يتزامن دخول جيل جديد من المستثمرين إلى الأسواق المالية، مع ظهور جيل جديد من المستشارين الماليين ذوي وجهات النظر المالية المبتكرة، وهم مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت منصات مثل «تيك توك» و«إنستغرام» المصدر الرئيس للمعلومات المالية لـ«الجيل زد»، ما يؤثر تأثيراً كبيراً في الطريقة التي يديرون بها أموالهم، ويحققون النمو فيها.
كشفت دراسة أجرتها هيئة تنظيم القطاع المالي الأميركية ومؤسسة التعليم الاستثماري ومعهد المحللين الماليين المعتمدين في عام 2023، أن 37% من مستثمري «جيل زد» الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً فأكثر، أشاروا إلى مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها عاملاً رئيساً في قرارهم البدء في الاستثمار، وتسلط هذه الإحصائية وحدها الضوء على التأثير المتزايد لـ«المؤثرين الماليين» الذين يستخدمون منصات مثل «تيك توك» و«إنستغرام» و«يوتيوب» لمشاركة النصائح والمعلومات المالية مع ملايين المتابعين الشباب.
يثير هذا الاتجاه المتصاعد قلق الخبراء الماليين، الذين يتساءلون عن استدامة منهج هذا الجيل في إدارة الأموال، ولفهم تأثير المؤثرين الماليين على «الجيل زد»، من الضروري إدراك أن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أهميتها، ليست العامل الوحيد المؤثر، بل إن العوامل النفسية العميقة، والتربية، تلعب أيضاً دوراً حاسماً، على سبيل المثال، قد يكون انغماس «الجيل زد» في التكنولوجيا في سن مبكرة، قد أسهم في تشكيل سلوكات استثمارية قصيرة الأجل، بما في ذلك مدة الاحتفاظ بالاستثمارات وتحمل المخاطر، علاوة على ذلك، لا يزال من السابق لأوانه تحديد مسار تطور آراء «الجيل زد» المالية في المستقبل.
ويمكن أن يُعزى نجاح المؤثرين الماليين إلى قدرتهم الفريدة على التواصل مع جمهور عريض، وتسهيل المفاهيم المالية المعقدة إلى محتوى سهل الفهم يتلاءم مع اهتمامات الشباب، وتقدم التوعية المالية التقليدية، المتوافرة على المواقع الإلكترونية أو في المجلات، الخدمة ذاتها، ومع ذلك، لم تتمتع هذه التوعية بالجاذبية المطلوبة لدى «الجيل زد»، ويعود ذلك إلى طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي غير الرسمية، فبدلاً من قراءة مقال طويل، يمكن لفيديو على «تيك توك» أو «إنستغرام» أن ينقل الرسالة ذاتها في أقل من دقيقة، لتلبي تفضيل «الجيل زد» للحصول على معلومات سريعة في أثناء التنقل.
في ظل تزايد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يُطرح سؤال مهم، وهو: هل يحصل المستثمرون الأصغر سناً على النصائح الصحيحة؟ تُظهر الأبحاث التي أجراها معهد المحللين الماليين المعتدين، أن المؤثرين الماليين الأكثر شعبية غالباً ما يقدمون نصائح معقولة تتماشى مع توصيات منظمات حماية المستثمرين، مثل لجنة الأوراق المالية والبورصة الأميركية، على سبيل المثال، يقدم هؤلاء المؤثرون نصائح متكررة بشأن إنشاء صندوق ادخار للطوارئ، وسداد الديون بفائدة عالية قبل الاستثمار، ويحذّر كثيرون منهم من مخاطر التداول النشط للأسهم الفردية، ويدعون إلى إستراتيجيات الاستثمار السلبي، مثل صناديق الاستثمار المتداولة وصناديق المؤشرات.
من الملاحظ بشكل خاص أن بناء الثروة والاستقلال المالي يكتسب أهمية متزايدة لدى «الجيل زد» مقارنة بالأجيال السابقة، ومع ذلك فإن عدم توافر التعليم المالي الأساسي في كثير من المدارس قد أدى إلى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها بديلاً رئيسًا، وتشجع اتجاهات مثل «الميزانية الصاخبة» على «تيك توك» المستخدمين على ضبط الإنفاق المفرط والتعرف على حدودهم المالية، ما يوفر توجيهاً حيوياً في ظل اعتماد كثيرين على الدخل الشهري.
مع ذلك، لا يخلو تأثير المؤثرين في المجال المالي من السلبيات، إذ يركز جزء كبير من محتواهم على الترويج للاستثمارات والتوصيات، ما قد يكون مضراً، فقد وجد معهد المحللين الماليين المعتمدين أن ما يقرب من 25% من محتوى المؤثرين في المجال المالي يتضمن الترويج لاستثمارات، وأن 20% فقط من المنشورات تتضمن أي شكل من أشكال الإفصاح، وبسبب قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على الانتشار السريع، يمكن أن تنتشر النصائح الجيدة والسيئة بسرعة كبيرة، وقد يقع بعض المستخدمين في فخ التوجهات التي تعد بمكاسب سريعة، مثل أسهم «الميم» أو الاستثمارات ذات المخاطر المرتفعة، من دون فهم المخاطر الكاملة، وأن الضغط لمواكبة أقرانهم الذين يظهرون نجاحهم المالي على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يؤدي إلى الإنفاق الاندفاعي، أو اتخاذ قرارات مالية محفوفة بالمخاطر.
ويعدُّ «الجيل زد» جيلاً جديداً يدخل سوق العمل، ما يجعل من الضروري بالنسبة إليهم العثور على معلومات مالية موثوقة، للتعامل مع الكم الهائل من النصائح المتاحة عبر الإنترنت، من الضروري التحقق من مصداقية الأشخاص الذين يقدمون التوجيه بدقة وخلفياتهم، ابحث عن الأدلة والبيانات التي تدعم الادعاءات، إذ يجب أن تكون النصائح المالية السليمة مبنية على التحليل، وليس مجرد الرأي، وأخيراً، تحقق دائماً من التفاصيل الصغيرة، إذ غالباً ما تُخْفَى الإفصاحات الأساسية، مثل تضارب المصالح المحتمل.
مع استمرار «الجيل زد» في تشكيل المشهد المالي، من المحتمل أن يزداد دور المؤثرين الماليين أهمية، ولكن يجب أن يترافق مع هذه القدرة على التأثير، المسؤولية في التعامل مع النصيحة المالية بشكل نقدي، والتأكد من أن السعي وراء الثروة مبني على أساس متين من المعرفة وصنع القرار السليم.