بعد 18 عاماً من التجميد، تعود ليبيا إلى ساحة استكشافات الطاقة، لتفتح أمام المستثمرين فرصة جديدة في قطاع حيوي يُعد شريان اقتصادها. غير أن هذه الفرصة تكتنفها تحديات كبيرة، إذ تتداخل القرارات المتعلقة بالطاقة مع الخلافات السياسية بين حكومتين في الشرق والغرب، مما يزيد تعقيد المشهد، ويفتح المجال للكثير من التساؤلات.
تمتلك ليبيا ما يُقدر بنحو 91 مليار برميل من النفط المكافئ من موارد الهيدروكربون غير المكتشفة، وتقدم هذه الجولة 22 قطاعاً للاستكشاف والتطوير (11 بحرياً و11 برياً)، بما في ذلك مناطق ذات اكتشافات غير مطورة يُقدر أنها تحتوي على ما لا يقل عن 2 مليار برميل من النفط المكافئ من موارد الهيدروكربون، بحسب بيانات تعريفية نشرتها البوابة الإلكترونية لجولة العطاء التي أطلقت إلكترونياً يوم 7 مارس الجاري، ووصفتها بأنها «أول جولة مناقصة دولية للاستكشاف والتطوير في ليبيا منذ 18 عامًا، بعد الأخيرة عام 2007».
ويمثل الطرح، بحسب بوابة جولة العطاء العام، «فرصة استثمارية قيّمة تهدف إلى تعزيز احتياطيات ليبيا من النفط والغاز وإمكاناتها الإنتاجية وتعزيز قطاع الطاقة، وجذب استثمارات جديدة، وتعزيز دورها كمورد عالمي موثوق».
تعتمد ليبيا على حوالي 98% من احتياجاتها للطاقة من النفط والغاز، بينما تقدر احتياطياتهما شبه الرسمية بنحو 48.8 مليار برميل نفط و1.4 تريليون متر مكعب من الغاز، في حين يمثل النفط القوة الدافعة للاقتصاد الليبي، إذ يشكل قرابة 96% من الصادرات، وما يصل إلى نحو 98% من إيرادات خزينة الدولة.
في 13 يناير 2025، أعلن المصرف المركزي الليبي أن عائدات النفط في عام 2024 تراجعت بنسبة تقارب 23% لتصل إلى 76.7 مليار دينار ليبي (15.5 مليار دولار)، مقارنة بـ99.1 مليار دينار (20.6 مليار دولار) في عام 2023.
وتستهدف المؤسسة الوطنية الليبية للنفط تحقيق 1.7 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية عام 2027، ومليوني برميل بعد 2028.
ولم تختلف كلمات الجهات الليبية المعلنة للطرح يوم 3 مارس الماضي عن الثناء عليه، فقد أكد رئيس وزراء حكومة «الوحدة الوطنية» في طرابلس (غرب)، عبد الحميد الدبيبة، أن تلك الجولة «ستعزز استثمارات الطاقة في البلاد»، في ظل احتضان ليبيا «أكبر احتياطي نفطي مؤكد في إفريقيا والعاشر عالميًا»، وفق وزير النفط خليفة عبد الصادق»، و«مساحات شاسعة تشكل أكثر من ثلثي المساحة الكلية لليبيا وتوقعات أولية تشير إلى إمكانية تحول هذه المناطق إلى مشاريع نفطية زاخرة بالخيرات»، بحسب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مسعود سليمان.
وشارك عبد الصادق وسليمان يوم 13 مارس في عرض الطرح في قمة «سيرا ويك» للطاقة والاستثمار في هيوستن، بالولايات المتحدة، مشيرين إلى وجود 22 منطقة بحرية وبرية مناصفة للتنقيب عن النفط والغاز، بموارد تتجاوز 10 مليارات برميل نفط مكافئ، وتشمل المناطق المطروحة 128,714 كم² من المساحات البحرية، موزعة على مناطق صبراتة وسرت والمنطقة الشرقية، إلى جانب 106,553 كم² من المناطق البرية، تشمل غدامس، ومرزق، وسرت، ومناطق شرق البلاد، بحسب بيان نشره حساب «حكومتنا» التابعة لحكومة طرابلس على فيسبوك.
وعقب إعلان الطرح، اعتبرت لجنة الطاقة في مجلس النواب، في بيان، دعوة المؤسسة الوطنية للنفط لطرح عطاء عام مخالفةً للتشريعات، وتتطلب موافقة المجلس واستثناءه من حالة المنع؛ نظراً لقرار مجلس النواب رقم (15) لسنة 2023، الذي يحظر التصرف في الثروات السيادية، مثل النفط والغاز، دون وجود حكومة موحدة، داعية إلى عقد اجتماع عاجل لمناقشة برنامج العطاء العام.
في 12 مارس الجاري، طالب رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار، سلامة الغويل، في بيان، المؤسسة الوطنية للنفط بوقف إجراءات طرح العطاء حتى تشكيل حكومة موحدة تحظى بالاعتراف الدولي، تضمن بيئة قانونية واقتصادية مستقرة للشركات المستثمرة، محذراً من التداعيات في ظل الانقسام السياسي، سواء بحدوث تفاهمات غير قانونية بين الشركات، تتنافى مع قانون منع الاحتكار أو تأثيرات اقتصادية سلبية، أبرزها صعوبة تنفيذ العقود واحتمالية عدم الاعتراف الدولي بها؛ مما يزيد عدم الاستقرار الاقتصادي، ويؤثر في تدفق الاستثمارات الأجنبية.
الرئيس السابق للشركة الوطنية للإنشاءات النفطية المساهمة والمستشار الحالي في قطاع النفط، نجيب الأثرم: قال، لـ«إرم بزنس»، إنه بالتأكيد طرح جولة الاستكشافات تعني فائضاً في الإنتاج وتحسيناً في موارد البلاد، وتعزز برامج التنمية والاستثمارات، موضحاً: «كجانب اقتصادي من المهم أن تكون هناك استكشافات خاصة وأن مساحة كبيرة في ليبيا غير مكتشفة براً وبحراً وهناك مخزون كبير في مناطق عديدة من البلاد».
أما قانونياً، فسيواجه الطرح تحدياً وحيداً هو عدم وجود حكومة موحدة في البلاد؛ ما قد يعرقل شركات وفرص استثمارات لديها تطلع كبير لأن تستثمر في الغاز والنفط، وأغلب الشركات الكبرى قد تتخوف، خاصة أن الاستثمار في تلك الاستكشافات لا يكون لعام أو عامين، ولكن قد يصل إلى 25 عامًا، وفق الأثرم الذي أكد أن «فرص الاستثمار في تلك الاستكشافات كبيرة خاصة أن تكاليف الاستخراج في ليبيا ليست مكلفة»، مشدداً على أهمية توفير بيئة تشريعية بإقرار من البرلمان للمضي في سبل نجاح ذلك الطرح الأول منذ سنوات طويلة.
وعلى مسافة قريبة، يرى وزير النفط السابق محمد عون، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن ذلك الطرح يحمل مخاطر اقتصادية وقانونية، موضحاً أن قرار مجلس النواب رقم 15 لسنة 2023 واضح في أنه لا تتم أي تعاقدات جديدة طالما لم تشكل حكومة موحدة، وهذه الجولة ستؤدي لتعاقدات جديدة وبالتالي هناك مخالفة.
ويشدد عون على أهمية أن تُطرح تلك العطاءات في إطار حكومة موحدة لتجني فوائدها المرجوة، مشيراً إلى أنه من الصعب تشجيع الاستثمار في ظل عدم استقرار، غير أنه أشار إلى أن «بعض الشركات قد تستغل الوضع، وتشارك فيه لكن الأمر القانوني سيلزم بوقف الطرح إلى حين توافق وطني في البلاد».
ويستبعد الغويل، في حديثه مع «إرم بزنس»، حدوث حوار بين مجلس النواب وحكومة الدبيبة بشأن أزمة الطرح، مؤكداً أنه «لا يجب رهن موارد البلد ضمن صفقات ليست اقتصادية بالمقام الأول، خاصة أن القانون واضح بأنه لا يجب إبرام تلك العقود طالما ليست هناك حكومة موحدة».
ويرجح أن «أي شركة ستخوض الطرح دون حكومة موحدة ستكون تحت ضغط مخاطر تغيير الحكومة وما شابه»، مؤكداً أن «طرح الاستكشافات مهم وجيد للغاية في مجال النفط والغاز والتنمية في ذلك القطاع، ولكن مستقبلاً عندما تكون هناك أسس واضحة، وعبر سلطة متكاملة الأركان، وتوافق يعزز فرص الاستثمار في ذلك القطاع الحيوي الداعم للاقتصاد».