تشير البيانات الأخيرة إلى تحول كبير في عادات المستهلكين الأميركيين فيما يتعلق بتفضيلات الدفع عند الشراء، حيث تباطأت معدلات المدفوعات عبر البطاقات مقارنةً بما كانت عليه قبل جائحة كورونا.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أظهرت أحدث المذكرات السنوية حول عادات الدفع لدى الأميركيين، ولأول مرة، أن المستهلكين استخدموا البطاقات البنكية بقدر ما استخدموا النقود في المدفوعات التي تقل عن 25 دولاراً، مما يُعتبر إنجازاً للبطاقات البنكية.
لكن، قبل جائحة كورونا، كان حجم المدفوعات ببطاقات الائتمان والخصم في الولايات المتحدة، حسبما أفادت شركتا «فيزا» و«ماستركارد»، ينمو بوتيرة أسرع من معدل النمو في الإنفاق الاستهلاكي العام، وفقاً لتحليلات شركة «جيفريز» للخدمات المالية.
حالياً، وللسنة الثالثة على التوالي تقريباً، أصبح نمو استخدام البطاقات مقارنة بنمو الاستهلاك بشكل عام أكثر تباطؤاً مما كان عليه قبل الجائحة. ففي عام 2022، استمر حجم المدفوعات بالبطاقات في الولايات المتحدة في النمو بوتيرة أسرع من الإنفاق الاستهلاكي العام، لكن هذه الزيادة لم تتجاوز الثلث، بالكاد متخطية مستوى الاستهلاك في عام 2023، حسب أرقام شركة «جيفريز».
هذا التباطؤ يثير تساؤلات مهمة للشركات المعنية بصناعة البطاقات البنكية، والتي تشمل البنوك المصدرة للبطاقات، وشركات معالجة العمليات، والشبكات التي تدير عمليات الدفع.
وبالطبع، سيواصل حجم المدفوعات بالبطاقات الائتمانية والخصم في الولايات المتحدة الارتفاع طالما استمر الاقتصاد بالنمو وارتفعت الأسعار. لكن فكرة أن تصبح البطاقات جزءاً ثابتاً من مدفوعات المستهلكين، أو حتى أن تتراجع حصتها، لم تعد مستبعدة كما كانت قبل سنوات.
خلال الجائحة، تبنى العديد من الناس طرق الدفع الرقمية في المتاجر، مثل استخدام محفظة رقمية على الهاتف أو بطاقات الدفع اللاتلامسية، ربما لتجنب التعامل مع النقود.
حتى في التسوق التقليدي، بدأ البعض بدفع قيمة مشترياتهم مسبقاً عبر تطبيقات، مستبدلين الدفع النقدي بالبطاقات. كما أن بعض أنظمة النقل العام في المدن، مثل مترو نيويورك، أصبحت تعتمد على تمرير البطاقات عند البوابات للدفع.
وأشار التقرير إلى أن هذا التحول ربما تسارع بفضل سنوات من التطور الطبيعي، مما ترك مجموعة متناقصة من المعاملات النقدية التي قد يصعب استبدالها.
وتؤكد مذكرات اختيار الدفع للمستهلك 2024 الصادرة عن نظام الاحتياطي الفيدرالي وهو النظام المصرفي المركزي للولايات المتحدة، والتي شملت دراسة أجريت في أكتوبر 2023، أن الطلب على النقد قد بلغ حده الأدنى، مما يعكس تأثيرات الجائحة والظروف الاقتصادية اللاحقة.
ومع ذلك، يبقى السؤال حول الحصة المتبقية للنقد والشيكات التي قد تستحوذ عليها طرق الدفع الأخرى، حيث قد تتمكن بدائل الدفع الإلكترونية الناشئة من توسيع حصتها في المدفوعات الاستهلاكية بالولايات المتحدة مع تزايد انتشار شبكات الدفع الفوري الجديدة ومنتجات الدفع الرقمية.
واجهت البطاقات عدة تهديدات في السنوات الأخيرة، ونجحت جزئياً في الحفاظ على مكانتها بفضل تحولها إلى بطاقات بيانات رقمية وليس مجرد بطاقات بلاستيكية، فهي توفر ميزات متعددة، منها طريقة مألوفة للتعامل مع المشاكل المحتملة في المعاملات، إلى جانب مكافآت مثل نقاط السفر واسترداد الأموال.
يبقى أن نرى ما إذا كان المستهلكون في الولايات المتحدة قد يختارون في يوم ما الابتعاد عن البطاقات التي اعتادوا عليها، خاصة عند التسوق.
لكن ليست كل الابتكارات قادرة على تجاوز البطاقات تماماً؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لمستخدمي خدمة «اشترِ الآن، ادفع لاحقاً» الذين يقترضون بخلاف بطاقات الائتمان استخدام بطاقات الخصم لسداد قروضهم. كما يمكن لمقدمي خدمة «اشترِ الآن، ادفع لاحقاً» تقديم بطاقات متخصصة لتسهيل عملية الشراء في المتاجر.
وقد تكون العملات الرقمية بديلاً جديداً للنقد والبطاقات معاً، ولكن حتى شركات العملات الرقمية تقدم بطاقات تُمكّن من إنفاق العملات الرقمية في المتاجر التي لا تقبل هذه العملات بشكل مباشر.
كما بدأت المدفوعات الرقمية الفورية تقتحم الأسواق التي كانت تقليدياً تحت سيطرة البطاقات، مثل مدفوعات الإيجار. وهناك أيضاً استخدام واسع للبطاقات في المدفوعات التجارية بين الشركات، حيث تلجأ المؤسسات غالباً إلى الشيكات أو التحويلات البنكية لإجراء تعاملاتها المالية. ومع ذلك، تسعى طرق دفع أخرى إلى اقتحام هذه المجالات، مما يعكس المنافسة الشديدة بين أساليب الدفع المختلفة.
وتأثرت هذه التحولات بعوامل اقتصادية، بما في ذلك التضخم، وفقاً لتحليلات «جيفريز»، فبعض فئات الاستهلاك الشخصي التي شهدت نمواً مؤخراً، مثل خدمات الإسكان، يُستخدم فيها الدفع عبر البطاقات بشكل أقل. وإذا تباطأ نمو الإيجار، قد يتباطأ الاستهلاك العام، لكن استخدام البطاقات قد يشهد ارتفاعاً طفيفاً، إذ يميل الناس إلى استخدام بطاقاتهم للتسوق بشكل أكبر.
استجابةً لهذه الديناميكيات السوقية، اتجهت شركات الدفع إلى تنويع عروضها خارج نطاق خدمات البطاقات التقليدية، حيث تقدم «فيزا» و«ماستركارد» الآن مجموعة من الخدمات التي تدعم المدفوعات الفورية والتحويلات من بنك إلى بنك، بما في ذلك المدفوعات الفورية وخدمات التحقق من الهوية، لتعزيز نماذج أعمالهما.
يشير جيسون كوفربرغ، المحلل في «بنك أوف أميركا»، إلى أن هذه التدفقات الجديدة والخدمات ذات القيمة المضافة يمكن أن تعوض النمو الأبطأ في حجم البطاقات بالولايات المتحدة.
ويضيف: «يعتمد ذلك على حجم كل مكون ومدى سرعة نموه. فإذا استطاعت الإيرادات الجديدة تحقيق نمو بنسبة 10% إلى 20% سنوياً، فسيكون من الأسهل التنبؤ باستمرار نمو الإيرادات الإجمالية بنسب مزدوجة لفيزا وماستركارد».
ومع ذلك، قد تكون هذه الأنشطة التجارية أقل وضوحاً، مما قد يجعل بعض المستثمرين أكثر حذراً حالياً تجاه الأسهم التي ظلت لفترة طويلة تستحق أسعاراً أعلى، حيث تتداول أسهم «فيزا» بحوالي 26 ضعفاً أرباحها المستقبلية و«ماستركارد» بأكثر من 30 ضعفاً، مقارنةً بحوالي 16 ضعفاً لشركات القطاع المالي ضمن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500».
ومن المتوقع أن تستضيف «فيزا» و«ماستركارد» قريباً أولى أيام المستثمرين لهما منذ سنوات، حيث سيُعقد يوم مستثمري «ماستركارد» في نوفمبر ويوم مستثمري «فيزا» في فبراير، ما قد يوفر فرصاً للمستثمرين الراغبين في فهم أعمق لفرص المدفوعات عموماً.
لكن التقرير لفت إلى أن الوضع في واشنطن يبقى غير متوقع؛ إذ تواجه «فيزا» دعوى احتكار تتعلق بسوق بطاقات الخصم، وهناك تشريع محتمل لفرض رسوم على مقايضات بطاقات الائتمان، والذي تحذر البنوك من أنه قد يهدد برامج المكافآت الخاصة بها. وتخضع المدفوعات الأخرى أيضاً للتدقيق، مثل كيفية معالجة البنوك لنزاعات العملاء على شبكة «زيل» للمدفوعات الرقمية في الولايات المتحدة.
وفي ظل هذه البيئة التنافسية، قد تؤثر هذه العوامل الخارجية على الصناعة. وبينما لا تزال هناك إمكانيات لتوسع المعاملات النقدية في الولايات المتحدة والعالم، يبقى غير مؤكد ما إذا كانت المدفوعات عبر البطاقات ستظل الطريقة الرقمية المفضلة للدفع.