يعتبر فهم تقلبات الأسواق عاملاً حاسماً في نجاح الاستثمار. رغم تعقيده الظاهري، فإن التقلب يلعب دوراً محورياً في ديناميكيات الأسواق المالية. تهدف هذه المقالة إلى إزالة الغموض عن مفهوم التقلب، وتوضيح أهميته، وطرق قياسه، ووضعه الراهن وفقاً لأحدث البيانات. فمن خلال فهم متعمق للتقلب، يمكن للمستثمرين اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة وتنفيذ إستراتيجيات تتوافق مع تحمل المخاطر وأهدافهم الاستثمارية.. رغم تعقيده الظاهري، فإن التقلب يلعب دوراً محورياً في ديناميكيات الأسواق المالية. تهدف هذه المقالة إلى إزالة الغموض عن مفهوم التقلب، وتوضيح أهميته، وطرق قياسه، ووضعه الراهن وفقاً لأحدث البيانات. فمن خلال فهم متعمق للتقلب، يمكن للمستثمرين اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة وتنفيذ إستراتيجيات تتوافق مع تحمل المخاطر وأهدافهم الاستثمارية.
تقلب السوق هو مقياس إحصائي لدرجة تباين عوائد أداة مالية أو مؤشر سوق معين. بمعنى آخر، هو مقياس لمدى تقلب سعر الأداة المالية بمرور الوقت. ويشير التقلب المرتفع إلى احتمالية حدوث تقلبات كبيرة في سعر الأداة المالية خلال فترات زمنية قصيرة، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، بينما يدل التقلب المنخفض على استقرار نسبي في سعر الأداة المالية. ويعتبر فهم التقلب، أمراً بالغ الأهمية لكل من المستثمرين والتجار، حيث يؤثر بشكل مباشر على تقييم المخاطر، وتسعير الخيارات، وإدارة المحافظ الاستثمارية، ومشاعر السوق، والتخطيط الإستراتيجي.
1. تقييم المخاطر: يستخدم المستثمرون والتجار التقلب كمعيار لتقييم المخاطر. فكلما كان التقلب أعلى، كانت المخاطر أعلى. لكنه أيضاً يعني إمكانية تحقيق عوائد أعلى. إذ يساعد فهم التقلب المستثمرين على تحديد مدى تقبلهم لمستوى المخاطر المرتبطة باستثمار معين. على سبيل المثال، قد يوفر سهم متقلب للغاية إمكانية تحقيق مكاسب كبيرة، ولكنه ينطوي أيضاً على خطر خسائر فادحة.
مثال: لنفترض أن هناك سهمين، (أ) و(ب):
● سهم (أ) لديه تقلب تاريخي بـ 10%، ما يعني أن سعره يتقلب عادةً بـ 10% سنوياً.
● سهم (ب) لديه تقلب تاريخي بـ 40%، ما يشير إلى أن سعره يمكن أن يتقلب بـ 40% سنوياً. قد يفضل المستثمر الباحث عن الاستقرار سهم (أ)، بينما قد ينجذب المستثمر الأكثر تقبلاً للمخاطرة إلى العوائد المرتفعة المحتملة لسهم (ب).
2. تسعير الخيارات: يعتبر التقلب مكوناً أساسياً في نماذج تسعير الخيارات. يدمج النموذج الأكثر استخداماً، وهو نموذج "بلاك-شولز" (Black–Scholes)، التقلب مباشرة لتحديد القيمة العادلة للخيار. عادةً ما يزيد التقلب المرتفع سعر الخيارات، لأن احتمال حدوث تقلبات كبيرة في السعر (وبالتالي فرصة انتهاء الخيار في المكسب) يكون أعلى. وهذا يجعل فهم التقلب أمراً ضرورياً للمتداولين في الخيارات.
مثال: افترض أن خياراً آجلاً مدته 30 يوماً له سعران مختلفان حسب التقلب:
● عند تقلب 20%: سعر الخيار هو 5 دولارات.
● عند تقلب 40%: سعر الخيار هو 10 دولارات. تؤدي مضاعفة التقلب من 20% إلى 40% إلى مضاعفة سعر الخيار أيضاً، ما يوضح حساسية تسعير الخيارات للتغيرات في التقلب.
3. إدارة المحافظ الاستثمارية: يعتبر التقلب أمراً بالغ الأهمية لإدارة المحافظ الاستثمارية وإستراتيجيات التنويع. حيث يسعى المستثمرون إلى تحقيق توازن في محافظهم الاستثمارية لتحقيق مزيج مثالي من المخاطر والعائد. يساعد فهم تقلب الأوراق المالية الفردية والعلاقات بينها في بناء محفظة متنوعة تسهم في تقليل المخاطر، حيث يمكن للمستثمرين تقليل المخاطر الإجمالية لمحافظهم الاستثمارية من خلال توزيع الاستثمارات على الأصول ذات مستويات التقلب المختلفة.
مثال: محفظة تتكون من:
● %50 سهم (أ) (تقلب 10%)
● %50 سهم (ب) (تقلب 40%)
سيكون تقلب المحفظة الإجمالي أقل من متوسط تقلبات الأوراق المالية الفردية إذا لم تكن الأسهم مرتبطة تماماً. وهذا يوضح فائدة التنويع.
4. معنويات السوق: غالباً ما يعكس التقلب معنويات السوق. يمكن أن يشير التقلب المرتفع إلى عدم اليقين والخوف بين المستثمرين، ما يؤدي إلى تقلبات حادة في السوق. وعلى العكس من ذلك، قد يشير التقلب المنخفض إلى الرضا أو الثقة.
من خلال مراقبة التقلب، يمكن للمستثمرين اكتساب رؤى حول معنويات السوق وتعديل إستراتيجياتهم وفقاً لذلك.
مثال: خلال الأزمة المالية لعام 2008، ارتفع مؤشر التقلب إلى أكثر من 80، ما يعكس الخوف وعدم اليقين الشديدين. وعلى النقيض من ذلك، خلال فترات الاستقرار الاقتصادي، يظل مؤشر التقلب عادةً حول 10-20.
5. التخطيط الإستراتيجي: بالنسبة إلى المتداولين، خصوصاً أولئك الذين يفضلون إستراتيجيات تداول قصيرة الأجل، يعدّ التقلب عاملاً رئيساً في تخطيط التداول. قد توفر بيئات التقلب العالية المزيد من فرص التداول؛ بسبب التقلبات السعرية الكبرى، بينما قد تتطلب التقلبات المنخفضة إستراتيجيات مختلفة، مثل التداول في نطاق ضيق. وبالتالي، يجب على المتداولين تكييف نهجهم بناءً على ظروف التقلب السائدة لزيادة فرص النجاح.
مثال: قد يبحث المتداول على أساس يومي عن أسهم ذات تقلبات يومية تبلغ 5% أو أكثر للاستفادة من تحركات الأسعار خلال اليوم، بينما قد يركز متداول على المدى المتوسط على الأسهم ذات التقلبات الأقل من أجل اتجاهات أكثر استقراراً وطويلة الأجل.
1. التقلب التاريخي:
يتم حساب التقلب التاريخي بناءً على تحركات الأسعار السابقة خلال فترة زمنية محددة. وهو يوفر مقياساً تجريبياً لمدى تقلب سعر الأوراق المالية في الماضي. ويساعد هذا المقياس المستثمرين على فهم سلوك الأصول والتنبؤ بالتقلب المستقبلي.
مثال: إذا تراوح سعر سهم ما بين 100 دولار و120 دولاراً خلال العام الماضي، فقد يتم حساب تقلبهه التاريخي بـ 20%.
2. التقلب الضمني
يتم اشتقاق التقلب الضمني من أسعار خيارات الأوراق المالية، وهو يمثل توقعات السوق للتقلبات المستقبلية. يشير التقلب الضمني المرتفع إلى أن السوق تتوقع حدوث تحركات أسعار أكبر في المستقبل. هذا المقياس مفيد بشكل خاص للمتداولين في الخيارات الذين يتطلعون إلى قياس معنويات السوق واتخاذ قرارات تداول مدروسة.
مثال: إذا كان التقلب الضمني لخيار سهم ما هو 30%، فهذا يعني أن السوق تتوقع أن يتحرك سعر السهم بـ 30% خلال أجل الخيار.
3. مؤشر "فيكس" (VIX): مقياس التخوف
يعد مؤشر "فيكس"، الذي يُشار إليه غالباً باسم "مقياس التخوف"، أحد أشهر مقاييس تقلب السوق. يقيس "فيكس" توقعات السوق للتقلب لمدة 30 يوماً لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500". يتم حسابه بناءً على أسعار خيارات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، وهو مؤشر يستخدم على نطاق واسع لقياس معنويات السوق.
آلية عمل مؤشر "فيكس"
يتم اشتقاق مؤشر "فيكس" من أسعار خيارات "ستاندرد آند بورز" قصيرة الأجل. ويعكس توقعات السوق للتقلب على مدار الـ 30 يوماً المقبلة. عندما يكون مؤشر "فيكس" مرتفعاً، فهذا يدل على أن المستثمرين يتوقعون تقلبات أسعار كبيرة في المستقبل القريب. وعلى العكس من ذلك، يشير مؤشر "فيكس" المنخفض إلى أن المستثمرين يتوقعون أسعاراً مستقرة نسبياً.
مثال: خلال فترات الاستقرار السوقي، قد يكون مؤشر "فيكس" عند نحو 12-15. وفي أوقات الضغوط أو عدم اليقين في السوق، يمكن أن يرتفع مؤشر "فيكس" فوق 30-40.
إضافة إلى مؤشر "فيكس" المعروف، هناك العديد من مؤشرات التقلب الأخرى التي توفر رؤى حول جوانب مختلفة من سلوك السوق. في ما يأتي وصف موجز لبعض هذه المؤشرات:
● VIX1D: يقيس التقلب المتوقع لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" على مدار اليوم التالي.
● VIX9D: يقيس التقلب المتوقع لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" على مدار تسعة الأيام المقبلة.
● VIX: يقيس التقلب المتوقع لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" على مدار الـ30 يوماً المقبلة.
● VX1!: يمثل توقعات السوق للتقلب المستقبلي بناءً على عقود (VIX) الآجلة.
● ES1!: يتتبع عقود "ستاندرد آند بورز 500" الآجلة.
● NQ1!: يتتبع عقود مؤشر "ناسداك 100" الآجلة.
● VVIX: يقيس التقلب المتوقع لمؤشر (VIX) نفسه.
● SKEW: يقيس المخاطر الذيلية المتصورة لتوزيع عوائد "مؤشر ستاندرد آند بورز 500".
● COR3M: يقيس الارتباط المتوقع بين مكونات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" على مدار الأشهر الثلاثة المقبلة.
● DSPX: يقيس التشتت المتوقع للعوائد بين مكونات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500".
يعد فهم التقلب أمراً بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات استثمارية مدروسة، وإدارة المخاطر، وتطوير إستراتيجيات التداول. ويمكن للمستثمرين، من خلال مراقبة التقلب، التعامل بشكل أفضل مع تعقيدات الأسواق المالية. ويعتبر مؤشر "فيكس" بشكل خاص أداة قوية لقياس معنويات السوق وتوقع تقلبات الأسعار المستقبلية. وسواء كنت تتداول خيارات أو مستثمراً طويل الأجل أو متداولاً قصير الأجل، فإن الإلمام بالتقلب وآثاره يمكن أن يعزز نهجك الاستثماري، ويحسن فرص نجاحك في الأسواق المالية.