logo
اقتصاد

المهاجرون في الولايات المتحدة.. تأثيرات إيجابية وسلبية على الاقتصاد

المهاجرون في الولايات المتحدة.. تأثيرات إيجابية وسلبية على الاقتصاد
عمال يقطفون الطماطم في مزرعة في 19 فبراير 2021 في إيموكالي بولاية فلوريدا.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:19 يوليو 2024, 07:09 م

المهاجرون إلى الولايات المتحدة، يشكلون اليوم القضية المحورية في سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ويشكل التدفق الكبير جدلاً سياسياً كبيراً في الأوساط الأميركية، فبالرغم من الفوائد الاقتصادية الكبيرة لهم، حيث ساهموا في نمو الوظائف وتهدئة التضخم، لكنهم لا يزالون يثيرون مخاوف بعض الناخبين الأميركيين.

كان للعمالة المهاجرة إلى الولايات المتحدة فعالية كبيرة في تعويض نقص العمالة وضغوط الأجور التي ساهمت في التضخم وفق ما أشار إليه الخبير الاقتصادي مايكل ريد في تقرير نشرته صحيفة "يو إس إيه توداي"، حيث شدد على الفائدة المزدوجة لهم والمتمثلة في نمو الوظائف القوي المقترن بانخفاض التضخم. وساعدت هذه الديناميكية الاقتصادية البلاد على تجنب الانزلاق في مستنقع الركود.

ومع ذلك، فإن بعض الدراسات الحديثة تتحدى السرد القائل بأن المهاجرين قد خفضوا بشكل كبير الزيادات في أسعار المستهلك، إذ يرى المنتقدون لهم أن الطلب المتزايد على السلع والخدمات التي يولدها المهاجرون يمكن في الواقع أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من جانب الجمهوريين من أن المهاجرين غير الشرعيين قد يستولون على وظائف العمال الأميركيين، وهو ادعاء يعارضه الديمقراطيون، وفق ما نشرت الصحيفة.

المناقشات والمقترحات السياسية

يقول السيناتور جي دي فانس من ولاية أوهايو، الذي انضم مؤخراً إلى الرئيس السابق دونالد ترامب كنائب له، إن المهاجرين يخفضون أجور العمال الأميركيين، وسبق أن اقترح ترامب إجراءات صارمة، بما في ذلك فرض قيود شديدة على الحدود الجنوبية وترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين. ويحذر الاقتصاديون المحافظون من أن مثل هذه السياسات يمكن أن تؤدي إلى عكس المكاسب التي تحققت في معالجة نقص العمالة والسيطرة على التضخم.

في المقابل، دعا الرئيس جو بايدن إلى تعزيز إنفاذ القانون على الحدود، لكنه لم يقترح عمليات ترحيل جماعية. وتهدف خطته إلى إعادة صافي الهجرة إلى ما يقرب من مليون شخص سنوياً، مقارنة باقتراح ترامب بخفض هذا الرقم إلى النصف.

إحصاءات الهجرة والمساهمات الاقتصادية

مكتب الميزانية في الكونغرس أعلن عن أرقام كبيرة للمهاجرين، مقدراً أعدادهم بنحو 2.6 مليون في عام 2022، و 3.3 مليون في عام 2023، وتوقعات مماثلة لعام 2024. وتشمل هذه الأرقام، وهي أعلى بشكل ملحوظ من متوسط ​​900 ألف من عام 2010 إلى عام 2019، عدداً كبيراً من المهاجرين من غير المصرح لهم.

ويساهم المهاجرون في النمو الاقتصادي من خلال شغل الوظائف الأساسية وتوليد الطلب الاستهلاكي لشراء المنازل والسيارات والبقالة والملابس والرعاية الصحية وغيرها من المنتجات والخدمات التي تعمل على توسيع اقتصاد البلاد. وتشير تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً إلى أن الهجرة تعمل على تعزيز النمو الاقتصادي السنوي بنحو 0.7 نقطة مئوية، وهو ما قد يمثل نصف النمو السنوي المتواضع الذي بلغ 1.4% في أوائل هذا العام. ووجد تحليل أجراه بنك "جيه بي مورغان تشيس" أن الزيادة السنوية في أعداد المهاجرين بنسبة 1% من الممكن أن ترفع النمو الاقتصادي بمقدار 1.6 نقطة مئوية، مما يعكس التأثير الإيجابي على الناتج المحلي الإجمالي.

الآثار على سوق العمل

يلعب المهاجرون دوراً مهماً في سوق العمل، حيث يشارك ما بين 64% إلى 66% في القوى العاملة، مقارنة بنحو 60% من الأميركيين المولودين في الولايات المتحدة وفق الصحيفة. وتقدر شركة "كابيتال ماركتس" للخدمات المصرفية الاستثمارية أن حوالي ثلث الوظائف الثلاثة ملايين التي تم إنشاؤها العام الماضي ذهبت إلى المهاجرين الوافدين حديثاً، والذين دخل الكثير منهم البلاد بشكل غير قانوني.

وساعد تدفق المهاجرين في معالجة النقص الحاد في العمالة بعد الوباء. من عام 2021 إلى عام 2023، واجه أصحاب العمل سوق عمل ضيق، مما دفع متوسط ​​الزيادات في الأجر بالساعة إلى ذروة بلغت 5.9% في أوائل عام 2022. وساعد وصول المهاجرين في تعويض هذا النقص، مما أدى إلى اعتدال نمو الأجور إلى حوالي 4%. وقد كان هذا التعويض مفيداً بشكل خاص للصناعات ذات الأجور المنخفضة مثل الترفيه والضيافة، الذي يشمل المطاعم والفنادق، وفق تقرير الصحيفة الأميركية.

التضخم ونمو الأجور

وتعتبر العلاقة بين الهجرة والتضخم معقدة، إذ من الممكن أن يؤدي الطلب المتزايد من جانب المهاجرين على السلع والخدمات إلى ارتفاع الأسعار، وخاصة في مجال الإسكان. وقد انخفض مقياس التضخم المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي من ذروة بلغت 5.6% في عام 2022 إلى 2.8% في أوائل عام 2024. ويشير محللون من "دويتشه بنك" إلى أنه لولا زيادة الهجرة، لكان من الممكن أن يبقى التضخم أعلى لفترة أطول، مما دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى الحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة، وبالتالي زيادة مخاطر الركود.

ويرى النقاد، مثل جايسن ريتشواين من مركز دراسات الهجرة، أن تأثير الهجرة على التضخم ضئيل للغاية. ومع ذلك، يسلط الخبير الاقتصادي رون ماو من بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس الضوء على أن الهجرة قدمت دفعة ملحوظة للناتج المحلي الإجمالي دون ارتفاع مماثل في التضخم، وخاصة خلال فترات النقص الحاد في العمالة.

المنافسة على الوظائف وانخفاض الأجور

يمتد النقاش إلى ما إذا كان المهاجرون سيحلون محل العمال الأميركيين، أو يتسببون في انخفاض الأجور، إذ يزعم ترامب وغيره من المعارضين أن المهاجرين يأخذون الوظائف من المواطنين الأميركيين، وخاصة الأقليات. ومع ذلك، يرى الاقتصاديون أن العديد من الوظائف ذات الأجور المنخفضة التي يشغلها المهاجرون هي تلك التي لا يميل العمال المولودون في البلاد إلى قبولها.

والحديث عن المخاوف بشأن انخفاض الأجور سائد أيضاً، ففي حين أن الهجرة يمكن أن تسبب ضغوطاً هبوطية على الأجور، وخاصة بالنسبة للعمال ذوي المهارات المنخفضة، فإن الحلول التي شملت رفع الأجور بشكل كبير للعمال الأميركيين كانت في كثير من الأحيان غير عملية خلال النقص الحاد في العمالة.

وتشير الدراسات إلى أن الهجرة يمكن أن تسهم في زيادة التضخم من خلال زيادة الطلب الاستهلاكي على المنتجات والخدمات. فالمهاجرون، بحسب التقرير، يميلون إلى إنفاق معظم أو كل دخلهم، مما يؤدي إلى رفع الأسعار. كما يظهر التأثير بشكل ملحوظ في قطاع الإسكان، حيث يحتاج المهاجرون الجدد إلى ما يصل إلى 500 ألف وحدة سكنية إضافية سنوياً. وفي يونيو، شكلت الزيادة في الإيجارات وتكاليف الإسكان الأخرى نحو 36% من ارتفاع التضخم الشهري، وفقاً لمؤشر أسعار المستهلك. بالنظر إلى النقص الكبير في المساكن، فإن استجابة المطورين لمعدل الهجرة المرتفع تستغرق وقتاً. 

على الجانب الآخر، نظراً لأن معظم المهاجرين غير القانونيين يعملون في قطاعات ذات أجور منخفضة، فإنهم عموماً ينفقون أقل مقارنةً بالمواطنين الأميركيين. بالإضافة إلى ذلك، يرسل المهاجرون في المتوسط حوالي 160 دولاراً شهرياً إلى عائلاتهم في بلدانهم الأصلية.

لا يزال التأثير الإجمالي للهجرة على الاقتصاد الأميركي موضوع نقاش حاد. وترى الصحيفة أنه رغم أنها ساهمت بلا شك في نمو فرص العمل وتخفيف بعض الضغوط التضخمية، لكنها خلقت أيضاً تحديات، وخاصة في مجال الإسكان وديناميكيات الأجور. ويتفق العديد من الاقتصاديين على أن الهجرة، على الرغم من بعض الآثار السلبية، قدمت بشكل عام دفعة اقتصادية كبيرة، وساعدت في تحقيق التوازن بين احتياجات سوق العمل المعقد والاقتصاد الديناميكي.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC