logo
اقتصاد

النظام المصرفي بالعراق.. خريطة إصلاح لكسر العزلة وفتح أبواب الاستثمار

النظام المصرفي بالعراق.. خريطة إصلاح لكسر العزلة وفتح أبواب الاستثمار
رجل يسير أمام الفرع المحلي للبنك المركزي العراقي في مدينة البصرة الجنوبية، 8 ديسمبر 2023.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:21 أبريل 2025, 10:45 ص

في خطوة تعد الأكبر منذ فرض القيود الأميركية على التعاملات المالية، شرعت بغداد في تنفيذ خريطة إصلاح شاملة لضبط النظام المصرفي، لا تستهدف فقط التخلص من تبعات العقوبات، بل تمهّد الطريق لبيئة مالية أكثر شفافية وكفاءة، قادرة على جذب الاستثمارات وتعزيز الثقة المحلية والدولية بالمصارف العراقية. 

الخطة الإصلاحية العراقية التي سيتم تقييمها في 2026 «ستبنى على اتجاهين» بحسب مسؤول مالي عراقي تحدث لـ«إرم بزنس» يتضمنان «إصلاح المصارف التجارية الحكومية ودمج الشركات المصرفية للقطاع الأهلي مع احتمال وجود شريك استراتيجي دولي في الإدارة أو الملكية».

وتوقع أن «تشهد الأشهر القليلة المقبلة تطوراً ملحوظاً لعصر مصرفي عراقي عالي الجودة والسرعة والامتثال لمعايير الشفافية والحوكمة الدولية والاندماج مع البيئة المصرفية العالمية».

وتلك الخطوة الإصلاحية الأكبر منذ قيود واشنطن المالية ستقود بحسب خبير مصرفي عراقي، تحدث لـ«إرم بزنس»، إلى «مسار إيجابي لتحرير الاقتصاد العراقي بتقليل الاعتماد على النفط وتقليل القيود على الدولار؛ ما يسمح بمزيد من الاستثمارات ودعم أكبر للاقتصاد».

أخبار ذات صلة

العراق.. استكمال مشاريع ميناء الفاو الكبير بنهاية 2025

العراق.. استكمال مشاريع ميناء الفاو الكبير بنهاية 2025

قيود أميركية

بعد الغزو الأميركي عام 2003، شهد العراق ظهور عدد من المصارف التي شهدت توسعاً في عمليات التحويلات المصرفية التجارية من البنوك الخاصة العراقية، وسط ثغرات تحدثت عنها واشنطن بشأن عدم وجود إفصاح عن المستفيدين الفعليين أو اتهامات للشركات والأفراد الإيرانيين باستخدام البنوك في العراق المجاور، للوصول إلى الدولار، والالتفاف على العقوبات الغربية. 

وكان عام 2022، فاصلاً في مشهد تلك الثغرات مع تدخل وزارة الخزانة الأميركية لتشديد الرقابة على البنوك العراقية، وأدى ذلك إلى إدراج 4 بنوك عراقية في نوفمبر 2022 و14 مصرفاً آخر في يوليو 2023 على القائمة السوداء، قبل أن يعلن محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، في مارس 2024 عن التفاهم مع الخزانة الأميركية لإعادة النظر بالعقوبات المفروضة وإجراء محادثات بعد 4 أشهر آنذاك في واشنطن لمعالجة قضايا من بينها القيود المفروضة على الدولار.

خطط إصلاحية

وكانت الخطوة الكبرى منذ تلك القيود الأميركية، إعلان البنك المركزي العراقي، خلال بيان في الـ7 من أبريل الجاري، عن «تنفيذ خطط إصلاحية بالتعاون مع الحكومة والقطاع المصرفي الخاص وبالتعاون مع شركة أوليفر وايمن (Oliver Wyman) الأميركية للاستشارات لتحسين الثقة بالقطاع وتوزيع الشمول المالي وتبسيط إجراءات الامتثال لتدابير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتقويمها من خلال نظام الهوية الرقمي»، على أنْ تبدأ دورة التقييم الأولى في الربع الأول من عام 2026.

وفي أواخر أغسطس 2024، أعلن المركزي العراقي عن تعاقده مع شركة "أوليفر وايمان" الأميركية لإجراء مراجعة شاملة لأوضاع المصارف المحلية، لا سيما الممنوعة من التعامل بالدولار، لدمجها ضمن القطاع المصرفي العراقي والدولي.

وعرضت خطة الإصلاح المصرفية، خلال اجتماع في الـ16 من فبراير الماضي بدبي بين مسؤولي البنك المركزي العراقي مع نظراء في الخزانة والفيدرالي الأميركيين، مع إشادة الجانب الأميركي بما يتخذه البنك من إجراءات «أصبحت ترتقي لمستويات عمليات التحويل المنفذة من قبل البنوك العالمية».

كما بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في الـ23 من مارس الماضي، تلك الخطة، خلال اجتماع للحكومة، وناقش الإسراع بعملية إصلاح مصرفَي الرافدين والرشيد (الحكوميين) وفق المعايير الدولية، وإجراءات تأسيس مصرف جديد باسم مصرف الرافدين الأول»، وفق بيان حكومي آنذاك.

وفي الـ11 من أبريل الجاري أطلق بنك الرافدين الرئيس في البلاد خدمة الإنترنت المصرفي التزاماً بتفعيل نظامي مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز الشفافية المصرفية.

ويمتلك العراق عدداً كبيراً من أجهزة الصراف الآلي تجاوز 4 آلاف جهاز، ونحو 17 مليون بطاقة مصرفية، فيما بلغ عدد المَحافظ الإلكترونية 1.2 مليون محفظة، وفق تصريحات مُحافظ البنك المركزي، علي محسن العلاق، أدلى بها في فبراير الماضي.

وخلال الربع الثالث من 2024، شهد عرض النقد في العراق نمواً ملحوظاً، حيث ارتفع عرض النقد بالمعنى الضيق بنسبة 4.1% ليصل إلى 158.6 تريليون دينار (121.1 مليار دولار)، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وفقاً لبيانات البنك المركزي العراقي.

شهدت الودائع لدى المصارف العاملة في العراق ارتفاعاً بنسبة 4.2% خلال الربع الثالث من عام 2024، لتصل إلى 127.6 تريليون دينار، مقارنة بـ122.4 تريليون دينار خلال الفترة ذاتها من عام 2023.

تفاصيل الخطة

وكشف مستشار رئيس الوزراء العراقي، للشؤون المالية والاقتصادية، ونائب رئيس البنك المركزي السابق مظهر محمد صالح، في تصريحات خاصة لـ«إرم بزنس» تفاصيل تنفيذية من تلك الخطة، قائلاً: «تأتي خطة الإصلاح المصرفي باتجاهين الأول: إصلاح المصارف التجارية الحكومية بالدرجة الأساسية، ولا سيما المصرفين الكبيرين الرافدين والرشيد، والذي تتولى شركة التدقيق العالمية آرنست أند يانغ تقديم دراسة جدوى شاملة لإنشاء بنك جديد يعمل بأسس السوق التنافسية خال من الديون والخسائر الموروثة لأنّ مصرف الرافدين تحديداً هو كان هو الرافعة المالية للحرب العراقية مع إيران وهو مثقل بالديون، وتعرضت الكثير من فروعه للاعتداء والنهب سواء في أثناء الاحتلال عام 2003، أو في الحرب ضد الإرهاب الداعشي عام 2014، ومصرف الرشيد بدرجة أقل».

وأوضح أن «المصرفين يهيمنان حالياً على 80%؜ من العمليات المصرفية في البلاد ونسبة مماثلة من موجودات الجهاز المصرفي ورؤوس أموالهما لا تتعدى 15% ؜من رأس مال الجهاز المصرفي»، لافتاً إلى أن «قرار الإصلاح المالي والمصرفي على وفق المنهاج الحكومي منح الأولية في حركة الإصلاح إلى توليد مصرف تجاري بملكية وآليات عمل مصرفي تنافسي متقدم لخدمة تمويل التجارة والاستثمار والائتمان».

والاتجاه الثاني، بحسب المسؤول العراقي، يشمل «عمل البنك المركزي العراقي من خلال تعيين شركة استشارية متخصصة (أوليفر وايمن) لمحاولة دمج الشركات المصرفية للقطاع الأهلي التي يزيد عددها على 60 وحدة مصرفية لتوليد مصارف رابحة بعدد أقل وبشريك استراتيجي بعد أن طال نصفها الحرمان من التعاطي بالدولار من قبل الخزانة الأميركية أو البنك الاحتياطي "الفيدرالي" وتعرضها لمشكلات في تمويل التجارة الخارجية وتعثر حركتها الائتمانية».

وأوضح أن «رؤوس أموال تلك الشركات تشكل قرابة 78% ؜ من حقوق الملكية لدى الجهاز المصرفي وعملياتهم وموجوداتهم بنحو 20% من عمليات السوق المصرفية»، مؤكداً أن «الكيانات المصرفية الجديدة سيكون لها شريك استراتيجي دولي في الإدارة أو الملكية لجعلها أكثر حوكمة وامتثالاً أمام السوق المالية الدولية، ويسهل اندماجها بعالم المصارف داخلياً وخارجياً، ليكونوا رافعة الاقتصاد الوطني المالية وخدمة تمويل التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة في بلادنا، مع التعاطي بالتكنولوجيا الرقمية وتحقيق أفضل مستويات الشمول المالي وبرؤوس أموال وخبرات قوية مختلفة».

ويتوقع المسؤول العراقي أن «تشهد الأشهر القليلة القادمة اعتماد نتائج الدراستين في تطور ملحوظ لعصر مصرفي عراقي عالي الجودة والسرعة والامتثال لمعايير الشفافية والحوكمة الدولية ومندمج مع البيئة المصرفية العالمية عبر شبكة المراسلين الدوليين بلا أدنى شك».

أخبار ذات صلة

العراق يتصدر العالم في تركز الثروات الطبيعية بـ16 تريليون دولار

العراق يتصدر العالم في تركز الثروات الطبيعية بـ16 تريليون دولار

مسار إيجابي

وعن تلك الخطة الكبرى منذ سنوات، يقول الخبير المالي في معهد الإصلاح الاقتصادي ببغداد علاء الفهد، في حديث لـ«إرم بزنس»،: «تسعى الحكومة لإجراء إصلاحات اقتصادية وتحسين بيئة الاستثمار وجذب الاستثمار الأجنبي، وهذا لا يتم دون أن يكون هناك إصلاح مصرفي حقيقي وتوسيع قاعدة الشمول المالي وتأسيس مصارف قادرة على أن تحقق الائتمانية ودعم القطاعات الاقتصادية».

وبرأي الفهد وهو استشاري اقتصادي، فإن «إعلان استراتيجية الإصلاح المصرفي يهدف لتوسيع الشمول المالي وتحسين نوعية الخدمات ورفع المؤشرات الاقتصادية للمصارف وجعلها في مستوى نظيرتها العالمية»، مؤكداً أن «هذه الخطة مسار إيجابي لتحرير الاقتصاد العراقي بتقليل الاعتماد على النفط (التي تدعم أكثر من 80% من إيراداته اقتصاد البلاد) وتقليل القيود على الدولار، وهذا يسمح لرؤوس الأموال أن تستثمر في العراق».

ويرى أن تلك «الخطة سترفع مستوى المصارف المحلية بنظيرتها العالمية مع توسيع الشمول المالي وقاعدات التعاملات الإلكترونية خاصة مع تحقيق ذلك نجاحات على أرض الواقع يلمسها المواطن»، مرجحاً أن «يقود تطبيق خطة الإصلاح المصرفية بحذافيرها لزيادة المنافسة بين المصارف الحكومية والخاصة ودعم التنمية المستدامة بالعراق وتنشيط بيئة الأعمال وجعل العراق جاذباً للاستثمارات مع وجود جهاز مصرفي قادر على إنجاز متطلبات نجاح تلك الاستثمارات».

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC