ارتفاع تكاليف الشحن انعكس سلباً على حركة الاستيراد والتصدير
فرضت الحرب المستمرة على قطاع غزة تحديات كبيرة أمام الاقتصاد الأردني بمختلف قطاعاته. ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومة الأردنية للتخفيف من تداعيات هذه الأزمة، إلا أن التأثيرات كانت ملموسة على العديد من المجالات، إلى حدّ بات معها اقتصاد المملكة أمام اختبار حقيقي للصمود.
يُعتبر قطاع السياحة أحد أكثر القطاعات تأثراً بتداعيات الحرب. ووفقاً لبيانات وزارة السياحة الأردنية، انخفضت إيرادات القطاع بنسبة 20% على أساس سنوي خلال النصف الأول من 2024، مع تراجع أعداد السياح بشكل ملحوظ، ولا سيما في ظل تزايد المخاوف الأمنية وتأثيرات التوترات الإقليمية على خطط السفر. كما أشارت تقارير جمعية الفنادق الأردنية، إلى أن معدلات إشغال الفنادق انخفضت بنسب تتراوح بين 50% و75% منذ بداية الحرب، لينعكس ذلك على العاملين في القطاع، إذ تأثرت أعمال نحو 57 ألف أردني بشكل كلي أو جزئي.
وفي هذا السياق، قال العضو السابق في مجلس النواب الأردني، خير أبو صعيليك، إن القطاع السياحي تعرض لضربة قوية بعدما كان قد تعافى من جائحة كورونا، وهو ما أدى إلى تراجع ملحوظ بات معه يتطلب وقتاً للتعافي.
تأثرت المصانع في المملكة جراء الحرب أيضاً، إذ ارتفعت تكاليف المواد الخام ومدخلات الإنتاج، فيما تسبب تأخر وصولها جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، بحالة من الإرباك لدى المصانع، في ظل استيراد نحو 70% من مدخلات إنتاج الصناعات المحلية، وهو ما نتج عنه حتى الآن تراجع في تنافسية المنتج المحلي، قلّل من حجم الصادرات بشكل عام.
وقال عضو غرفة صناعة الأردن، موسى الساكت، إن تأثر المصانع بزيادة التكاليف نتيجة ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وتأخر وصولها، انعكس سلباً على تنافسية المنتج الأردني وتصديره.
لم يسلم قطاعا التجارة والنقل من آثار غزة والهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، حيث ارتفعت تكاليف الشحن البحري والتأمين بنسب كبيرة، ما انعكس سلباً على حركة الاستيراد والتصدير في الأردن. وعلى الرغم من انخفاض العجز في الميزان التجاري للمملكة بنسبة 2.5% على أساس سنوي حتى نهاية مايو الماضي ليصل إلى 3.86 مليار دينار (نحو 5.5 مليار دولار) بحسب تقرير دائرة الإحصاءات العامة، فإن الخلل في حركة التجارة انعكس تراجعاً في مساهمة القطاع في النشاط الاقتصادي العام، ولا سيما في ظل تقلص القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية. مع ذلك، استقر معدل التضخم السنوي عند 1.7% بنهاية النصف الأول، بحسب البنك المركزي الأردني.
وانخفضت قيمة الصادرات الأردنية 1.5% حتى نهاية مايو لتبلغ 3.63 مليار دينار (5.12 مليار دولار)، بحسب أحدث بيانات دائرة الإحصاءات العامة، فيما تراجعت قيمة الواردات 2% إلى 7.49 مليار دينار (10.6 مليار دولار)، وبلغت قيمة إعادة التصدير 352 مليون دينار (497 مليون دولار) بارتفاع 31%.
أما بالنسبة إلى تغطية الصادرات الكلية للمستوردات، فبلغت 48% في نهاية مايو، وهي النسبة ذاتها المسجلة في الفترة المقابلة من العام الماضي.
امتدت التأثيرات السلبية للحرب لتشمل المالية العامة للدولة، حيث أشارت أرقام وزارة المالية إلى أن الإيرادات العامة في النصف الأول انخفضت بمقدار 400 مليون دينار (564 مليون دولار) عن التقديرات الأصلية للموازنة العامة لعام 2024. ودفع هذا التراجع الحكومة إلى تخفيض نفقات الوزارات والمؤسسات بنسبة 15%، إضافة إلى تقليص الإنفاق الرأسمالي، وهو ما قد يؤثر على النمو الاقتصادي في المستقبل القريب.
في خضم هذه التحديات، أظهر القطاع المصرفي في الأردن مرونة نسبية، في وقت حافظ البنك المركزي الأردني على احتياطاته الأجنبية عند مستوى 19 مليار دولار بنهاية يوليو، وهو ما يكفي لتغطية مستوردات البلاد من السلع والخدمات لمدة 8.2 شهر.
قال الرئيس السابق لجمعية البنوك في الأردن، عدلي قندح، إن السياسات الحكومية، مثل تشديد السياسة النقدية وتقديم التسهيلات الائتمانية، ساعدت إلى حد كبير في التخفيف من حجم الأضرار. لكنه أضاف أن "إطالة أمد الحرب، سيكون لها انعكاسات أكبر على الاقتصاد".
يتوقع خبراء اقتصاديون أن يستمر تأثير الحرب على غزة في الضغط على الاقتصاد الأردني. وفي هذا الشأن، قال مؤسس ومدير "مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية"، أحمد عوض، إن استمرار الحرب قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في المملكة، بما يضعها أمام تحديات كبيرة في المستقبل.
وكان صندوق النقد الدولي قد ذكر مطلع مايو الماضي عقب مراجعته لأداء الاقتصاد الأردني، أن حالة عدم اليقين ما تزال كبيرة مع استمرار حرب غزة والتوترات الإقليمية. وتوقع أن يتراجع معدل النمو إلى 2.4% خلال 2024، من 2.6% في 2023، على أن يعود النمو مرة أخرى للانتعاش في 2025 إلى ما يقارب 3%، شريطة انتهاء الحرب وانحسار تأثيراتها، واستمرار تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.