شهدت منصة تداول العملات المشفرة «كوين بيس» (Coinbase) تطوراً محيراً عند نشر نتائجها المالية الفصلية الأسبوع الماضي، حيث اختفى جزء كبير من أصولها وخصومها بشكل مفاجئ.
ففي 30 سبتمبر 2024، كانت منصة تداول العملات المشفرة تمتلك أصولاً بقيمة 291 مليار دولار، إلا أن هذا الرقم انخفض إلى 23 مليار دولار بحلول نهاية العام. أما إجمالي الخصوم، فقد تراجع من 282 مليار دولار إلى 12 مليار دولار خلال الفترة نفسها.
لم يكن هناك تغيير جوهري في أعمال الشركة، لكن «كوين بيس» تبنت نهجاً محاسبياً مختلفاً فيما يخص الرموز الرقمية التي تحتفظ بها نيابة عن عملائها. وباتت هذه الأصول خارج ميزانيتها العمومية، بعدما كانت مدرجة فيها سابقاً.
يُبرز هذا التغيير المحاسبي تساؤلًا جوهرياً طالما أقلق المستثمرين: لمن تعود ملكية هذه الأصول الرقمية في النهاية؟ المعالجة المحاسبية الجديدة تشير إلى أنها تعود للعملاء، وليس لـ«كوين بيس».
لكن الشركة نفسها لم تحسم الأمر بشكل نهائي في إفصاحاتها الأخيرة. فلو تعرضت «كوين بيس» للإفلاس، فقد تُدرج «بيتكوين» والرموز الرقمية الأخرى المحتفظ بها لصالح العملاء ضمن أصول الإفلاس، ما قد يؤدي إلى اعتبار هؤلاء العملاء مجرد دائنين غير مضمونين.
وفي تقريرها السنوي، أكدت «كوين بيس» أنها لا تعتقد أن هذا السيناريو سيحدث، مشيرة إلى أنها صاغت اتفاقياتها مع العملاء بطريقة تحول دون ذلك. لكنها حذّرت في الوقت ذاته من أن «حداثة الأصول المشفرة تعني أن المحاكم لم تبت بعد في كيفية التعامل مع هذه الأصول عندما تُحفظ لصالح أطراف ثالثة».
التغيير السابق في معايير الميزانية العمومية لـ«كوين بيس» كان متماشياً مع توجيه محاسبي صدر عن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) في العام 2022، يُعرف باسم «النشرة المحاسبية 121» (SAB 121). في هذا التوجيه، أشارت الهيئة إلى المخاطر والشكوك المحيطة بالعملات المشفرة، والتي لا تنطبق على الأصول المالية التقليدية، مثل الأسهم والسندات.
على سبيل المثال، عندما تحتفظ مؤسسة مالية مثل «نورثرن ترست» بأصول بقيمة 156 مليار دولار في ميزانيتها العمومية، فإنها تدير في الوقت نفسه أصولًا أخرى تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات نيابة عن عملائها، دون إدراجها في الميزانية العمومية، لأن ملكيتها تعود بوضوح إلى العملاء.
أما بالنسبة للعملات المشفرة، فالوضع ليس واضحاً تماماً. فقد سلطت النشرة المحاسبية لعام 2022 الضوء على غياب سابقة قانونية تحدد مصير عملاء منصات تداول العملات المشفرة في حالات الإفلاس. وبما أن الاحتفاظ بالعملات المشفرة يتطلب التحكم في المفاتيح الرقمية الخاصة بها، فإن ذلك يجعلها أشبه بالأسهم لحاملها، حيث يعتبر الشخص الذي يمتلكها هو المالك فعلياً.
بعد سلسلة من إفلاسات منصات تداول العملات المشفرة في 2022 و2023، قضت المحاكم الأميركية بأن العديد من العملاء هم مجرد دائنين غير مضمونين، وأن الأصول المشفرة المُحتفظ بها داخل هذه المنصات تُعد جزءاً من أصول الإفلاس.
ومن بين الشركات التي واجه عملاؤها هذه المشكلة: «بلوك فاي» و«سيلسيوس نتورك» و«جينيسيس غلوبال كابيتال» و«فوييجر ديجيتال هولدينغز».
لكن في يناير الماضي، ألغت هيئة الأوراق المالية الأميركية هذا التوجيه المحاسبي، في أعقاب التغيرات السياسية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية. مما أتاح لـ«كوين بيس» إزالة هذه الأصول من ميزانيتها العمومية.
لقيت هذه الخطوة ترحيباً واسعاً في أوساط صناعة العملات المشفرة، إذ رأى البعض أنها تزيل عقبة رئيسة أمام تبني «بيتكوين» والعملات المشفرة الأخرى على نطاق أوسع.
في السابق، كانت البنوك التقليدية تتردد في تقديم خدمات حفظ الأصول المشفرة، لأن القواعد التنظيمية تُلزمها بالاحتفاظ باحتياطيات رأسمالية أعلى كلما زادت قيمة الأصول في ميزانيتها العمومية. لكن مع إلغاء «النشرة المحاسبية 121»، قد تدخل مؤسسات مالية كبرى هذا المجال، مما يزيد من المنافسة على «كوين بيس».
رغم ذلك، فإن التقلبات السياسية قد تجعل المؤسسات المالية الكبرى تتردد في دخول هذا القطاع. فإذا كان التغيير في البيت الأبيض قادراً على إلغاء قواعد محاسبية رئيسية، فقد تتغير هذه القواعد مجدداً في المستقبل، مما يعرض البنوك لاحتمالات فرض متطلبات رأسمالية أعلى بشكل مفاجئ.
في النهاية، تعكس هذه التغييرات حالة عدم الاستقرار التي تحيط بالقوانين المحاسبية الخاصة بالعملات المشفرة. ولا يبدو أن هذا الوضع سيتغير قريباً.