بات شبه مؤكّد أن عام 2024 سيكون الأكثر دفئاً على الإطلاق، وفق ما أعلنته خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي قبيل قمة المناخ «كوب 29» التي انطلقت في أذربيجان اليوم.
وفقاً لبيانات «كوبرنيكوس»، من المرجح أن يتجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية هذا العام 1.55 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الصناعة، مقارنة بـ1.48 سجلت في عام 2023. فدرجة حرارة الأرض ارتفعت في أكتوبر الماضي بمقدار 1.65 درجة مئوية عن مستوى ما قبل الصناعة، وهو ما يمثل الشهر الخامس عشر الذي يسجّل متوسط درجة حرارة أعلى من عتبة «1.5 درجة مئوية» التي حدّدتها اتفاقية باريس التاريخية لعام 2015.
ويعد تجاوز مستويات ما قبل الثورة الصناعية بمقدار 1.5 درجة مئوية، حاجزاً نفسياً بالغ الأهمية، إذ إن ارتفاع حرارة الكوكب أكثر من ذلك سيجر ويلات مناخية تتخطى الظواهر المتطرفة التي باتت تهز على حين غرة بقعاً متفرقة من العالم، كما أن فاتورته سوف تكون أثقل مما قد يستطيع تحمله الاقتصاد العالمي.
الزيادة البالغة 1.5 درجة مئوية هي العلامة التي اتفقت دول العالم على عدم تجاوزها في اتفاقية باريس، حيث تعتبر «حد الأمان لكوكب الأرض».
وبالاستناد إلى بيانات مدى زمني أطول، يبلغ ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.1 درجة عن مستويات ما قبل الصناعة، وهي تتسبب بالفعل في أضرار مدمرة في جميع أنحاء العالم. من هنا، فإن الضرر المناخي لزيادات أعلى سيكون أكثر كارثية، كما أن حقيقة تجاوز حد «1.5 درجة» على مدى عام بالفعل تدق جميع الأجراس.
سجّل العام الماضي مستويات حرارة قياسية أيضاً، حيث كان المتوسط أعلى بمقدار 1.3 درجة مئوية عما كان عليه في عصور ما قبل الصناعة، وفقاً للإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA). وكان تقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، حذّر من احتمال تجاوز حرارة الأرض حاجز 1.5 درجة في إحدى السنوات الخمس المقبلة، غير أن هذه التوقعات استعجلت التحقق.
ما يُخشى منه الآن، هو أن تمضي درجة الحرارة العالمية في الارتفاع أكثر، إذا تم الحفاظ على السياسات المناخية الحالية، لتتجاوز ما قبل الصناعة بمقدار 2.7 درجة، وهو ما يتخطى بكثير الحد الآمن. هذا من شأنه أن يخلّف عواقب مدمرة لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين سيجدون أنفسهم وسط موجات حر وجفاف وظواهر أكثر تطرفاً مما نشهده اليوم.
بينما تجتمع الأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في باكو بأذربيجان، لحضور مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29)، فإن «هذه البيانات الصادرة حديثاً تقدم دليلاً إضافياً على استمرار اتجاه الاحتباس الحراري العالمي»، وفقاً لسمانثا بورغيس، نائبة مدير خدمة تغيّر المناخ «كوبرنيكوس».
بورغيس حذّرت من أن عام 2024 سيكون أول عام يزيد فيه معدل درجات الحرارة عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. و«هذا يمثل علامة فارقة جديدة في سجلات درجات الحرارة العالمية، وينبغي أن يكون بمثابة حافز لرفع الطموح في مؤتمر المناخ كوب 29»، وفق تعبيرها.
وفي ظل تخلّف العمل المناخي عن الوعد الذي قطعته البلدان وتصاعد آثار تغير المناخ، يُعد إحراز تقدم في مؤتمر «كوب 29» مطلباً. ففي عام 2023، أشارت أول عملية تقييم عالمية للإجراءات الدولية الرامية إلى معالجة تغير المناخ، إلى أن العالم ما زال بعيداً عن تحقيق الأهداف التي حددتها اتفاقية باريس. في ضوء ذلك، استطاعت قمة «كوب 28» في دبي العام الماضي، تحقيق اختراق من خلال التوصل إلى "اتفاق الإمارات" التاريخي للمناخ الذي وضع العالم على المسار الصحيح للعمل المناخي عبر تحديد كيفية استجابة الأطراف.
وكما سابقه، يهدف مؤتمر «كوب 29» إلى توفير التمويل اللازم لتمكين هذه الاستجابة، ومن ثم سيحاول مؤتمر «كوب 30»، الذي سيعقد في البرازيل عام 2025، الاتفاق على كيفية تنفيذ جولة جديدة من المساهمات الوطنية في جهود المناخ العالمية.
على مدى السنوات الماضية، تم التركيز على الطقس المتطرف، مثل موجات الحر والفيضانات والجفاف والعواصف، باعتباره الوجه الأكثر وضوحاً لتغير المناخ، إلا أن التكلفة الاقتصادية لهذه التغيرات التي تطرأ بدأت للتو في التبلور، حيث تظهر الأبحاث الناشئة أن تكاليف ارتفاع درجات الحرارة هي في الواقع أعلى بكثير مما كان مفهوماً في السابق.
تم تحديد الحصة الاقتصادية لتغير المناخ بنحو خمس الاقتصاد العالمي أو خسائر سنوية بمقدار 19% خلال السنوات الـ25 المقبلة. فيما من المقدر أن يخسر العالم نحو 38 تريليون دولار بحلول عام 2050، وفقاً لدراسة نشرت في مجلة «نيتشر» (Nature) المرموقة أجراها باحثون في معهد «بوتسدام» لأبحاث تأثير المناخ.
تظهر الدراسة أن تغير المناخ سوف يسبب أضراراً اقتصادية هائلة على مدى السنوات الـ25 المقبلة في كل بلد من بلدان العالم تقريباً، بما فيها البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة وألمانيا، مصحوبة بانخفاض كبير في الدخل، حيث ستدفع المناطق الأكثر فقراً والأقل مسؤولية عن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي الفاتورة الاقتصادية الأضخم.
في 2018، حاز ويليام نوردهاوس جائزة نوبل في الاقتصاد عن بحثه الذي أظهر أن زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية واحدة، من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض في الدخل العالمي بنسبة تتراوح بين 1% و 3%. ظلت تلك التوقعات المرجع التقليدي بشأن التأثير الاقتصادي للاحتباس الحراري العالمي، لكن بحثاً جديداً أجراه باحثان من جامعتي «هارفارد» و«نورث وسترن» توصل إلى استنتاج مختلف تماماً.
فقد خلصت ورقة بحثية مؤرخة في مايو 2024 بعنوان «التأثير الاقتصادي الكلي لتغير المناخ: درجة الحرارة العالمية مقابل المحلية»، إلى أن التأثير الاقتصادي للاحتباس الحراري العالمي هو في الحقيقة أعلى بكثير مما تنبأ به نوردهاوس. إذ استنتجت أن ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية واحدة يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 12%.