وتتجه شركات الطيران، عادة، نحو التحوط من ارتفاع أسعار النفط، حينما تتوقع زيادة الأسعار، فتشتري عقودا من المشتقات النفطية بأسعار أقل قبل حدوث الارتفاع.
وتزايدت أهمية التحوط من ارتفاع أسعار النفط، مع صدور تقرير حديث للبنك الدولي، يتوقع 3 سيناريوهات لارتفاع أسعار النفط، بسبب مخاطر استمرار حرب إسرائيل على قطاع غزة، يصل الأسوأ منها بأسعار النفط إلى أكثر من 150 دولارا للبرميل.
الدكتور نهاد إسماعيل خبير اقتصاديات الطاقة، لفت إلى أن سياسة التحوط هي استراتيجية تلجأ إليها الشركات للحماية من تقلبات الأسعار، في إطار السيطرة على المخاطر وتقليل الخسائر المحتملة.
وأضاف المحلل، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن شركة "لوفتهانزا" الألمانية، وقعت عقودا تغطي 74% من احتياجات وقود الطائرات لعام 2024، بسعر 951 دولارا للطن، وهو نفس النهج الذي اتجهت إليه شركات أخرى مثل "إير كندا"، و "إير فرانس"، وخطوط النرويج.
وتواصل شركات الطيران، سياسة التحوط، رغم هبوط أسعار النفط إلى مستويات ما قبل 7 أكتوبر الماضي، حيث انخفضت العقود الآجلة لخام برنت إلى 84.89 دولار للبرميل، في حين تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى 80.51 دولار للبرميل.
ولتفادي أي زيادة مفاجئة في أسعار النفط في ظل استمرار حرب إسرائيل على قطاع غزة، قالت شركة "إير فرانس- كيه إل إم"، إنها تقترب من تحقيق 70% من نسبة التحوط المستهدفة، كما أعلنت شركة "دويتشه لوفتهانزا" عن تحوطها بأكثر من 70% للعام المقبل، مقارنة بـ 20% خلال الفترة نفسها قبل عام.
أما شركة "آي أيه جي" المالكة لـ "بريتيش إيرويز" فأعلنت عن تغطية تحوط أعلى لنهاية العام الجاري والعام المقبل، مما كانت عليه قبل عام. وأوضح نهاد إسماعيل خبير اقتصاديات الطاقة، أن التحوط أمر مهم، خاصة إذا اتسعت رقعة الحرب، وتورطت إيران، ووقتها سيتم فرض عقوبات أميركية وأوروبية على طهران، وهو ما قد يوقف تدفق النفط الإيراني للأسواق العالمية.
وأضاف أن السيناريو الأشد خطرا، هو محاولة أي طرف عرقلة الملاحة البحرية في مضيق هرمز، الذي يمر منه نحو 20% من نفط العالم يوميا، أي نحو 20 مليون برميل من النفط الخام يوميا، وهو ما قد يرفع أسعار النفط إلى نحو 200 دولار للبرميل، كما سترتفع تكلفة التأمين البحري، وتكلفة استئجار ناقلات النفط، وهو ما يرفع أسعار الوقود، ويكبد الشركات خسائر ضخمة في حال عدم تحوطها من ذلك الارتفاع.
ويعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، حيث يربط منتجي النفط في الشرق الأوسط، مع أسواق آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية وما وراءها، وقد هددت إيران من قبل أكثر من مرة بإغلاقه.
وأكد أنه بناء على هذه التوقعات يصبح خيار التحوط، واتباع استراتيجية لوضع حد أدنى من التعرض للمخاطر، أمرا هاما ومفيدا للشركات، فهناك فوائد منها جني الأرباح وتقليل الخسائر إذا حدثت تطورات سلبية مفاجئة، مثلما حدث خلال فترة وباء كورونا، حيث تكبدت الشركات خسائر ضخمة بسبب انهيار الطلب على السفر بسبب الإغلاق.
من جانبه، قال الدكتور عامر الشوبكي، الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة، إن التحوط يقي شركات الطيران من خسائر كبيرة قد تلحق بها نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، وهو ما يسمح للشركات المتحوطة من الاستمرار في المنافسة.
وتابع خلال حديثه لـ"إرم الاقتصادية": "أما في حال انخفاض أسعار النفط فإن شركات الطيران، تتحمل قيمة التأمين التي تدفعها للتحوط بما يحملها تكاليف إضافية".
بدوره، يلفت المهندس مدحت يوسف، النائب الأسبق لهيئة البترول المصرية، إلى أن عملية التحوط ترتبط بقدرة الشركات، على مواجهة تذبذب الأسعار صعودا وهبوطا، مشيرا إلى أن الشركات الأكثر خبرة وقدرة على التعامل مع إجراءات التحوط، تستطيع إخماد الخسائر إذا حدثت.
وأضاف، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن الشركات التي ليست لديها خبرة جيدة في التعامل مع إجراءات التحوط، عادة ما تحقق خسائر تتمثل في قيمة مصروفات التأمين الخاص بالتحوط، وليس في فروق أسعار الوقود.
وكان تقرير للبنك الدولي، صدر قبل أسبوع، قد أشار إلى إمكانية ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل، وحدد لذلك الارتفاع 3 سيناريوهات، بسبب المخاطر المحتملة لحرب إسرائيل على قطاع غزة.
السيناريو الأول، بحسب البنك الدولي، هو "الاضطراب البسيط"، الذي يعادل تأثيره انخفاض إنتاج النفط، الذي حدث خلال الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011، بما يتراوح بين 500 ألف ومليوني برميل يوميا، وهو ما قد يدفع أسعار النفط إلى نطاق بين 93 و102 دولار للبرميل في الربع الرابع.
أما السيناريو الثاني وهو "الاضطراب المتوسط"، الذي يعادل تقريبا أثر حرب العراق عام 2003، فسوف يقلص إمدادات النفط العالمية ما بين 3 إلى 5 ملايين برميل يوميا، ما يدفع الأسعار للارتفاع إلى ما بين 109 و121 دولارا للبرميل.
في حين يدفع السيناريو الثالث الذي حدده البنك، وهو سيناريو "الاضطراب الكبير"، أسعار النفط للارتفاع بنسبة 75% ليصل إلى 140 و157 دولارا للبرميل، وهو أقرب لتأثير الحظر النفطي العربي عام 1973 والذي تسبب في تراجع إمدادات النفط العالمية بين 6 إلى 8 ملايين برميل يوميا.