تترقب الأسواق المصرية قراراً جديداً برفع أسعار الوقود، حيث تعكف لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية حالياً على دراسة تعديل الأسعار، وسط توقعات برفعها في شهر أبريل المقبل، ومخاوف من التداعيات على الأفراد والاقتصاد.
وتأتي هذه الزيادات المرتقبة في إطار التزام مصر باتفاقها مع صندوق النقد الدولي، والذي يهدف إلى إلغاء دعم الوقود بالكامل وتحقيق تسعير يعكس التكلفة الحقيقية بحلول نهاية العام الجاري، وفقاً لتصريحات سابقة لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
ويقدر صندوق النقد الدولي، الخفض المطلوب بخصوص دعم الوقود في مصر من 6.8 مليار دولار خلال العام المالي الماضي إلى 5.1 مليار دولار خلال العام المالي الجاري.
ورفعت الحكومة المصرية العام الماضي أسعار الوقود 3 مرات، كان آخرها في شهر أكتوبر، حيث زاد السولار 17% والبنزين بين 7.7% و13%، تنفيذاً لخطة متدرجة لرفع الدعم عن المحروقات بحلول نهاية العام الجاري.
وبحسب الزيادة الأخيرة، يباع سعر لتر «بنزين 80» مقابل 13.75 جنيه (0.27 دولار)، وسعر «بنزين 92» 15.25 جنيه (0.3 دولار)، و«بنزين 95» 17 جنيهاً شاملة القيمة المضافة، كما بلغت أسعار السولار 13.5 جنيه، وبلغ سعر الكيروسين 13.5 جنيه للتر، وطن المازوت لباقي الصناعات 9500 جنيه.
ومن المقرر أن تعقد لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية اجتماعها الشهر المقبل، إذ تجتمع كل 3 أشهر منذ العام 2019، لمراجعة الأسعار حسب الأسواق العالمية، وسعر الصرف، وفقاً لالتزامات سابقة مع صندوق النقد الدولي.
ويتوقع رئيس شعبة المواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية، حسن نصر، في تصريحات لـ«إرم بزنس»، أن تواصل اللجنة إقرار زيادات جديدة في أسعار الوقود خلال اجتماعاتها الثلاثة القادمة في 2025.
ورجّح نصر أن تكون الزيادة بنسب متفاوتة لا تتجاوز 10%، في إطار استكمال خطة الدولة لرفع الدعم عن الوقود تدريجياً بحلول نهاية العام 2025، وذلك على غرار الزيادات التي أقرتها اللجنة خلال اجتماعاتها الثلاثة في العام الماضي.
وتظهر بيانات وزارة المالية أن تكلفة دعم الوقود خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2024/2025، الذي بدأ في يوليو الماضي، وينتهي في 30 يونيو 2025، بلغت 39.3 مليار جنيه (770 مليون دولار).
وخصصت الوزارة في موازنة العام المالي الحالي نحو 154 مليار جنيه (3.02 مليار دولار) لدعم المواد البترولية، مقارنة بـ165 مليار جنيه (3.24 مليار دولار) في موازنة 2023/2024.
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن رفع الدعم عن المحروقات يؤدي إلى زيادة ملحوظة في تكاليف النقل والإنتاج، ما سينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات، ويجدد المخاوف من موجة تضخمية جديدة.
ويعتقد رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي، أن الحكومة قد تواجه تحديات كبيرة في إدارة هذه الزيادة التدريجية في الأسعار.
ويضيف الشافعي في حديثه مع «إرم بزنس» أن ارتفاع تكاليف الإنتاج سيتبعه بالضرورة زيادة في أسعار العديد من السلع الاستهلاكية، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين.
زيادة التضخم
ويخشى رئيس مركز العاصمة من أن يتسبب ذلك في عودة التضخم إلى الارتفاع مجدداً للمستويات التاريخية التي وصل إليها في عام 2023 بعد تراجعه خلال الأشهر الماضية.
وسجل معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية مزيداً من التراجع خلال فبراير الماضي، ليصل إلى 12.8% مقارنة بـ 24% في يناير السابق.
وجاء هذا الانخفاض المتسارع، بعد أن بلغ التضخم مستوى قياسياً عند 38% في سبتمبر 2023، متأثراً بقرار تحرير سعر الصرف في مارس من العام نفسه وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار.
ولا تقتصر تداعيات رفع الدعم على الأفراد فحسب، بل تمتد أيضاً إلى القطاعات الاقتصادية مثل النقل والصناعة والزراعة، إذ سترفع من تكاليف التشغيل والإنتاج، وفق الشافعي.
وتستهلك هذه القطاعات الوقود في عمليات التشغيل والإنتاج، حيث يتم توريد سعر طن المازوت للصناعات مقابل 9500 جنيه، والغاز الطبيعي مقابل 4 دولارات للمليون وحدة حرارية لمحطات الكهرباء، وللمصانع بسعر 5.57 دولار.
في الوقت الذي يواجه فيه المواطنون والشركات تحديات جراء رفع الدعم، يرى خبراء أن لهذه الخطوة فوائد اقتصادية في تقليل العجز بالموازنة العامة، وتوفير موارد إضافية يمكن استخدامها في تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية.
وفي نهاية ديسمبر الماضي، أعلنت وزارة المالية تراجع العجز الكلي للموازنة العامة بنحو 92 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو حتى نهاية نوفمبر من العام المالي 2024/2025، ليسجل 560.6 مليار جنيه، ما يعادل 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ652.6 مليار جنيه أو 4.6% من الناتج المحلي خلال الفترة نفسها من العام السابق.
ويؤكد أستاذ هندسة الطاقة والبترول بجامعة قناة السويس سامح نعمان، أن رفع الدعم عن الوقود يعد خطوة نحو تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في مصر، ومواصلة خطط تطوير مصادر الطاقة المتجددة والبديلة مثل الطاقة الشمسية والرياح.
وبحسب بيانات وزارة البترول، تستهلك مصر سنوياً نحو 16 مليار لتر سولار، و6.7 مليون طن بنزين سنوياً، و6 مليارات قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي.
فيما يشير نعمان، خلال حديثه مع «إرم بزنس»، إلى أن رفع الدعم عن الوقود سيكون له تأثيرات سلبية على شرائح واسعة من المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود. ولتخفيف هذه الآثار، يرى أن الحكومة المصرية اتخذت تدابير استباقية بإعلان حزمة حماية اجتماعية جديدة.
وأعلنت الحكومة المصرية في الشهر الماضي، زيادات في الرواتب والمعاشات على أن يبدأ تطبيقها يوليو المقبل مع العام المالي الجديد 2025-2026.
كما رفعت الدعم السلعي الموجه لبطاقات التموين بواقع 125 جنيهاً للأسرة ذات فرد واحد، و250 جنيهاً للأسرة ذات فردين فأكثر، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه بدلاً من 6 آلاف جنيه حالياً.