بينما تشتد وطأة التغيرات المناخية، وتتزايد الضغوط على الموارد الطبيعية، يبرز الاقتصاد الأخضر والاستدامة كحجر الزاوية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا.
التحول نحو الاقتصاد الدائري جاء كنقلة من النموذج الاقتصادي الخطي القائم على «الأخذ - التصنيع – التخلص»، إلى نظام يهدف إلى إبقاء الموارد قيد الاستخدام لأطول فترة ممكنة، وتقليل النفايات إلى أدنى حد، وإعادة تدوير المنتجات والمواد في نهاية دورة حياتها.
وفي قطاعي الطاقة والصناعة، يكتسب هذا النموذج أهمية قصوى في ظل سعي المنطقة لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، فضلاً عن الحاجة الملحة لتبني ممارسات صناعية مستدامة تقلل من البصمة البيئية.
على صعيد الطاقة، تتجه العديد من دول المنطقة، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، نحو الاستثمار الضخم في مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية ووفقاً لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) لعام 2024، شهدت منطقة الشرق الأوسط نمواً ملحوظاً في قدرة الطاقة المتجددة المركبة، حيث ارتفعت بنسبة 12% في عام 2023. وتستهدف دول مثل المغرب والأردن تحقيق نسب مرتفعة من مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة بحلول عام 2030.
أما في القطاع الصناعي، فيتطلب تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري إعادة تصميم المنتجات لتكون قابلة لإعادة التدوير أو إعادة الاستخدام، وتبني عمليات إنتاج أكثر كفاءة في استخدام الموارد، بالإضافة إلى إنشاء أسواق ثانوية للمواد المعاد تدويرها.
وقد بدأت بعض الشركات في المنطقة في تبني ممارسات مثل استخدام مواد معاد تدويرها في عمليات الإنتاج وتقليل النفايات الصناعية. فعلى سبيل المثال، أطلقت مصر استراتيجية وطنية للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية وتشجيع بدائلها القابلة للتحلل أو إعادة الاستخدام.
ومع تبقي أقل من ست سنوات على الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، يبرز التساؤل حول مدى التقدم الذي أحرزته منطقة الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا في هذا المسعى.
إذ تشير التقارير الدولية إلى وجود تفاوت كبير بين دول المنطقة في تحقيق هذه الأهداف.
ففي حين حققت بعض الدول تقدماً ملحوظاً في مجالات مثل توفير الطاقة النظيفة والمياه النظيفة والصحة والتعليم، لا تزال تحديات كبيرة قائمة في مجالات أخرى كالقضاء على الفقر والجوع، والنمو الاقتصادي، واتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ.
ويؤكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2024 أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه تحديات متزايدة بسبب تداعيات تغير المناخ، بما في ذلك ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة والتصحر، مما يعيق التقدم نحو تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، يشدد المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أهداف التنمية المستدامة لـ2030 محمود محي الدين، على أن «بلدان الجنوب العالمي تواجه خطر الانبعاثات بسبب نقص الموارد والإمكانات اللازمة».
ويضيف في حديث خاص لـ«إرم بزنس»، أن «قرابة 800 مليون شخص يعانون غياب البنية الرقمية والتكنولوجية الأساسية، مما يعيق قدرتهم على مواجهة تحديات التغير المناخي».
خبراء البيئة في العالم يلتقون في الرأي، على «أن الاستثمار في التكنولوجيا له دور محوري في تسريع وتيرة التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة»، معتبرين أن الأمر يستلزم وضع استراتيجيات واضحة المعالم تتضمن أهدافاً قابلة للقياس ومؤشرات أداء محددة. كما يدفع نحو تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية، وتشجيع الابتكار والتكنولوجيا الخضراء، وتوفير الحوافز للشركات لتبني ممارسات مستدامة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، عمرو عبده في حديث خاص لـ«إرم بزنس»، أن «الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وتطوير حلول رقمية مبتكرة لإدارة الموارد بكفاءة، يمثل فرصاً هائلة لدول المنطقة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتوفير فرص عمل جديدة».
ويضيف عبده: «أن تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء يمكن أن يسهم في تحسين كفاءة استخدام الطاقة والمياه في القطاعات المختلفة، وتقليل الفاقد، وتحسين إدارة النفايات».
علي زين العابدين، الرئيس التنفيذي لإحدى شركات الاستشارات البيئية في منطقة الشرق الأوسط، يرى أن «التحول نحو الاقتصاد الدائري يتطلب استثمارات كبيرة في البحث والتطوير لابتكار حلول جديدة لإعادة تدوير المواد وتقليل النفايات، فضلاً عن ضرورة وضع أطر تنظيمية وتشريعية واضحة تشجع الشركات على تبني هذه الممارسات».
لم يعد تحقيق الاقتصاد الأخضر والاستدامة مجرد خيار، بل هو ضرورة ملحة لدول منطقة الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، حسب ما أكد المبعوث الأممي الخاص لتمويل أهداف الاستدامة محمود محي الدين، قائلاً: «إن الحل يكمن في الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، حيث تؤدي التكنولوجيا دوراً محورياً في تحقيق التنمية المستدامة وتقليل آثار التغير المناخي على المجتمعات الأكثر تضرراً".
ويرى الخبير الاقتصادي عمرو عبده، أن هناك نماذج عربية واضحة في الشرق الأوسط استطاعت تقليل الهدر وتعزيز الاستدامة مثل الإمارات التي اعتمدت في ذلك استراتيجية الاقتصاد الدائري الوطني، مستشهداً أيضاً بمبادرة اقتصاد الكربون في السعودية التي تشمل تقنيات التقاط الكربون والطاقة النظيفة.
من وجهة نظر الخبراء، لا تزال مناطق جنوب إفريقيا تمثل التحدي الأكبر. وهي تعاني نقص الإمكانات اللازمة، بينما فرص استثمار التكنولوجيا فيها لا تزال ضعيفة بسبب ضعف البنية التحتية، على الرغم من الدعم المستمر للبنك الإفريقي للتنمية عبر برنامج (Africircular Innovators) والذي يهدف من خلاله لتوفير 11 مليون فرصة عمل.