logo
اقتصاد

أين وصلت دول الخليج في توطين الصناعات العسكرية؟

أين وصلت دول الخليج في توطين الصناعات العسكرية؟
جناح الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) في معرض ىيدكس بأبوظبي - 17فبراير 2025المصدر: موقع آيدكس
تاريخ النشر:11 مارس 2025, 11:28 ص

تشهد دول مجلس التعاون الخليجي تحولاً استراتيجياً في قطاع الدفاع، إذ تتبنى هذه الدول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات، سياسات متكاملة لتوطين الصناعات العسكرية، وتبادل التكنولوجيا مع الدول الغربية، والسعي لتصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية.

تأتي هذه السياسات في ظل توقعات بأن يصل حجم سوق الدفاع في دول المجلس إلى 33 مليار دولار في عام 2025، مع إمكانية نموه ليصل إلى 55.7 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 11.04%. وفقاً لبيانات جمعتها مؤسسة "موردر إنتلجينس".

أخبار ذات صلة

"برزان" القطرية لصناعات الدفاع توقع اتفاقية مع شركة أسلحة إماراتية

"برزان" القطرية لصناعات الدفاع توقع اتفاقية مع شركة أسلحة إماراتية

الصناعات الدفاعية الخليجية

على مدار السنوات الماضية صاغت دول الخليج سياسات جديدة هدفها تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الإنتاج المحلي في القطاع الدفاعي.

ففي المملكة العربية السعودية، ارتفعت نسبة توطين الصناعات العسكرية من 4% في عام 2018 إلى 19.35% بنهاية 2023، ضمن مساعي «رؤية 2030» التي تهدف إلى توطين أكثر من 50% من الإنفاق العسكري. وفقاً لبيانات رسمية سعودية.

وجرى إطلاق منصة موحدة للصناعات العسكرية لتسريع تبني تقنيات التحول الرقمي وتلبية الاحتياجات المحلية، وهو ما يشير إلى جدية السعودية في بناء قاعدة صناعية دفاعية قوية. وفي هذا السياق، يرى العقيد الركن المتقاعد فيصل مصطفى دغلس، أن توحيد الأهداف وتعزيز الشراكات المحلية يمثلان حجر الزاوية لتحقيق اكتفاء ذاتي فعّال في القطاع، إذ تقلل هذه الجهود من الحاجة إلى الشراكات الدولية في المجالات التي يمكن للدول الخليجية تغطيتها داخلياً، بحسب ما صرّح به لموقع «إرم بزنس».

وفي دولة الإمارات، زادت الحكومة من فرص تمكين الشركات المحلية من التوسع في الصناعات الدفاعية، كما يظهره استحواذ الشركات الإماراتية على 68% من إجمالي الصفقات المُبرمة في معرضي الدفاع الدولي «آيدكس» و«نافدكس»، في فبراير الماضي مقابل 32% لصالح الشركات العالمية.

وقد أسفرت مبادرات الحكومة الإماراتية عن توقيع 55 صفقة جديدة بقيمة إجمالية تجاوزت 25 مليار درهم (نحو 6.8 مليار دولار)، ما يعكس مدى التقدم التقني والقدرات الإنتاجية المتزايدة في القطاع.

ويأتي ذلك في وقت تتنافس فيه القوى العالمية على جذب استثمارات ضخمة في التقنيات الدفاعية، حيث يوضح ماركو مسعد، الباحث في مجلس سياسات الشرق الأوسط، في تصريحات لـ «إرم بزنس»، أن ضخ الاستثمارات المالية والتكنولوجية في هذا القطاع لا يضمن بالضرورة الوصول إلى مستويات تنافسية إذا لم تحافظ القوى الكبرى على سيطرتها التقنية؛ ما يجعل التعاون الاستراتيجي بين دول الخليج والدول الرائدة ضرورة لإعادة تشكيل معادلة القوى في السوق الدولي.

كما تسعى دولة قطر، من خلال شركة «برزان القابضة» المملوكة لوزارة الدفاع، إلى تعزيز وتوطين صناعاتها الدفاعية لتلبية الاحتياجات المحلية والعالمية. وفي الكويت وعُمان، على الرغم من أن البيانات التفصيلية عن جهود التوطين أقل، إلا أن المبادرات القائمة –مثل إنشاء مصانع للسلاح والذخيرة– تشير إلى أن التوطين يُعد ركيزة حيوية لتوفير الدعم الفني والإسناد للقوات المسلحة والقطاعات العسكرية الأخرى.

ما ينفقه الخليج بالأرقام

تُصنّف المملكة العربية السعودية الخامسة على مستوى العالم والأولى عربياً من حيث حجم الإنفاق العسكري، حيث استحوذت على 3.1% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي البالغ 2.44 تريليون دولار. وفقاً لتصريحات أحمد بن عبد العزيز العوهلي، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية، ارتفع الإنفاق العسكري في المملكة من 75.8 مليار دولار في عام 2024 إلى 78 مليار دولار في ميزانية عام 2025، ما يمثل 21% من إجمالي الإنفاق الحكومي و7.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتوضح بيانات معهد ستوكهولم الدولي أن إجمالي الإنفاق العسكري السعودي خلال الفترة من 2014 إلى 2023 بلغ نحو 716.46 مليار دولار، مع ارتفاع واضح من 63.19 مليار دولار في عام 2021 إلى 75.81 مليار دولار في عام 2023.

على الجانب الإماراتي، جاءت الدولة في المرتبة التاسعة عالمياً كمستورد رئيس للأسلحة خلال الفترة من 2016 إلى 2020، وكانت قد أنفقت 25 مليار دولار على الدفاع في عام 2024.

ميزانيات الدفاغ لدول الخليج 2024
ميزانيات الدفاغ لدول الخليج 2024 المصدر: إرم بزنس

وتظهر الإحصاءات أن الإمارات خصصت ما بين 15-16% من ميزانيتها الدفاعية السنوية للمشتريات من الموردين الأجانب خلال الفترة من 2010 إلى 2019، ما يعكس اعتمادها على التقنيات الغربية في ظل سعيها المتواصل لتعزيز قدراتها الوطنية.

أما الكويت، فقد احتلت المرتبة 32 عالمياً في عام 2023 بإنفاق دفاعي بلغ 7.8 مليار دولار، فيما سجلت الكويت إجمالي إنفاق دفاعي للعقد الماضي قدره 71.28 مليار دولار.

وفي عُمان، بلغ الإنفاق العسكري لعام 2023 5.9 مليار دولار، مع إجمالي إنفاق دفاعي خلال الفترة من 2014 إلى 2023 بنحو 68.11 مليار دولار.

وتأتي دولة قطر بإنفاق دفاعي بلغ 14.4 مليار دولار في عام 2024، بينما حافظت البحرين على مستوى إنفاق سنوي ثابت يقارب 1.38 مليار دولار، ليصل إجمالي الإنفاق الدفاعي للعقد إلى 14.59 مليار دولار.

تشهد نسب الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي تحسناً ملحوظاً، فقد ارتفعت النسبة في السعودية إلى 7.1% في عام 2023 مقابل 6.4% في عام 2022، بعد أن كانت 7.2% في عام 2021.

 وفي الكويت، ارتفعت النسبة إلى 4.9% في عام 2023 مقابل 4.7% في عام 2022، رغم أن النسبة كانت تبلغ 6.6% في عام 2021.

كما ارتفعت نسبة الإنفاق في عُمان إلى 5.4% في عام 2023 مقارنة بـ5% في عام 2022، بينما ظلت نسبة الإنفاق في البحرين عند 3.1% في عامي 2022 و2023 بعد أن كانت 3.6% في عام 2021.

إجمالي الإنفاق العسكري من الناتج المحلي في دول الخليج
إجمالي الإنفاق العسكري من الناتج المحلي في دول الخليج المصدر: إرم بزنس

وتشير بيانات قطر إلى ارتفاع نسبتها إلى 7% في عام 2022 مقابل 6.5% في عام 2021، فيما تحتل الإمارات المرتبة السادسة عالمياً بنسبة إنفاق دفاعي تبلغ 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية.

من جانب آخر، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبوزيد أن القيمة الأساسية للاستثمار الخليجي في الصناعات الدفاعية تكمن في تقليص الاعتماد على الواردات، وأكد في تصريحات لموقع «إرم بزنس» أن تحقيق اكتفاء تام في قطاعات مثل الصناعات الجوية وأنظمة الدفاع الجوي يظل تحدياً؛ بسبب القيود التكنولوجية والهيمنة التي يمارسها الموردون الكبار.

وأضاف أبوزيد أن التركيز على القطاعات الاستراتيجية مثل الصواريخ البالستية وأنظمة الدفاع الجوي وقطاع الطيران يعد أمراً حيوياً لتحسين معادلة التسليح والردع على المدى البعيد.

أخبار ذات صلة

الإمارات.. 6.45 مليار دولار الصفقات المبرمة خلال «آيدكس ونافدكس 2025»

الإمارات.. 6.45 مليار دولار الصفقات المبرمة خلال «آيدكس ونافدكس 2025»

توقعات الإنفاق الدفاعي الخليجي

تشير التوقعات المستقبلية إلى استمرار النمو القوي في قطاع الدفاع بمنطقة الخليج. فقد أفادت منصة "غلوبال داتا" بأن ميزانية الدفاع في المملكة العربية السعودية بلغت 71.7 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل سنوي مركب يزيد عن 8% حتى عام 2029. وتأتي هذه الأرقام لتؤكد جدية السعودية في ضخ الاستثمارات في قطاع الدفاع، بما يساهم في تعزيز القدرات الصناعية والتكنولوجية المحلية.

أما الإمارات، فهي تُعد ثاني أكبر مستثمر في قطاع الدفاع بمنطقة الشرق الأوسط؛ إذ ارتفعت ميزانيتها من 23.2 مليار دولار في عام 2023 إلى 25 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بإجمالي استثمارات يصل إلى 129.3 مليار دولار خلال الفترة من 2024 إلى 2028.

يُبرز ماركو مسعد في هذا السياق أن التعاون الاستراتيجي بين الدول الكبرى ودول الخليج في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يلعب دوراً محورياً في إعادة تشكيل معادلة القوى في سوق الدفاع الدولي، شرط ألا تتجاوز القدرات الخليجية تلك التي تحافظ عليها الولايات المتحدة في السيطرة على التقنيات الحيوية.

وفي قطر، يتوقع نمو ميزانية الدفاع بمعدل سنوي مركب يزيد عن 6% في الفترة من 2025 إلى 2029، فيما حُددت ميزانية الدفاع لعُمان بـ8 مليارات دولار في عام 2024 مع معدل نمو يتجاوز 2%. كما سجلت البحرين ميزانية دفاع بلغت 1.5 مليار دولار في عام 2024، فيما وصلت ميزانية الكويت إلى 6.1 مليار دولار مع توقعات بنمو سنوي يزيد عن 3% في الفترة من 2025 إلى 2029.

يظهر ما سبق أن الاستثمار في الصناعات الدفاعية بدول مجلس التعاون ليس مجرد مشروع عسكري تقليدي، بل هو توجه استراتيجي اقتصادي يعتمد على أرقام ضخمة واستثمارات متنامية. من خلال تطوير شراكات محلية وإقليمية، والسعي لتقليص الاعتماد على الواردات عبر نقل التكنولوجيا وتوطينها، تسعى دول الخليج إلى بناء قاعدة صناعية دفاعية متكاملة تدعم النمو الاقتصادي.

في تصريحات قدمها الباحث العسكري والاستراتيجي هشام خريسات من مركز الدول العربية للبحوث والدراسات لموقع «إرم بزنس»، أوضح أن الموقع الاستراتيجي والقدرات الاقتصادية الكبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي تتيح لها تعزيز قدراتها الدفاعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الناحية الأمنية، ما يمهد لها دخول المنافسة الدولية في مجال الصناعات العسكرية.

وأكد خريسات أن هذا التوجه يتطلب اتباع توصيات ونصائح عامة بشأن توطين الصناعات الدفاعية، مع إمكانية خلق فرص عمل تصل إلى 10 ملايين وظيفة في هذا القطاع حالما تصبح الصناعة العسكرية الخليجية منافسة على المستوى العالمي.

كما أشار إلى أن توطين الصناعات الدفاعية يتطلب مزيداً من التركيز والابتكار، إذ إن تطبيق برنامج (الأوفست) الذي ينقل نسبة معينة من الأسلحة المستوردة إلى البلد المشتري لا يكفي، بل يجب نقل التقنية كاملةً وفقاً لتوافقات مع الشركات المصنعة والعمل على البناء عليها لتطوير القدرات المحلية.

 يعتمد نجاح توطين الصناعات الدفاعية في الخليج، كما يلاحظ خريسات من تجارب دول أخرى، على تنويع الشراكات الدفاعية، خاصةً في ظل ارتباط السياسات الدفاعية لدول الخليج بمصالح حلفائها الإقليميين، إذ إن إلغاء بعض الصفقات مؤخراً من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية يعد مؤشراً على ضرورة تنويع الأحلاف لتأمين أمن واستقرار الدول الخليجية بعيداً عن الظروف السياسية للدول الأخرى ذات المصلحة معها.

ويشير خريسات إلى نموذج تركيا في بناء صناعة عسكرية متطورة يمكن أن تحاكيه دول الخليج في سعيها لتقنيات دفاع متطورة "عبر الاستفادة من الخلافات القائمة بين الدول الكبرى أو عن طريق بناء صناعتها الدفاعية من الصفر".

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC