميين، وهما بنك مصر والأهلي المصري، منذ فترة شهادات ثلاثية بعائد 14%، كما لدى المصرف العربي الأفريقي شهادة بعائد 14.25% "وكريدي أغريكول" بـ13.5%.
ارتفاع تكلفة الأموال
يوضح مسؤول في أحد البنوك الخاصة في مصر لـ"الشرق"، طالباً عدم نشر اسمه، أن "ارتفاع التكاليف بضوء قرار المركزي بزيادة نسبة الاحتياطي الإلزامي، استلزم طرح منتج ادخاري بعائد تنافسي لجذب الودائع المعفاة من نسبة الاحتياطي الإلزامي".
وأضاف أن قرار طرح الشهادة الاستثمارية "جاء أيضاً استجابةً لارتفاع معدلات التضخم وارتفاع تكلفة الأموال"، مؤكداً أن "المركزي لم يوجهنا لطرح الشهادة مرتفعة العائد، لكن الأمر مرتبط بحساب تكلفة الأموال".
يرى محمد أبو باشا، محلل الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس، أن إصدار الشهادات ذات العائد المرتفع من البنوك في الوقت الراهن يأتي "بالتزامن مع ارتفاع العائد على أذون الخزانة في الشهور الثلاثة السابقة".
تحتاج البنوك عادةً إلى سيولة تمكّنها من الاستثمار في أدوات الدين بأعلى عائد ممكن لزيادة ربحيتها، لكن بعض البنوك في مصر اضطرت خلال الأسبوع الأول من أكتوبر الجاري إلى تسييل جزء من استثماراتها حتى تلتزم بالنسبة الجديدة للاحتياطي الإلزامي. ولا تدخل شهادات الاستثمار التي تصدر لثلاث سنوات ضمن الودائع التي تحتاج البنوك لوضع احتياطي إلزامي -بدون عائد- مقابلها لدى البنك المركزي.
رئيس أحد البنوك الخاصة في مصر، أفصح لـ"الشرق"، طالباً عدم الكشف عن اسمه أيضاً، أن"قرار مصرفه بطرح شهادة ادخار بعائد مرتفع لمدة ثلاث سنوات "يهدف إلى الحفاظ على الودائع، حيث خفضنا الفائدة بنصف نقطة مئوية على حسابات التوفير، والمقابل رفعنا هامش العائد على الإقراض، وبالتالي كان لا بد من طرح منتج ادخاري للحفاظ على ودائع البنك".
محاربة التضخم
تسارع التضخم في مصر خلال سبتمبر الماضي لأعلى مستوى منذ نوفمبر 2018، حيث قفز التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار السلع الأكثر تقلّباً، إلى 18%.
آلن سانديب، رئيس البحوث في "نعيم المالية"، يَعتبر أن اتجاه بعض البنوك لإصدار شهادات مرتفعة العائد يأتي وسط "توقعات بزيادة أرقام التضخم خلال الشهور المقبلة، وتحسباً لتراجع قيمة العملة المحلية، الأمر الذي سيدفع أسعار الفائدة للارتفاع،وبالتالي فإن البنوك تستبق ما سيحدث".
يعمل المركزي المصري في الفترة الأخيرة على تنويع أدواته التي يستخدمها في السياسة النقدية، فقد يكون هدفه الأول من تضييق الخناق على السيولة بالبنوك هو دفعها لطرح شهادات بعائد مرتفع، ما قد يساعد على امتصاص السيولة الموجودة بالأسواق مع المواطنين ويخفف حدّة الاستهلاك، وبالتالي خفض التضخم والطلب المتزايد على العملة الصعبة التي تندر في السوق المصرية.
من ضمن شواهد تضييق البنك المركزي على السيولة بالبنوك، سَحْبُهُ يوم الأربعاء الماضي 250 مليار جنيه في عطاء السوق المفتوح لوديعة الـ28 يوماً ذات العائد المرتبط بسعر الكوريدور لدى البنك المركزي.
هشام عز العرب، مستشار المركزي المصري، ركز خلال الأيام الأخيرة في جميع تصريحاته لوسائل الإعلام المحلية، على ضرورة محاربة التضخم وليس التركيز على سعر الصرف.