هبوط أسعار الغاز في أوروبا مع تراجع الطلب على التدفئة

بعدما بلغت أعلى مستوياتها خلال عامين في بداية فبراير الماضي، تواصل أسعار الغاز المرجعية في أوروبا انخفاضها، وهو اتجاه قد يتسارع مع اقتراب الفترة التي تشهد عادة أدنى طلب على الكهرباء المنتجة من الغاز.

وتشير أحدث توقعات الطقس من «إل إس إي جي» إلى أن معظم أنحاء أوروبا القارية ستشهد درجات حرارة أعلى من المعتاد اعتباراً من 20 مارس، ما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على التدفئة في المنطقة خلال هذا الأسبوع.

انخفاض طاقة الرياح 

وارتفعت أسعار الغاز، مطلع العام، بسبب الطلب على التدفئة الشتوية، وانخفاض إنتاج الطاقة من الرياح عن المستويات المعتادة، ما دفع شركات المرافق إلى تعويض الاحتياجات عبر زيادة توليد الكهرباء باستخدام الغاز.

وبحسب مجموعة الأبحاث «إمبر» المتخصصة بقطاع الطاقة، بلغ إنتاج الكهرباء بالغاز في أوروبا أعلى مستوياته، منذ العام 2021، خلال أول شهرين من العام الحالي، ولا يزال أعلى من مستوياته للفترة ذاتها من العام الماضي في الأسواق الرئيسة وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

إلا أن استخدام الغاز في توليد الكهرباء يميل إلى الانخفاض الحاد بدءاً من أواخر مارس، مع تراجع الطلب على التدفئة واقتراب الإنتاج المشترك من مصادر الطاقة الشمسية والرياح من ذروته السنوية خلال موسم الربيع.

وإذا تكرر هذا النمط في 2025، فقد تتعرض أسعار الغاز في أوروبا لموجة انخفاض جديدة، رغم تراجعها بالفعل بأكثر من 25% عن ذروتها هذا العام.

اتجاه هبوطي

بين عامي 2015 و2024، كان الربع الثاني من العام الأدنى إنتاجاً للكهرباء بالغاز، حيث انخفض الإنتاج خلاله بمتوسط 25% على أساس فصلي.

وخلال العام 2024، كان إجمالي إنتاج الكهرباء من الغاز في الربع الثاني أقل 31% من إنتاج الربع الأول، ومن المحتمل أن يشهد عام 2025 انخفاضاً كبيراً باستهلاك الغاز إذا كانت الأحوال الجوية معتدلة، ما يقلل الحاجة إلى التدفئة بدءاً من نهاية الشهر الحالي.

ركود صناعي

تتأثر الطلبات الإقليمية على الغاز بالاستخدامات الصناعية، حيث تعد المصانع الكيميائية ومصانع الأسمنت من أكبر المستهلكين الأوروبيين للغاز خارج قطاع الكهرباء.

إلا أن التباطؤ الاقتصادي المستمر أدى إلى إضعاف النشاط الصناعي في أوروبا، ففي ألمانيا، أكبر منتج صناعي أوروبي، تراجعت إنتاجية القطاعات الكيميائية والأسمدة والصلب والبلاستيك إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات مع بداية العام.

وفي إيطاليا، ثاني أكبر مستهلك صناعي للغاز في أوروبا، ما زال النشاط الصناعي أدنى من مستوياته في العام الماضي.

تحديات الأسعار

ما زال ارتفاع أسعار الكهرباء أحد العوامل الرئيسة التي تضغط على الصناعة الأوروبية، حيث بدأت الأسعار عام 2025 بمستويات تفوق بكثير أسعار العام السابق.

وبحسب «إل إس إي جي»، بلغ متوسط أسعار الكهرباء بالجملة في ألمانيا 127 يورو لكل ميغاواط/ساعة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2025، بزيادة 49% عن متوسط العام 2024.

كما ارتفعت الأسعار في: هولندا، وإيطاليا، وفرنسا، وبولندا، بشكل ملحوظ مقارنة بالعام الماضي.

ويعد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، الذي يشكل أكثر من ربع إمدادات الكهرباء في أوروبا، أحد المحركات الرئيسة لزيادة تكاليف الكهرباء.

وإذا بدأت أسعار الغاز بالتراجع مع انخفاض استهلاك الكهرباء، فقد تنخفض تكاليف الطاقة الإقليمية، ما يمنح المستهلكين بعض التخفيف من الضغوط السعرية.

مع ذلك، سيظل المستهلكون الصناعيون للغاز في منافسة مع مشغلي منشآت التخزين، الذين يتعين عليهم إعادة ملء المخزونات الإقليمية بعد التراجع الحاد في مخزون الغاز الأوروبي منذ بداية العام.

وعادة ما تبدأ شركات تخزين الغاز بإعادة ملء المخزونات في أواخر الربيع، بحيث توزَّع المشتريات على أشهر انخفاض الاستهلاك، وضمان امتلاء الخزانات قبل الشتاء.

وهذا العام، قد يحتاج المشترون إلى ما لا يقل عن 100 شحنة إضافية مقارنة بالسنوات الأخيرة لتعويض الانخفاض الكبير في المخزونات، ما قد يؤدي إلى عمليات شراء مبكرة.

غير أن الدول الأوروبية تناقش، حالياً، احتمال تخفيف أهداف تخزين الغاز، بعد خلافات بشأن الأهداف الإلزامية التي قد تؤدي إلى زيادة تكاليف التخزين.

وحالياً، يجب أن تبلغ المخزونات 90% من سعتها بحلول 1 نوفمبر، لكن الدول الأعضاء تدرس تمديد الإطار الزمني إلى ما بين 1 أكتوبر و1 ديسمبر.

وسيسمح هذا التمديد لمشغلي التخزين بمزيد من المرونة في توقيت مشترياتهم، ما قد يؤدي إلى تقليص الطلب على الغاز من قطاع التخزين خلال الأشهر المقبلة.

وإذا تزامن هذا التباطؤ في المشتريات مع انخفاض الطلب على الغاز في قطاع الكهرباء، فقد تتراجع الأسعار الإقليمية بشكل كبير قبل أن تعود عمليات إعادة التخزين لدعم السوق في الصيف.