العودة إلى المكاتب.. قرارات سريعة تتسبب في فوضى لوجستية

تشهد العديد من الشركات والمؤسسات تحديات كبيرة مع إصدار قرارات عودة الموظفين إلى المكاتب لمدة 40 ساعة كل أسبوع بعد سنوات من العمل عن بُعد.

فبينما تتطلب هذه العودة استعدادات لوجستية مكثفة، كشفت التجربة عن مشكلات كبيرة كازدحام المكاتب، ونقص مواقف السيارات، وضغوط التنقل اليومي الأمر الذي يؤرق العمال وأصحاب العمل على حد سواء.

ازدحام وفوضى

في واشنطن، على سبيل المثال، طُلب من موظفي البحرية الأميركية المدنيين العودة إلى العمل بدوام كامل من ساحة البحرية في المدينة، وهو ما كان من المتوقع أن يجلب 17 ألف عامل إلى المنطقة. 

ووفقاً لعضو مجلس مدينة واشنطن تشارلز ألين، فإن ساحة البحرية لا تضم ​​سوى 4473 موقفاً للسيارات، ما يمثل فجوة كبيرة أمام الموظفين، حسب ما نقلت صحيفة «فاينانشال تايمز».

وكتب ألين على موقع (X): «إن مطالبة العاملين جميعهم بالحضور دون مساعدة الوكالات في التخطيط هو فوضى»، مطالبًا سكان واشنطن بتجنب السير في تلك المنطقة بسبب الزحام الشديد.

عندما صدرت أوامر لموظفي شركة «أمازون» الشهر الماضي بالعودة إلى العمل بدوام كامل، واجه بعضهم صعوبة في العثور على موقف سيارات ومكاتب، وفقاً لأحد أعضاء فريق العمل.

وقالت أمازون في بيان إنها استمعت إلى أفكار للتحسين، من عدد صغير نسبياً من الموظفين، وأرجأت مواعيد العودة إلى المكاتب للموظفين العاملين في بعض المباني في أوستن ودالاس وفينيكس وأتلانتا ونشفيل وهيوستن؛ لأن أماكن عملهم لم تكن جاهزة. 

كما اشتكى العديد من العاملين في شركات «فورتشن 500» من أن حملات إحضار الموظفين للمكاتب قد طغت على أماكن العمل غير المجهزة للعمل بكامل طاقتها منذ سنوات.

وتراوحت المضايقات من الانتظار الطويل للمصاعد إلى أماكن العمل المزدحمة ومواقف السيارات المزدحمة، ويعمل بعض أصحاب العمل على الحصول على مساحة أكبر أو تكييف المباني الحالية لاستيعاب الموظفين بدوام كامل.

وفي يناير الماضي، أبلغ بنك «جي بي مورغان» موظفيه العالميين أنه يتعين عليهم العودة إلى المكتب 5 أيام في الأسبوع اعتباراً من مارس المقبل، لكنه حذر من أن عدم كفاية السعة في مبانيه يعني أن بعضهم سيستمر في جدول زمني هجين مؤقتاً.

والعمل الهجين هو أسلوب يسمح لبعض الموظّفين بأداء مهام عملهم من المنزل، بينما يباشر بعضهم الآخر العمل من مقر المنشأة بالتبادل.

العودة إلى تحسين الإنتاجية

نيكولا هانكوك، من شركة استقطاب المواهب (AMS)، قالت إن الشركات التي أصدرت توجيهات بالعودة إلى المكتب تعتقد أن تحسين التعاون والإنتاجية والتدريب يستحق الاضطراب.

وأضافت أنه في حين أن لوجستيات العودة قد تكون صعبة، إلا أنها قد تكون في الأمد البعيد أكثر سهولة من التعامل مع طاقم مشتت بعضه في المكتب وبعضه في المنزل.

وتشير الإحصاءات إلى أن مستويات العمل من المنزل ظلت ثابتة بشكل ملحوظ، وهذا أمر محير، حتى بالنسبة للخبراء الذين كانوا يدرسون العمل عن بعد قبل فترة طويلة من انتشار الوباء.

وتُظهر أبحاث نيك بلوم، أستاذ الاقتصاد بجامعة ستانفورد، التي تتضمن استطلاعات شهرية لآلاف العمال في الولايات المتحدة، أن حصة العمل الذي يقومون به من المنزل ارتفعت من أقل من 10% قبل كوفيد إلى 61% في ذروة الوباء في عام 2020، قبل أن تتراجع إلى حوالي 30% في عام 2022، ولكن هذه المستويات ظلت ثابتة بشكل ملحوظ منذ أواخر عام 2023، ولم تنخفض قط عن 26%.

في المقابل، أشار بلوم إلى أن أكبر المفضلين العمل من المنزل هي الشركات الأصغر والأقل شهرة، والتي تعد من بين أسرع الشركات نمواً.

التجربة الصينية

وفي الصين، أجرت شركة «Trip.com» المتخصصة في تكنولوجيا السفر، تجربة لمدة 6 أشهر العام الماضي، لمقارنة إنتاجية العمل الهجين بالعمل الكامل من المكاتب، وجدت أن هذه السياسة عززت الرضا الوظيفي، كما خفضت معدلات ترك العمل بمقدار الثلث، ولم تظهر أي علامة على انخفاض الأداء. 

ولفتت نتائج التجربة إلى أن كل استقالة تكلف الشركة حوالي 20 ألف دولار في التوظيف والتدريب، وبالتالي فإن خفض معدل الاستنزاف للشركة بمقدار الثلث من شأنه أن يوفر ملايين الدولارات.

ومنذ أن أعلنت شركة Trip.com عن قرارها، تبنت شركات تقنية صينية أخرى سياسات هجينة مماثلة.

قد يكون عام 2025 هو العام الذي تنخفض فيه معدلات العمل من المنزل أخيراً، إذ قد تشجع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أمر العاملين الفيدراليين بالعودة إلى المكتب بدوام كامل في اليوم الأول من رئاسته، المزيد من الرؤساء التنفيذيين على إقرار العودة التامة في المؤسسات جميعها.