قفزت صناعة المحتوى الرقمي بوتيرة متسارعة في السنوات الأخيرة، سواء على مستوى العالم أو الشرق الأوسط، مدفوعة بثورة في التقنيات الرقمية، والتي كان أحدث فصولها الذكاء الاصطناعي.
هذه الصناعة لن تتوقف عن النمو في السنوات المقبلة، إذ تتوقع مؤسسة «غولدمان ساكس» للأبحاث، أن يبلغ حجم سوق المحتوى الرقمي 480 مليار دولار بحلول عام 2027، مقارنة بـ250 مليار دولار في الوقت الحالي.
الإضافة إلى ذلك، توقعت المؤسسة في تقرير نشرته في أبريل 2023، أن ينمو عدد المبدعين العالميين البالغ عددهم 50 مليون مبدع، بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 10 و20% خلال السنوات الخمس المقبلة؛ ما يعزز فرص نمو سوق المحتوى الرقمي.
وبصفة عامة، هناك 3 عوامل رئيسة تحفز نمو صناعة المحتوى الرقمي، أبرزها الزيادة الكبيرة في الطلب على هذا المحتوى نتيجة للتطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت، إضافة إلى تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي التي تسهم في تحسين جودة وتنوع المحتوى.
كما تلعب سياسات الدعم الحكومي وتشجيع الاستثمار في الابتكار وصناعة المحتوى، دوراً حيوياً في دفع هذا القطاع نحو مزيد من التوسع عالمياً.
وفي ظل التوقعات الإيجابية بشأن سوق المحتوى الرقمي، قال مستشار الحلول الرقمية والمعرفية بمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، خالد عبد الفتاح، لـ«إرم بزنس»، إن زيادة الطلب على المحتوى الرقمي نتيجة الثورة التكنولوجية واستخدام الإنترنت، شكل تحولاً عن الاعتماد على الاقتصادات النفطية، وأصبح قطاع إنتاج المحتوى الرقمي من الاقتصادات الحديثة المستدامة.
ووفق عبدالفتاح، فإن مستقبل اقتصادات المنصات الرقمية يتنامى بصورة كبيرة منذ بدايات عصر الإنترنت، وينمو بسرعة أكبر مع اتجاه المؤسسات حول العالم لإحداث تغييرات جذرية في طرق معالجة المحتوى لمواكبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي واستخدام التقنيات الناشئة ضمن منصاتها الرقمية.
ويسهم في نمو هذه الصناعة مستقبلاً، وفق عبدالفتاح، توجه معظم المؤسسات العالمية، إلى الإنفاق بكثافة لتطوير منصاتها الرقمية وإنتاج محتوى «يساعدها على الظهور بشكل يدعم منتجاتها في عالم تتحكم فيه، وتسيطر عليه التكنولوجيا الرقمية بأشكالها المختلفة».
ولا تبدو منطقة الشرق الأوسط منفصلة عن النمو المتزايد في سوق صناعة المحتوى الرقمي عالمياً.
إذ توقع تقرير «آفاق الترفيه والإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2020-2024» الصادر عن «استراتيجي آند» في وقت سابق، أن يشكل المحتوى الرقمي نسبة 46% من قيمة الإنفاق المتوقع على الإعلام والبالغ 22 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العام 2024، بزيادة لافتة من 37% في العام 2019.
وتعد دولة الإمارات رائدة في صناعة المحتوى بمنطقة الشرق الأوسط، إذ يشكل الاقتصاد الإبداعي ركيزة أساسية في استراتيجية الإمارات للنمو والتطور خلال الـ50 عاماً القادمة.
كما تبلغ مساهمة الصناعات الإبداعية في الناتج الإجمالي لدولة الإمارات 3.5%، وفق بيانات نشرتها وكالة الأنباء الإماراتية.
الأكثر من ذلك، تملك دولة الإمارات تجارب رائدة في سوق صناعة المحتوى الرقمي، مثل منصة «بلينكس» (Blinx) الناشطة في المحتوى الإخباري والترفيهي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس الإبداعي التنفيذي لمنصة «بلينكس»، فادي راضي، أن المنصة تعد من المنصات الواعدة إعلامياً، مضيفاً: «مع ازدياد دور الذكاء الاصطناعي، أصبحت المنافسة في السوق أكثر تعقيدًا، وارتبطت بشكل وثيق بالقدرة على تخصيص المحتوى وإيصاله للجمهور المناسب في التوقيت المثالي».
راضي أشار في حديث لـ«إرم بزنس» إلى أن الذكاء الاصطناعي أتاح أدوات قوية فقط لمن يستطيع استخدامها بشكل مبدع، مؤكداً أن «المنافسة ليست على الإنتاج، بل على الإبداع».
وتابع أن تجربة «بلينكس» اعتمدت بشكل رئيس على التفاعل المباشر مع المستخدم وفهم احتياجات الجمهور بشكل دقيق، والتركيز على سلوك المستخدم، خصوصاً مدة المشاهدة، والذي يٌعد مؤشراً هاماً لفهم تفاعل الجمهور مع المحتوى.
وبالنسبة لراضي، فإن «أبرز ما لُوحِظ هو أن جيل الشباب يعتمد بشكل كبير على الثواني الـ3 الأولى لتحديد ما إذا كان المحتوى يستحق المتابعة أم لا».
قبل أن يضيف: «بناءً على ذلك، تم العمل على إثراء هذه الثواني تحريرياً وبصرياً، عبر اعتماد أفضل التقنيات في سرد القصص، بما يشمل أساليب جذب قوية، وتوظيف العناصر البصرية الديناميكية لجعل المحتوى أكثر جاذبية وتأثيرًا».