تحول وادي السيليكون، الذي كان ذات يوم معقلًا للابتكار التكنولوجي بعيداً عن السياسة الحزبية، إلى ساحة معركة للأيديولوجيات السياسية، وذلك وفقاً لتقرير لمجلة "فورتشن".
تاريخياً، تجنّب قادة التكنولوجيا ومؤسسو الشركات الناشئة عالم السياسة الفوضوي، وركزوا بدلاً من ذلك على النمو والتقدم التكنولوجي. ومع ذلك، تكشف الأحداث الأخيرة عن تحوّل دراماتيكي، حيث انخرطت النخبة التكنولوجية في وادي السيليكون في مناقشات سياسية شرسة، تعكس انقسامات وطنية أوسع.
أثار إيلون ماسك مؤخراً الجدل بمشاركة مقطع فيديو معدل لكامالا هاريس، حيث يتحدث صوتها المعدل بالذكاء الاصطناعي بطريقة تسخر من نفسها.
واتهم النقاد، بمن فيهم حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، ماسك بنشر فيديو مزيف، وفي المقابل دافع ماسك عن الفيديو، مشيراً إلى أنه كان معنوناً بوضوح على أنه "فكاهي". وتسلّط هذه الحادثة الضوء على زيادة انخراط الشخصيات البارزة في التكنولوجيا في الخطاب السياسي المتوتر، وهو ما يمثل تحوّلاً كبيراً عن موقف الوادي الذي كان غير سياسي في السابق.
وبحسب التقرير، أصبح الانقسام السياسي في وادي السيليكون واضحاً بشكل كبير، حيث يدعم قادة التكنولوجيا والمستثمرون علناً مرشحين من أطراف مختلفة. وقد أثار تبرع شون ماغواير، الشريك في شركة "سيكويا كابيتال"، بمبلغ 300,000 دولار لحملة دونالد ترامب ردود فعل سلبية، حيث اعترف ماغواير بتكلفة موقفه السياسي على الصعيد الشخصي، وقال: "فقدت الكثير من الأصدقاء، وخيّبت آمال عائلتي أيضاً. لكن لا بأس، كنت أتوقع ذلك. من المحزن أننا نعيش في زمن من الاستقطاب المتطرف".
أكد التقرير أن التوتر يتضح بشكل أكبر من خلال جمع التبرعات والتأييدات رفيعة المستوى، إذ استضاف ديفيد ساكس، رجل الأعمال، حملة لجمع التبرعات لترامب في منزله في سان فرانسيسكو، وجمع 12 مليون دولار. وأبرز هذا الحدث النفوذ المالي الكبير الذي يتمتع به مؤيدو الحزب الجمهوري في مدينة ليبرالية تقليدياً.
على الجانب الآخر، ساهمت شخصيات بارزة مثل المؤسس المشارك لشركة "نتفليكس" ريد هاستينغز بمبلغ 7 ملايين دولار لدعم هاريس، مما يوضح الانقسام السياسي الحاد داخل مجتمع التكنولوجيا.
المشهد السياسي في وادي السيليكون تحول بشكل ملحوظ منذ الحملات الانتخابية السابقة لصالح ترامب، إذ يشير المستثمر برادلي توسك إلى تحول كبير من الموقف العام الذي كان مؤيداً للديمقراطيين في الانتخابات الماضية إلى بيئة سياسية أكثر تنوعاً.
وكان دعم بيتر ثيل، الملياردير الأميركي، لترامب في عام 2016 مؤشراً مبكراً على هذا التحول، والآن أصبح بعض القادة مثل مارك أندريسن وبن هورويتز متحالفين مع ترامب، بينما دعم آخرون مثل شيريل ساندبرغ ورون كونواي المرشحة هاريس.
لا يعتبر المناخ السياسي الحالي مصدراً للانقسام فحسب، بل له أيضاً تداعيات اقتصادية ملموسة. فخلال إدارة بايدن، أدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى تباطؤ الاكتتابات العامة الأولية والاستحواذات، مما أثر في سيولة الشركات الناشئة والمستثمرين.
بالإضافة إلى ذلك، تحدت لجنة التجارة الفيدرالية الصفقات الكبرى، مثل استحواذ شركة "أدوبي" على شركة "فيغما" مقابل 20 مليار دولار، مما زاد ضغوط البيئة الاقتصادية لقطاع التكنولوجيا.
وبحسب التقرير، أضاف الأداء المضطرب لقطاع العملات المشفرة بعداً آخر للانقسام السياسي، إذ ينتقد العديد من أعضاء مجتمع العملات تعيين بايدن لغاري غينسلر كرئيس للهيئة التنظيمية للأوراق المالية؛ بسبب السياسات التي يعتقدون أنها تضر بصناعتهم.
وأثار تأييد شركات مؤثرة مثل "أندريسن هورويتز" لترامب ردود فعل متباينة، حيث أعرب بعض المطلعين على الصناعة عن انزعاجهم، وشعروا أن مثل هذه التأييدات تعرّض قيم مجتمع التكنولوجيا للخطر. وعلى العكس من ذلك، اختارت "سيكويا كابيتال" عدم اتخاذ موقف سياسي، مما يعكس الرغبة في البقاء على الحياد وسط الاستقطاب المتزايد.
ومع اقتراب موعد انتخابات عام 2024، أكد التقرير أن انخراط وادي السيليكون في المناقشات السياسية يسلط الضوء على انحراف كبير عن تركيزه التقليدي على التكنولوجيا والأعمال. وأضاف أن انخراط قطاع التكنولوجيا في الحزبية السياسية يؤثر في المشهد الاقتصادي، ويشكّل مستقبل كل من الصناعة والساحة السياسية الأوسع.