وسط أزمات مالية متفاقمة، وتحديات اقتصادية ضاغطة، تواجه مصر معادلة صعبة بين الحاجة الملحة لتمويل مشاريعها التنموية والتكيف مع تغير المناخ.
ورغم التحديات المالية، يرى خبراء أن الاقتصاد الأخضر في مصر يسير في الاتجاه الصحيح، لكن تبقى أمامه عقبات كبيرة، أبرزها: محدودية التمويل، وتوطين التكنولوجيا، وتطوير الكوادر البشرية المتخصصة.
تعد صعوبات التمويل العائق الأكبر أمام تحقيق مصر لطموحاتها في الاقتصاد الأخضر. فارتفاع الدين الخارجي إلى مستويات قياسية تناهز 160 مليار دولار يقلل من قدرة الدولة على تمويل المشاريع البيئية، في وقت تعاني فيه البلاد من ضغوط اقتصادية متزايدة.
هذا الوضع جعل الحكومة مضطرة للبحث عن حلول مبتكرة لتأمين التمويل لمشاريعها الخضراء.
وفي هذا السياق، أشار رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده، في تصريحات لـ«إرم بزنس» إلى أن مصر نجحت جزئياً بجذب التمويل عبر السندات الخضراء واتفاقيات الشراكة الدولية، لكن هذه الأدوات لا تزال غير كافية لسد الفجوة التمويلية الكبيرة.
فخلال السنوات الماضية، أصدرت مصر سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار في بورصة لندن، وأخرى بقيمة 500 مليون دولار في السوق الصينية، إضافة إلى سندات بقيمة 75 مليار ين «510 ملايين دولار» في السوق اليابانية.
وساهمت هذه السندات بتمويل مشاريع كبرى مثل محطة تحلية المياه في «الضبعة» التي تخدم أكثر من 57 ألف شخص يومياً.
وشدد عبده على أهمية تعزيز التمويل المحلي عبر دعم البنوك المحلية لتقديم تسهيلات ائتمانية ميسرة، وزيادة الاعتماد على الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
أكد الخبير البيئي مجدي علام لـ«إرم بزنس» أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر في مصر ضرورة ملحة لمواجهة تداعيات التغير المناخي، فرغم امتلاك البلاد إمكانيات هائلة في مجال الطاقة المتجددة خاصة في قطاعي الرياح والشمس، إلا أن هناك حاجة لتسريع وتيرة التنفيذ لضمان الحد من الانبعاثات الكربونية، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وتعكس الأرقام حجم التقدم في هذا القطاع، حيث ارتفعت القدرة المركبة لمشاريع طاقة الرياح والشمس من 887 ميغاوات، العام 2016، إلى أكثر من 5800 ميغاوات العام 2020.
ومن أبرز هذه المشاريع محطة «بنبان» الشمسية في أسوان، التي توفر الكهرباء لنحو 420 ألف منزل، وتساهم في تقليل انبعاثات الكربون بمئات الآلاف من الأطنان سنوياً.
إلى جانب التمويل، أشار علام إلى حاجة الاستدامة البيئية لتطوير التشريعات البيئية بشكل مستمر، ونشر الوعي المجتمعي حول أهمية هذه التحولات.
وشدد على ضرورة الاستثمار في تأهيل الكوادر الفنية لتسريع تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد البيئية بكفاءة.
كما جزم بحاجة ماسة إلى تأهيل المزيد من الخبرات المحلية المتخصصة، في وقت تشهد فيه أسواق العمل العالمية تحولاً نحو التقنيات الخضراء، والابتكار في مجال الطاقة.
ولهذا يرى أن الاستثمار في التكنولوجيا البيئية، مثل الهيدروجين الأخضر، والطاقة الشمسية، سيسهم في وضع مصر في صدارة الدول الرائدة في الاقتصاد الأخضر على مستوى المنطقة.
في خطوة طموحة، تسعى مصر إلى أن تصبح مركزاً عالمياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر، أحد مصادر الطاقة النظيفة، واستقطبت استثمارات تقدر بحوالي 40 مليار دولار لإنشاء سلسلة إنتاج متكاملة للهيدروجين الأخضر.
الحكومة المصرية وقعت عدة اتفاقيات، منها مشروع مشترك مع شركات فرنسية بقيمة 7 مليارات يورو، إضافة إلى شراكات مع شركات عالمية مثل (BP) و«مصدر» و«إنفينيتي باور».
كما أقرّت السلطات المصرية قانوناً يلزم بأن تكون 20% من مكونات مشاريع إنتاج الهيدروجين مصنوعة محلياً، ما يعزز مشاركة القوى العاملة المصرية، ويزيد القيمة المضافة للاقتصاد المحلي.
تأتي هذه الخطوات في وقت يزداد فيه الطلب العالمي على الطاقة النظيفة، مما يجعل من مصر لاعباً مهماً في هذا المجال في المستقبل القريب.
في ظل الضغوط المالية والأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، تبقى الفرص في الاقتصاد الأخضر مفتوحة أمام مصر، لكن تحقيق هذه الفرص يتطلب جهوداً متكاملة من الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني.
كما تحتاج مصر إلى تكثيف الجهود لتحسين تمويل المشاريع الخضراء، وتسريع التحول نحو الطاقة المتجددة، وتطوير الكوادر البشرية المتخصصة.
وإذا تمكّنت من تجاوز هذه التحديات، فإن الاقتصاد الأخضر في مصر قد يصبح نموذجاً رائداً في المنطقة، ويحقق الاستدامة البيئية والاقتصادية على المدى الطويل.