كلّما تسارعت وتيرة الأعمال في شركة ما، كلّما تحول وجود «مقعد» جاهز للمواهب المستقلة من كونه مجرّد ميزة إضافية إلى إستراتيجية أساسية. غالباً ما تكافح الشركات لتحافظ مشاريعها على المسار الصحيح؛ بسبب نقص المهارات أو الفجوات في الخبرة. وفقاً لمؤسسة غارتنر، يعود 45% من التأخير إلى صعوبة العثور على المواهب الماهرة بسرعة أو الحفاظ على إنتاجية الفرق الحالية. لا تكمن المشكلة في نقص المواهب فقط، ولكن في العيوب التي تتضمنها عملية استقطاب المهنيين المناسبين وضمّهم إلى منظومة القوى العاملة.
عندما تواجه الشركات صعوبات في العثور على المواهب، تلجأ غالباً إلى التوظيف الداخلي أو إلى الحلول قصيرة الأجل، والتي قد لا تلبي احتياجاتها بالكامل. وعندما يستعصي على الشركات حشد المواهب بسرعة للتصدي لمشروع ما، تباشر بإعطاء الأولوية لكفاءة التكلفة على المؤاءمة الأمثل للمشروع؛ مما يقود بدوره إلى حلقة مفرغة يتضاءل فيها الدافع وتواجه المشاريع المزيد من التأخير.
في المتوسط، يستغرق الأمر من ثلاثة إلى ستة أشهر للعثور على المواهب المناسبة. وحتى في هذه الحالة، قد لا تتجاوز نسبة إنتاجية الموظفين 31% من الوقت فقط.
في حين أن توظيف المواهب المناسبة قرار حاسم بلا شك، فإن مسألة توظيف موظف دائم أو مهني مستقل تستحق البحث الجاد. هناك العديد من العوامل التي يجب على الشركات مراعاتها عند توظيف مهنيين مستقلين، إلى جانب تحليل التكلفة والفائدة:
سنحلل فيما يلي التكلفة الفعلية لتعيين موظف بصورة دائمة. في حين أن تقديم 15,000 درهم شهرياً (180,000 درهم سنوياً) كراتب يبدو خالياً من أي تعقيدات، إلا أن التكلفة الفعلية أعلى من ذلك بكثير. تضيف المكافآت القائمة على الأداء، والتي تبلغ عادةً حوالي 10%، ما لا يقل عن 18,000 درهم أخرى، بينما تضيف ورسوم التوظيف، التي تتراوح من 15 إلى 25% من الراتب السنوي، 27,000 إلى 45,000 درهم؛ مما يجعل المجموع حوالي 225,000 درهم سنوياً.
بالإضافة إلى ذلك، ومع استحقاقات الإجازة المدفوعة الأجر لمدة 20-22 يوماً وحوالي أسبوع بدلاً لأيام المرض أو الطوارئ (حوالي 1.25 شهر)، تتقلّص فترة العمل الفعلية إلى 10.75 شهر. عندما نقسم التكلفة الإجمالية على هذا الرقم، نحصل على تكلفة شهرية حقيقية تبلغ 20,930 درهم إماراتي - أي حوالي 40% أعلى من الراتب المعلن عنه البالغ 15,000 درهم إماراتي؛ مما يسلط الضوء على أهمية وضع ميزانية تزيد بنسبة 20% على الأقل عن الراتب الأساسي للتعيينات الدائمة.
تختلف الطريقة التي نقيس بها تكلفة الاستعانة بخدمات مهني مستقل تماماً عن طريقة قياس تكاليف التوظيف الدائم. أولاً، عادةً ما يسخّر المحترفون المستقلون مهاراتهم المتخصصة مقابل أجر بالساعة أو مقابل رسوم المشروع. تتراوح رسوم التوظيف للوكالات في هذه الحالة من 10% إلى 30% من معدّل أجر الموهبة.
ولكن الأمر لا يتعلق بالتكاليف فحسب، إذ يوفر توظيف المهنيين المستقلين مجموعة من المزايا الأخرى التي تعمل على تحويل الأعمال وطريقة عمل الشركات على مستوى العالم، مثل إعفاء الشركات من عبء التأمين ضد البطالة وغير ذلك من النفقات المتعلقة بالموظفين. من خلال معالجة فجوات القدرة والإمكانات، تصل الشركات بسرعة إلى الخبرات المتخصصة، وخاصة في المناطق ذات النمو المرتفع مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يمكن للمواهب أن تكون عاملاً محورياً في نجاح أو فشل المشاريع على المدى الطويل.
يتيح نموذج المواهب عند الطلب زيادة قدرة الشركات على التوسع، مما يمكنها من إدارة ميزانيات المشاريع بكفاءة وتحويل الموارد دون القيود المرتبطة بتسريح العمال أو فترات الإشعار. يشكل هؤلاء المهنيون مجموعة موثوقة من المواهب الماهرة التي يمكن الوصول إليها حسب الحاجة؛ مما يقلل من الوقت والتكاليف المرتبطة بالتوظيف والتدريب - وهو أمر بالغ الأهمية خلال فترات العمل المتقلبة أو النمو المرتفع.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز العقلية الريادية لهذه المهارات من المرونة، وتجلب وجهات نظر جديدة تساهم بتسريع النتائج مع تجنب الأخطاء الشائعة. وفقاً لتوقعات شركة ماكينزي، قد لا تتمكن 75% من شركات فورتشن 500 من البقاء في السوق بحلول عام 2027، مما يجعل القدرة على الحفاظ على سير المشاريع وتنافسية الشركات من التعاقد مع خلال المواهب المستقلة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
غالباً ما يتم تجاهل المهارات والخبرات التي يتمتع بها المهنيون المستقلون، والتي تم صقلها من خلال سنوات من العمل. تقوم الشركات عادةً بتعيين خبير لإنجاز مهمة محددة، لذا تعكس رسومها تكلفة أعلى؛ لأنها تعكس تلك الخبرة. يتطلب المهنيون المستقلون الحد الأدنى من التدريب والتوجيه ويتمتعون بعقلية تنفيذية، كما تعتمد استقلاليتهم على جودة عملهم، لذا ينبغي أن تتوقع الشركات أن تدفع ما لا يقل عن 30% أكثر من الراتب الشهري المعلن.
وبالتالي؛ تعني هذه الدرجة من الجودة والتخصص أن يقدّم المهنيون المستقلون المزيد من المرونة وعائداً أعلى على الاستثمار. تعمل مهاراتهم وخبرتهم المتخصصة على دفع مسار المشاريع بكفاءة وفعالية أكبر؛ مما يجعلهم استثماراً ذكياً على الرغم من التكلفة المتوقعة.
يعتمد الحل المثالي لكل شركة على متطلباتها المحددة. في حال تطلّبت الشركة أن يشغل المهني دوراً يعتمد على الثقافة مثل منصب قيادي أو رئيس قسم، فقد يكون الموظف الدائم هو الخيار الصحيح. ومع ذلك، إذا كان المطلوب مهني متخصص لإنجاز مشروع معين، أو مزيد من المرونة في توسيع نطاق الفريق، فقد يكون المهنيون المستقلون خياراً أكثر فعالية من حيث التكلفة والكفاءة.
وأخيراً وليس آخراً، ينبغي النظر إلى قرارات التوظيف على أنها استثمارات إستراتيجية. فهم التكلفة الحقيقية للتعيين الدائم يساعد في تقدير قيمة المواهب المستقلة. لا يعني هذا أن تكلفة الموظف الدائم محسوبة بشكل خاطئ، بل يعكس الحاجة إلى تطوير النهج المتبع في التعامل مع الميزانية. تحتاج الشركات إلى تبني ثقافة توظيف قائمة على المهارات، وتعزيز المرونة حيثما أمكن بدلاً من الاعتماد الكلي على الموظفين الدائمين. عند موازنة التكلفة مقابل القيمة، تضمن الشركات إدارة نفقاتها بكفاءة وزيادة العائدات؛ مما يدفع النمو المستدام ويعزز النجاح على المدى البعيد.