logo
اقتصاد

تعزيز قدرات الصين الإنتاجية يهدد بصراع تجاري عالمي جديد

تعزيز  قدرات الصين الإنتاجية يهدد بصراع تجاري عالمي جديد
خط لإنتاج الألواح الشمسية في نانتونغ، الصين، 18 أبريل 2022المصدر: غيتي إيمجز
تاريخ النشر:24 أغسطس 2024, 12:28 م

تسعى الصين لإعادة تنشيط محركها التصديري الكبير، مما يثير مخاوف من اندلاع صراع تجاري عالمي جديد. تأتي هذه الخطوة في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي حالة من الركود، حيث تسعى الصين لتعزيز قدرتها الإنتاجية بشكل ملحوظ في ظل هذا التباطؤ الاقتصادي.

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن الصين وسّعت بشكل كبير من إنتاجها في السنوات الأخيرة، لا سيما في القطاعات التكنولوجية مثل رقائق السيليكون، والتي تُعد عناصر أساسية في صناعة الألواح الشمسية وأشباه الموصلات. وقد أدى هذا التوسع إلى حدوث فائض في العرض، مما ساهم في انخفاض الأسعار العالمية، وأثر سلباً على المنافسين في مختلف أنحاء العالم.

صدمة صينية عالمية

من الأمثلة البارزة على تأثير التوسع الصيني في الإنتاج، شركة "كيوبيك بي في" الناشئة، والتي تتخذ من ماساتشوستس مقراً لها. استثمرت الشركة بشكل كبير في إنشاء مصنع لإنتاج رقائق السيليكون في تكساس بقيمة 1.4 مليار دولار، وذلك في إطار استفادتها من تشريعات المناخ الأميركية، ومع ذلك، اضطرت الشركة إلى تعليق خططها في وقت مبكر من هذا العام، مشيرة إلى التشوهات في السوق الناتجة عن الفائض الكبير في الإنتاج الذي تسببت به الصين.

أفاد التقرير بأن استراتيجية التصنيع الصينية قد أحدثت صدمة اقتصادية عالمية، ففي تشيلي، أعلنت شركة "كاب" للتعدين وصناعة الحديد والصلب عن إغلاق مصنعها الكبير للصلب في هواتشيباتو بشكل غير محدد، مما أدى إلى فقدان 2200 وظيفة. جاء هذا القرار نتيجة عدم قدرة الشركة على التنافس مع تدفق الصلب الصيني الرخيص، حتى بعد أن قامت الحكومة التشيلية بزيادة الرسوم الجمركية على الصلب المستورد.

تشير التطورات الأخيرة إلى استجابة بكين لانخفاض الاقتصاد المحلي من خلال تعزيز الإنتاج الصناعي، وفقاً للتقرير، حيث تسعى الصين بقوة لتوسيع سيطرتها على قطاعات عالمية رئيسية مثل السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات والطاقة الخضراء. لكن هذه الاستراتيجية تساهم في تأجيج التوترات مع دول أخرى، مما يثير مخاوف من نشوب حرب تجارية عالمية جديدة.

في هذا السياق، فرض الاتحاد الأوروبي مؤخراً رسوماً جمركية على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، مما يعكس تصاعد التوترات التجارية بين الجانبين. كذلك، رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على مجموعة من المنتجات الصينية، بما في ذلك الصلب والألومنيوم والسيارات الكهربائية والخلايا الشمسية.

فتحت دول متعددة تحقيقات لمكافحة الإغراق لمعرفة ما إذا كانت السلع الصينية تُباع بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية. في هذا الإطار، تفحص الهند الأصباغ والمواد الكيميائية الصينية، بينما تركز اليابان على الأقطاب الكهربائية. في الوقت ذاته، تحقق المملكة المتحدة في واردات الحفارات والديزل الحيوي، بينما تستكشف الأرجنتين وفيتنام واردات أفران الميكرويف وأبراج الرياح الصينية.

وأوضح التقرير أن القيادة الصينية تحت قيادة شي جينبينغ واجهت تحدياً كبيراً العام الماضي؛ بسبب تراجع سوق العقارات. واقترح بعض المستشارين ضرورة إعادة توجيه الاقتصاد لتعزيز الاستهلاك المحلي كوسيلة لتحقيق الاستقرار في النمو. ومع ذلك، اختار شي تعزيز الاعتماد على النموذج الصناعي المدعوم من الدولة، من خلال تخصيص دعم ائتماني كبير لزيادة الإنتاج الصناعي، وتأكيد الهيمنة الصينية في الصناعات الناشئة مع الحفاظ على قوة التصنيع التقليدية.

ورغم أن هذه الاستراتيجية قد تعزز مرونة الاقتصاد الصيني، إلا أنها تحمل مخاطر باندلاع ردود فعل دولية كبيرة، مما يهدد استقرار الاقتصاد على المدى الطويل.

الدعم الصيني للصناعات

تشير البيانات الرسمية إلى تأثير استراتيجيات شي جينبينغ على الاقتصاد الصيني. فقد ارتفعت القروض الموجهة للقطاع الصناعي بنسبة 63% منذ نهاية عام 2021، في حين زادت الإعانات الحكومية للشركات المدرجة في البورصات الصينية بنسبة 23% منذ عام 2019.

من بين الشركات التي استفادت من هذه الإعانات، تبرز شركات كبرى مثل "كاتل" لصناعة البطاريات و"بي واي دي" لصناعة السيارات.

كما أدى التوسع الصناعي في الصين إلى زيادة في الطاقة الإنتاجية، حيث سجل الإنتاج الصناعي في الربع الأول من عام 2024 ارتفاعاً بنسبة 8% مقارنة بنهاية عام 2021. وخصصت الصين حوالي 4.9% من ناتجها المحلي الإجمالي لرعاية الصناعات، وهو معدل يتجاوز بكثير نظيره في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان.

برز اهتمام شي جينبينغ بالتصنيع بوضوح خلال لقائه مع حاكم إحدى أفقر مقاطعات المزارع في الصين، حيث ركز على أولويات اقتصادية تتضمن أشباه الموصلات والبرمجيات والتكنولوجيا الحيوية والروبوتات، متجاهلاً تحسين الحصاد الزراعي.

في إطار تعزيز هذا التوجه، أنشأ "بنك الشعب الصيني" منشأة بقيمة 70 مليار دولار لدعم قروض شركات التكنولوجيا، بالإضافة إلى جمع صندوق بقيمة 48 مليار دولار لتمويل إنتاج أشباه الموصلات. ورغم تراجع الطلب المحلي، استمرت الصين في زيادة إنتاجها في قطاعات مثل الصلب والكيماويات، مما فاقم من الاختلالات في العرض العالمي.

التداعيات حول العالم

تناول التقرير تداعيات التوسع الصناعي الصيني على الصعيد العالمي، حيث أدى تدفق السيارات الكهربائية الصينية إلى تسريح أكثر من 10,000 عامل من شركات صناعة السيارات الأوروبية. كما شهدت شركات إنتاج المواد الكيميائية في أوروبا تقليصات كبيرة في الوظائف نتيجة لواردات المواد الكيميائية الصينية.

وأشار التقرير إلى أن الاستراتيجية الحالية لشي جينبينغ تمثل تحولاً عن جهود الصين السابقة في تقليص الفائض الإنتاجي، والتي كانت تهدف إلى تقليل الانتقادات الدولية وتحقيق الاستقرار في الأسواق العالمية. ففي الماضي، سعت الصين، تحت قيادة شي ومستشاره الاقتصادي ليو هي، إلى تقليل الإنتاج المفرط، خاصة في قطاعات مثل الصلب.

لكن مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة وضعف الاقتصاد الصيني، تغيرت استراتيجية شي بشكل ملحوظ، وبدلاً من التركيز على تقليص الفائض الإنتاجي، أصبح الهدف الرئيسي هو ضمان قدرة الصين على تلبية احتياجاتها الداخلية بالكامل في حال نشوب نزاع مع الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، قل اهتمام الزعيم الصيني بالشكاوى والانتقادات الغربية المتعلقة بالفائض الإنتاجي.

وفي ظل استمرار الصين في توسيع قدراتها الإنتاجية، يزداد احتمال فرض الدول الأخرى تدابير حمائية، مما قد يقيّد وصول الصين إلى الأسواق الدولية الرئيسية، ويهدد فعالية الاستراتيجية الحالية في تعزيز الحيوية الاقتصادية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC