في فترة ولايته الثانية، يستعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لإعادة تشكيل الأجندات الداخلية والدولية في ظل المشهد السياسي الجديد، فهو مهيأ لإجراء تغييرات جوهرية في مجالات الاقتصاد والهجرة والرعاية الصحية، فضلاً عن إعادة تعريف السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وأعلن ترامب، فوزه بولاية ثانية في حكم الولايات المتحدة، وقبل الإعلان الرسمي عن النتيجة، والتصديق عليها من قبل الكونغرس، وهو ما يجعلها نهائية.
ومع سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، وعدم حسم الوضع في مجلس النواب، فإن احتمال سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب قد يشكل عقبة أمام خطط ترامب التشريعية.
وقد استعرض تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» أبرز التوقعات حول ما قد يعنيه فوز ترامب في عدة مجالات.
تشير إدارة ترامب إلى العودة إلى سياسات هجرة أكثر صرامة، بما في ذلك توسيع خطط الترحيل الجماعي وإعادة تفعيل تدابير مثل حظر السفر على الدول ذات الأغلبية المسلمة، إضافة إلى سياسة «ابق في المكسيك»، ومع الدعم القضائي الذي حصلت عليه هذه المبادرات، تسعى إدارة ترامب إلى تجاوز التحديات القانونية السابقة.
ومع ذلك، سيستدعي توسيع عمليات الترحيل موارد إضافية وتعاوناً من الولايات، خاصة في المناطق التي تضم تجمعات كبيرة من المهاجرين، التي قد تعارض الجهود الفيدرالية، وفقاً للتقرير.
يُعد إعادة انتخاب ترامب بمنزلة تمهيد لتمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرَّت في إصلاحاته لعام 2017، التي من المقرر أن تنتهي في 2025.
وتشمل مقترحاته إعفاءات ضريبية للعمل الإضافي والإكراميات وإعانات الضمان الاجتماعي، فضلاً عن إلغاء الحد الأقصى للخصومات على الضرائب المحلية وضريبة الدخل البالغ 10,000 دولار.
ويدعم الجمهوريون في الكونغرس الحفاظ على معدلات ضرائب منخفضة، وزيادة نسبة الخصومات القياسية من إجمالي دخل الأفراد، وتقليص الضرائب المفروضة على التركات، وزيادة الاعتمادات الضريبية للأطفال، فضلاً عن خصم بنسبة 20٪ للشركات التي يملكها عدد صغير من الأفراد.
هذه التعديلات قد تؤدي إلى خسائر ضخمة في الإيرادات الفيدرالية تقدر بأكثر من 4 تريليون دولار على المدى الطويل، وعلى الرغم من تردد بعض الجمهوريين الذين يمثلون مناطق تعتمد على الحوافز الضريبية للطاقة النظيفة، تظل إزالة هذه الحوافز من أولويات ترامب.
من المتوقع أن تؤثر التعريفات الجمركية المقترحة من قبل ترامب في النمو الاقتصادي والتضخم، ما قد ينعكس سلباً على أرباح مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، خاصة في قطاعات التجزئة والسيارات ومصنعي أشباه الموصلات والأجهزة التقنية الأخرى.
كما يُتوقع أن تؤدي القيود على الهجرة إلى زيادة الضغوط على الأجور والتضخم، من خلال تقليص حجم القوى العاملة، إذ سيعاني بشكل خاص قطاع الزراعة والتجزئة والترفيه والضيافة إذا استهدفت حملات الترحيل المهاجرين الذين يشغلون وظائف ذات مهارات منخفضة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الحد من الهجرة القانونية للأشخاص العاملين في وظائف ذات مهارات عالية إلى تأثيرات سلبية على القطاعات المالية والتكنولوجية والرعاية الصحية، في الوقت نفسه، من المحتمل أن يسهم تقليص الهجرة في زيادة التضخم نتيجة لانخفاض عدد العمال المتاحين.
وتدعم خطة ترامب إعفاءات ضريبية في قطاعات مثل التصنيع والبحث، إذ إن تمديد مجموعة من الأحكام من إصلاح الضرائب لعام 2017 لفترة غير محددة قد يقلل من فرص إجراء خفض شامل آخر لمعدل ضريبة الدخل على الشركات. ومع ذلك قد تحظى الإعفاءات الضريبية المحدودة للمصنعين بتأييد، كما يمكن أن يساهم اقتراح إعفاء الضرائب على الإكراميات في دعم بعض الصناعات.
إضافة إلى ذلك، يعتزم ترامب تخفيف القيود على شركات التكنولوجيا الكبرى، وإلغاء الأمر التنفيذي لإدارة الرئيس جو بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي، داعماً نهجاً أقل تدخلاً، وفيما يتعلق بالحفاظ على هيمنة التكنولوجيا الأميركية، من المتوقع أن يواصل ترامب الجهود التي بدأها خلال رئاسته الأولى، والتي ركزت على الحد من وصول الصين إلى التكنولوجيا المتطورة ودعم زيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
من المتوقع أن تستفيد «وول ستريت» من سياسة ترامب المناهضة للعقبات التنظيمية، إذ يُتوقع أن تشهد تقليصاً في الرقابة التنظيمية، كما أن دعم كبار المسؤولين التنفيذيين في «وول ستريت»، بما في ذلك عمالقة صناديق التحوط، قد يسهم في تشكيل إدارته.
من المرجح أن تتراجع العقبات التنظيمية أمام الصفقات الكبيرة، مع استمرار الحفاظ على معدلات ضريبة الشركات منخفضة؛ ما يحفز النشاط التجاري للبنوك، علاوة على ذلك من المحتمل أن تساهم جهود ترامب لخفض أسعار الفائدة في تعزيز أرباح البنوك على المدى القصير.
ويتوقع المصرفيون أن يصبح التدقيق التنظيمي لصفقات شركات التكنولوجيا الكبرى أقل صعوبة، خاصة بالنسبة لتلك التي تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار، كما يُتوقع أن يقيل ترامب رؤساء لجنة الأوراق المالية والبورصات، ومؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، ومكتب حماية المستهلك المالي.
هناك أيضاً توقعات بأن يغادر مايكل بار، نائب رئيس الإشراف في بنك الاحتياطي الفيدرالي، منصبه، مع احتمالية تخفيف قواعد رأس المال الجديدة التي وضعتها اتفاقيات «بازل»، التي كان هو المنظم الرئيس لها، أو التخلي عنها، تُعد اتفاقيات بازل مجموعة من المعايير الدولية التي تهدف إلى تعزيز استقرار النظام المالي العالمي من خلال تحديد متطلبات رأس المال والسيولة للبنوك.
وأضاف المصرفيون أن اقتراح بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن خفض رسوم التبادل التي تجمعها البنوك الكبرى على مدفوعات بطاقات الخصم من المرجح أن يخضع للمراجعة.
كما أبدى ترامب اهتماماً بالعملات المشفرة، إذ يشارك أبناؤه في منصة «وورلد ليبرتي فاينانشال» للعملات الرقمية، بالإضافة إلى ذلك، تُجرى مناقشات حول خصخصة الشركات الكبرى للرهن العقاري مثل «فاني ماي» و«فريدي ماك»، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير في القطاع المالي.
تركز سياسة ترامب في مجال الطاقة على توسيع إنتاج النفط والغاز، مع وعود بتسهيل تراخيص الحفر الفيدرالي لمشروعات استخراج الطاقة ومشروعات الأنابيب.
ورغم أن «وول ستريت» قد تتراجع عن التوسع السريع بسبب التركيز على تحقيق عائدات للمساهمين، من المحتمل أن يلغي ترامب القيود على الانبعاثات ويقلل من الحوافز المقدمة للطاقة النظيفة.
ومع ذلك، قد تواجه محاولاته لإلغاء الاعتمادات الضريبية للطاقة الخضراء معارضة قوية، خاصة من الولايات التي تستفيد من أحكام قانون خفض التضخم.
تعهد ترامب بخفض تكاليف الرعاية الصحية وحماية برنامج «ميديكير»، بما في ذلك من خلال مبادرات لخفض أسعار الأدوية، كما أعرب عن دعمه للإنتاج المحلي للأدوية الأساسية عبر فرض التعريفات الجمركية.
وفي إطار أجندته الصحية، يلتزم ترامب بمعالجة الأمراض المزمنة وتعزيز الرقابة على الإضافات الغذائية، كما ركز على تحسين الصحة العامة في الولايات المتحدة من خلال تعزيز الوقاية والرعاية الصحية بأساليب أكثر كفاءة.
فيما يتعلق بقضية الإجهاض، أيد ترامب أن تُتَّخذ قرارات بشأنه على مستوى الولايات بدلاً من فرض قيود وطنية صارمة، وهي وجهة نظر تختلف عن مواقف الحزب الجمهوري في هذا الملف.
خلال ولايته الأولى، تراجع ترامب عن أكثر من 100 قاعدة بيئية، بما في ذلك لوائح عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما المتعلقة بمحطات الطاقة والسيارات، كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 التي وقعتها أكثر من 190 دولة.
تشير سياسات ترامب البيئية إلى تراجع عن الإجراءات المناخية التي تبنتها إدارة بايدن، إذ يعارض ترامب بشكل قاطع التمويل الأخضر الذي خُصِّص في قانون خفض التضخم، والذي يشمل 369 مليار دولار لحوافز خضراء، مثل خصومات المركبات الكهربائية والإعفاءات الضريبية لتصنيع الطاقة النظيفة، كما يواصل ترامب انتقاد السياسات المناخية الحالية، معتقداً أنها تضر بالمصالح الاقتصادية الأميركية وتثقل كاهل الشركات والمستهلكين.
تمثلت وعود ترامب المحورية في خفض الضرائب، وإعادة إحياء قطاع التصنيع، وكبح الهجرة غير القانونية، مؤكداً أن هذه السياسات هي السبيل لتحقيق الرخاء الاقتصادي.
وأشار العديد من الناخبين في الولايات المتأرجحة إلى أن التضخم المتصاعد، وارتفاع أسعار الفائدة كانا من الأسباب الرئيسة التي دفعتهم لتغيير مواقفهم، مع تذكير بعضهم بالفترة الأولى لترامب بوصفه رئيساً التي شهدت، من وجهة نظرهم، تقدماً اقتصادياً ملحوظاً.
وبحسب التقرير، أعرب مالكو الأعمال والعاملون في قطاعات متنوعة مثل العقارات والسيارات والزراعة عن تفاؤلهم بعودة ترامب، عادِّين النمو الذي شهدته أعمالهم خلال فترته الرئاسية السابقة كان نتيجة لسياساته الاقتصادية الفعّالة.
ويُنظر إلى مقترحات ترامب بفرض تعريفات جمركية على الواردات الأجنبية، وتمديد تخفيضات الضرائب الشخصية، ودعم إنتاج الطاقة المحلية، على أنها خطوات حاسمة لتعزيز الصناعات المحلية، وتخفيف الأعباء الاقتصادية.
ويأمل العديد من مؤيديه في تحسن الأوضاع الاقتصادية في ظل قيادته عبر تخفيض أسعار الفائدة، وتخفيف القيود التنظيمية، وزيادة الدعم للشركات الأميركية.
وأكد التقرير أن انتخاب ترامب لولاية ثانية قد يمثل تحولاً محتملاً في المشهدين السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة، مع توقعات بتغييرات جوهرية في السياسات الداخلية والخارجية، من المحتمل أن يشهد كل قطاع إعادة هيكلة في إطار سعي ترامب لتنفيذ أجندته السياسية في السنوات المقبلة.