مطلب جديد من صندوق النقد الدولي للمغرب بـ«مواصلة التقدم نحو تحرير قطاع الكهرباء»، ولا سيما بمشاريع الطاقة المتجددة، فَتحَ باب تساؤلات حول إمكانية المضي في ذلك الطرح لتعزيز استثمارات القطاع الخاص، في ظل علاقات ممتدة لعقود بين المملكة والمؤسسة الدولية وكيفية تلافي مخاوف لدى الرأي العام من أعباء مالية جراء أي ارتفاع محتمل بالأسعار.
خبراء اقتصاد مغاربة تحدثوا، لـ«إرم بزنس»، انقسموا بين رأي يذهب إلى أن تحرير سوق الكهرباء مطبق فعلياً بإرادة حكومية وشراكات مع القطاع الخاص دون أي احتكار استناداً لواقع سابق وقانون صادر في 2023، ورأي آخر يؤكد أن القطاع بحاجة إلى تحرير فعلي وحقيقي لتعزيز التنافسية وضخ مزيد من الاستثمارات، مما يفيد الاقتصاد المتضررة ميزانيته من استيراد 90% من واردات الطاقة بالعملة الصعبة، دون أن يستبعد احتمال تضرر المغاربة المقدر عددهم بنحو 37 مليون نسمة عام 2023، من ارتفاعات بالأسعار «لن تتوجه لها المملكة حاليا».
وفي ظل محدودية احتياطيات النفط والغاز المحلية، تكشف بيانات قطاع الكهرباء في المغرب، أن قيمة فاتورة استيراد الطاقة في المملكة، سجّلت عام 2021 نحو 75 مليار درهم (7.6 مليار دولار)، وقفزت خلال 2022، إلى أكثر من 153 مليار درهم (15.42 مليار دولار)، وتراجعت في 2023 إلى 122 مليار درهم (12.45 مليار دولار)، وسط مستهدف حكومي اعتمد في 2009 لرفع مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 52% في 2030، والتي تجاوزت 44% حاليًا، وسط تقديرات حديثة لوزارة الانتقال الطاقي.
وتصدرت نقاشات برلمانية وإعلامية بشأن تحرير سوق الكهرباء عقب اعتماد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، في 11 نوفمبر الجاري المراجعة الثانية بموجب اتفاق أقر في سبتمبر 2023 مع المغرب، يسمح بصرف دفعة فورية بقيمة حوالي 415 مليون دولار، بعد شريحة أولى بقيمة 330 مليون دولار سحبت في مايو الماضي، بهدف مواجهة «معاناة القطاع الزراعي من موجة جفاف أخرى في عام 2024، واستمرار فقدان الوظائف بالقطاع»، وفق بيان للمجلس.
وقال الصندوق في البيان ذاته: «يتعين مواصلة التقدم نحو تحرير أسواق الكهرباء»، معتبرا إياه «بُعدا رئيسيا في إطار اتفاق لزيادة مشاركة القطاع الخاص في توليد الطاقة من مصادر متجددة باعتباره سيساعد المغرب على تحقيق أهدافه خاصة المساهمات المحددة وطنياً للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ وتحسين القدرة التنافسية للشركات والحد من الاعتماد على استيراد الوقود، وتحسين القدرة التنافسية للشركات، ودعم جهود توفير فرص العمل».
تلك التوصية، وصفتها النائبة فاطمة التامني، في جلسة بالبرلمان المغربي، في 12 نوفمبر الجاري، بأنها «إملاءات»، وهو ما دعا لرد سريع من فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزارة الاقتصاد خلال الجلسة ذاتها، مؤكدا أن «الرباط تجمعها مع المجموعة الدولية علاقة احترام صلبة تتم في إطار سيادة المغرب، وهي تقدم صورة واضحة بالبلاد المعنية بالتعاون المالي (معها)»، دون أن يحسم هل ستقبل الحكومة بالتوصية أم لا؟
وتزداد المخاوف الشعبية والبرلمانية من زيادة أعباء المواطنين حال أي تحرير كامل لقطاع الكهرباء، الذي تبلغ أسعاره في عام 2024 نحو 1.172 درهماً (0.118 دولاراً) لكل كيلوواط/ساعة في القطاع المنزلي، بينما تصل الأسعار للقطاع التجاري إلى 1.072 درهم (0.108 دولار) لكل كيلوواط/ساعة، وفقًا لموقع «غلوبال بترول برايسز» (GlobalPetrolPrices) المعني بإحصائيات الطاقة حول العالم، والتي أكدها الخبير الاقتصادي المغربي إدريس العيساوي، في حديث لـ «إرم بزنس».
وتلك الأسعار التي تحدد بموجب قرار حكومي للمستهلك لا تعكس التكلفة الحقيقية للإنتاج، كونها غير مرتبطة بالتكاليف المتغيرة، كما يعمل المكتب الوطني للكهرباء والماء (حكومي) على دعمها»، وفق ما يذكر مجلس المنافسة المغرب (حكومي)، في بيان صادر في 26 أبريل 2024، داعياً لتقليل هذه الفجوة بـ «إعادة تحديد أدوار المكتب ومهامه وتنظيمه، خاصة الفاعل الذي يهيمن على السوق في ظل ديونه التي تبلغ 100 مليار درهم (10 مليارات دولار) عند نهاية 2022».
وحرصاً على صيانة القدرة الشرائية للأسر ذات الدخل الضعيف، والاعتبارات البيئية وتنافسية اقتصاد البلاد والسيادة الطاقية، اقترح المجلس «إجراء انتقالي في انتظار بلوغ المخطط المقترح باستمرار الاشتغال في المدى المتوسط وفق نموذج هجين يقوم على تدخل الدولة والمنافسة في السوق في آن واحد، مع فصل أنشطة النقل عن أنشطة التجارية كالإنتاج والتوزيع من أجل إضفاء شفافية أكبر على التكلفة الحقيقية للكهرباء».
وباعتقاد الخبير الاقتصادي والمستشار الوزاري المغربي السابق، بدر الزاهر الأزرق، في حديث لـ«إرم بزنس»، فإن «تحرير سوق الكهرباء مطلب صندوق النقد أحد أهم الشركاء الاقتصاديين مع المغرب يُعد مطلباً لعدد كبير من القطاعات بالمملكة».
وبرأي بدر الزاهر الأزرق، فإن «مسألة تحرير السوق ضرورية، فلا يعقل اليوم أن يكون فاعل وحيد في المغرب هو الذي يوكل له مسألة إنتاج الكهرباء عبر وكالة تابعة للدولة، وهذا الأمر يجعل هناك ضغطاً كبيراً عليها، وفي نفس الوقت تحرمها من إمكانيات كبيرة للمستثمرين المغاربة يمكنهم إنتاج الكهرباء وبيعها لموزعين في المغرب، وبالتالي المساهمة في رفع إنتاجية الكهرباء وتخفيض الكلفة والثمن الذي تنتج به الكهرباء».
ويتوقع أن تلك المسألة «حاضرة في سلم أولويات الدولة وتفعيلها مسألة وقت، خاصة وأن سياسة تحرير أسواق الكهرباء تهم جميع القطاعات».
ولفت إلى أنه «منذ تسعينيات القرن الماضي، وجه الصندوق والبنك الدولي المغرب للخروج من الأزمات الاقتصادية التي شهدها في ثمانينيات القرن الماضي وكأن أولى خطواتها الخصخصة وإعادة تعريف دور الدولة بأنه مستفيد إستراتيجي يراقب ولا يتدخل في شأن استغلال مجموعة من القطاعات الاقتصادية كما كان سابقاً».
ووفق الأزرق: «انسحبت الحكومة المغربية وقتها من قطاعات، وتحررت قطاعات الموانئ والاتصالات والتأمينات، وهذا التحرير أحدث تطوراً كبيراً وزيادة في الإنتاج وخلق وظائف، وحققت تجارب ناجحة، وهذا يمكن تطبيقه في قطاع الكهرباء المستثنى، والذي يشهد حالياً وكالة حكومية تنتج وتوزع».
ومتطرقاً لعلاقة الصندوق بالمملكة، يوضح المحلل الاقتصادي المغربي، إدريس العيساوي، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن «العلاقات ترجع لسنوات عديدة، وعلى أكثر من مستوى، ووصلت لتوصية تحرير سوق الكهرباء وهي مسألة مهمة تواجه العديد من الإشكاليات خاصة، ومن شأنها أن تثقل كاهل مستهلك المغرب مع تحفظ الرأي العام المغربي عليها حسبما تناقلته وسائل الإعلام المحلية، ونظرته للصندوق أنه يعمل بمنطق الإملاءات وطلبه بالتخلي عن تلك التوصية لما لها من ضغوط على المواطن».
وبشأن التوصية، يعتقد العيساوي أنها «جاءت بعد دراسة لخبراء الصندوق الدولي من أجل تمكين القطاع الخاص المغربي من الدخول في استثمارات مهمة التي دأب المغرب القيام بها كخصخصة الطاقة الشمسية والرياح وهنا ينقل صندوق النقد التجارب العالمية، ويهتم أن يكون اقتصاد المغرب مثالاً لها»، مرجحاً أنه «لن يكون الرد الرسمي للسلطات الاقتصادية رفضاً، ولو كان كذلك سيكون مصحوباً بعدد من الاحتياطات، حتى يُبقي العلاقات طيبة، ويواصل التعاون، خاصة أن المغرب استفاد من تمويلات الصندوق منذ الثمانينيات والتسعينيات».
ويتوقع أن «هذه التوصية لن تكون الأولى والأخيرة بشأن قطاع الكهرباء من خبراء الصندوق التي يرونها إيجابية للاقتصاد، رغم أنها قد تزيد الأعباء والسخط لدى الرأي العام»، لافتاً أن «اقتصاد المغرب ينتظر انطلاقة ومشاريع هامة ستغير وجهته للأفضل مع السنوات المقبلة مع استضافة نهائيات كأس إفريقيا ونهائيات كأس العالم»، في إشارة إلى أولوية الاهتمام بمثل هذه المشروعات التي ستضخ مليارات الدولارات.
بالمقابل، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي بالمعهد العالي للتجارة في المغرب، المهدي فقير، في حديث لـ«إرم بزنس»، إن «سوق الكهرباء بالتأكيد في المغرب محررة بنسبة 100% بحكم وجود وكالة لتنظيم الطاقة وهي الوكالة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء، وبمقدور جميع الفاعلين الاقتصاديين الاستثمار في القطاع، وبالتالي نجد العديد من الشركات بعضها مملوك للدولة والبعض غير مملوك في ظل وجود فاعل تاريخي يسيّر هو المكتب الوطني للكهرباء والماء».
ويشير إلى «وجود شراكة بين القطاعين الخاص والحكومي في مجالات الطاقة الشمسية والرياح، بخلاف قطاع استيراد الألواح الشمسية وغيره وهو قطاع محرر، ويستفيد من عدد من الإعفاءات والتحفيزات»، لافتاً إلى أن «هناك قانوناً متطوراً يمكن من الإنتاج الذاتي للكهرباء، وتصريف الفائض عبر الشبكة المحلية لتوزيع الكهرباء».
وأكد أن «القول إن قطاع الكهرباء غير محرر هذا غير دقيق؛ فالتوزيع محرر بنسبة كبيرة»، موضحاً أن «ما ذكره صندوق النقد توصية، وليس إملاءات والقطاع محرر ومقنن، وليس به أي وجه من وجوه الاحتكار الحكومي، ومستمر في مساعي التطوير والاعتماد على الشراكات مع القطاع الخاص».
وفي يوليو 2023، بدأ المغرب بعد موافقة برلمانية، في تنفيذ القانون رقم 83.21، المعني بتحويل تدبير مياه الشرب والكهرباء والإنارة العمومية إلى الشركات متعددة الخدمات، وسط «مخاوف من تضمنه أعباءً اقتصادية محتملة على المغاربة، وتحويل خدمة الكهرباء من صيغة الخدمة العمومية والاجتماعية إلى صيغة الخدمة الربحية الاقتصادية، ويفتح مراجعة أسعار الكهرباء مستقبلاً»، وفق تقرير نشره «معهد واشنطن» في مايو 2024، عن «جدل خصخصة قطاع الكهرباء».
ورفع إنتاج القطاع الخاص والطاقات المتجددة إنتاج الكهرباء في المغرب بنسبة 5.7%، مقابل انخفاض نسبته 2.6% قبل سنة، وفق بيان لمديرية الدراسات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد في مايو الماضي.